مع ترحيل ما يزيد عن ألفي مغترب يمني كل يوم ووصولهم إلى أكثر من 80 الف مغترب كما تتحدث الأرقام تزداد مخاوف الشارع اليمني من الآثار السلبية التي قد يتعرض لها ما تبقى من إجمالي مليوني مغترب يمني «بحسب التقديرات الرسمية»، يحدث هذا وسط تحذيرات من تداعيات ونتائج عودة المُرحلين على الأوضاع الاقتصادية في البلاد, وتوقعات بحدوث حالة من عدم الاستقرار، وارتفاع وتيرة الجريمة المنظّمة سواء على مشارف الحدود، او على صعيد التوتر والصراع المحلي بين الأطراف السياسية والدينية، «الجمهورية» درست بعض القراءات والتحليلات الخاصة بهذا الشأن وأوردتها في سياق هذا التحقيق: حسب التقديرات التي تشير إلى أن عدد العاملين اليمنيين في السعودية يصلون إلى ما يقارب مليوني عامل تقريباً, ويتركز أغلبهم في مجال المهن الحرة, وتبلغ تحويلاتهم سنوياً ما يعادل ملياري دولار, يذهب د. طارق مصطفى سلام أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن بقوله : انه من المتوقع أن تؤثر هذه الأرقام سلبيا على استقرار اقتصاد اليمن، الذي يعد من أفقر دول العالم الثالث، ويعتمد بشكل كبير على الأموال التي يرسلها المغتربون من أبنائه في الخارج والتي تقدر إجمالاً بنحو 4 مليارات دولار سنوياً. أعراض الكارثة وفي ظل هذه المستجدات المعقدة يصبح من المؤكد أن عودة العمالة اليمنية ستفاقم من سوء الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة، في حين أن اليمن لم يعد يحتمل كارثة إضافية، كما يشير خبراء اقتصاديون ومراقبون إلى أن عودة المغتربين اليمنيين ستؤدي إلى اختلاق مشاكل اجتماعية كبيرة داخل البيوت والأسر, وذلك لعدم قدرتها على توفير حاجتها من أجل توفير لقمة العيش, خصوصاً وان هناك مئات الآلاف من الأسر اليمنية يعتمدون في معيشتهم على أبنائهم المغتربين في السعودية. عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل عبد الله بن هذال قال في حديثه ل«الجمهورية» بأنه سيكون هناك أزمة اقتصادية كبيرة سيزداد تفاقمها كل يوم بزيادة عودة المغتربين اليمنيين إلى البلاد ولربما تشبه الأمور هنا ما حدث بعد حرب الخليج 1990 من أزمة خانقة في الاقتصاد الوطني. ويتابع: لا يوجد أي جهود فعلية من شانها التخفيف من التداعيات المحتملة لعودة هذا العدد الأكبر من المغتربين، منوها بالقول: من المفترض أن تشكل الحكومة غرفة طوارئ لمواجهة عودة هذا العدد الكبير من المغتربين، ومن المهم أيضاً أن تفكر الحكومة جدياً في خطط واقعية لمواجهة هذه المشكلة. اكثر ما يخيف البعض من عودة المغتربين هو إمكانية استغلال العائدين من السعودية واستخدامهم أدوات للحروب الصغيرة التي تحدث هنا وهناك في مختلف محافظات الجمهورية، كما يشير عضو مؤتمر الحوار الوطني بن هذال إضافة إلى الحاجة والفقر، والأهم هو الإحباط والشعور بالظلم لأنها أسباب حقيقية للإرهاب والعنف، وهو الأمر الذي يجب أن يتنبه له الجميع. اقتراحات وحلول كل يوم يتحدث الجميع ان المرحلين من المغتربين اصبحوا يمثلون لليمن تحدياً حقيقياً، بل ويذهب البعض إلى اعتبارها قضية لا تختلف أهميتها عن بقية القضايا السياسية التي يتم تدارس الحلول لها في مؤتمر الحوار الوطني. - عبد السلام علي المخلافي احد المغتربين اليمنيين في السعودية قال: بأن اليمن اذا لم تحتو عودة المغتربين ببرامج تشغيلية واستثماريه ستدخل اليمن بمشاكل حقيقية. ويواصل المخلافي طرحه بحزمة من البدائل التي قال: إنه لا بد للحكومة الالتفات إليها وتدبير الحلول المستعجلة لإنقاذ البلد وكذلك قضية المغتربين مثل الاهتمام بفتح باب الاستثمار وحمايته بما يلزم كي تتوفر منشآت ومشاريع تستوعب الكثير من العائدين والتي قد تصعد من نسبة البطالة في اليمن، مضيفاً بأن اليمن لن يخرج من هذه الأزمة إلا بهذه الخطوة، إضافة إلى التركيز على التنقيب والسياحة، في كل الاتجاهات بحيث يكون الاستثمار غير محتكر على احد وكذلك ضمان المستثمر الأجنبي لحق الملكية. مخاوف تزداد نتيجة لاعتبار عامل الأمن العام واحدا من اهم عوامل وركائز التنمية الاقتصادية في أي قطر وأي دولة في العالم، يؤكد مراقبون ومحللون بانه لن تحدث أي خطوة عملية في هذا المجال في ظل كل هذه التناقضات التي تعيشها البلاد، محذرين من ان توفر مثل هذه المناخات عملية استقطاب واسعة للشباب العائدين، واستخدامهم من قبل اطراف وجبهات تساعد على استمرار الصراعات والاقتتال من اجل مقاضاة مبالغ مالية مقابل ذلك استجابة لحاجتهم الملحة وظروفهم السيئة. - أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن «د طارق مصطفى سلام» قال: بالرجوع قليلاً إلى تاريخ العودة الأولى للمغتربين اليمنيين عام 1990م وما أعقبته من تداعيات، فإن المخاوف تزداد كثيراً من عودة المغتربين اليوم بالتزامن مع كل هذه الصراعات السياسية والتحالفات التي تحكم الخناق على اليمن من كل جانب، ويزداد الخوف اكثر من تصاعد ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. - ويقف د سلام حائراً وخائفاً من كل تداعيات هذه الأزمة الراهنة الناتجة عن ترحيل العمالة اليمنية على مجمل الأوضاع في عرض البلاد وطولها، وما قد تحدثه من عبث وشر، والذي سيطال كل شيء ويحرق الأخضر واليابس على امتداد الوطن. - عبد الحكيم السيد يعتبر ان عودة المغتربين ستشكل قلقاً كبيراً للكثير من الناس، ومن بينهم أسرته في ريف شرعب مثلاً التي سبق ان تعرضت بعض ممتلكاتها - القات - لعميات النهب والسرقة والاستيلاء والتدمير من قبل بعض الشباب الذين كانوا يتجمعون على هيئة عصابات وشلل ويعيثون في الأرض الفساد قبل فترة اغترابهم في السعودية، ويبدي عبد الحكيم قلقه من ان يعود هؤلاء المغتربون ليمارسوا نفس العملية السابقة ويفرضوا سيطرتهم على الناس البسطاء والضعفاء، ويقومون بإذلالهم خصوصاً في ظل هذا الانفلات والشرخ الأمني الكبير الذي يسود البلاد والمحافظات ويمتد إلى الأرياف بشكل اكثر سهولة وحرية. ويصف عبد الحكيم هنا عودة مثل هؤلاء الشباب بالكارثة التي ليس بمقدور احد إيقافها لأن الوضع مهيأ للتخريب، وفوق هذا كله يعول عبد الحكيم على امله الكبير في أن يعود الجميع لبناء وإعمار بلادهم ووطنهم، والاستفادة من فترة اغترابهم التي قضوها في إعمار غير بلادهم. مجرد تقديرات بالتزامن مع ترحيل مئات الآلاف من المغتربين اليمنيين فإن الجهات المعنية تفتقر إلى قاعدة معلومات وبيانات شاملة بالعمالة اليمنية في دول الخارج، ونتيجة لعدم وجود أرضية إحصائية موضوعية كاستراتيجية فاعلة إزاء هذه القضية المهمة فإن كل الأرقام المعلنة والإحصائيات المتعلقة تعتبر تقديرات قائمة على اجتهاد بعض الأشخاص والوسائل الذاتية أو على إحصائيات محدودة. وبالإضافة إلى عودة 300 ألف مغترب يمني من السعودية تفيد المعلومات أن المملكة وفقاً إلى إعلاناتها، فإنها تبدي استعدادها لترحيل جميع المغتربين اليمنيين من أراضيها، وفي الحديث عن الدور الرسمي للحكومة اليمنية ممثلة بوزارة المغتربين قد أعلنت عن إعداد مشروع خطة طوارئ لاستقبال نحو 500 ألف مرحل يمني من المملكة، وتابع المجلس الوزاري إقرار بعض المعالجات الإضافية العاجلة. إسعاف أولي إزاء كل هذه الأعباء الاقتصادية الحاصلة أقر مجلس الوزراء خلال اجتماع له أخير خصم قسط يوم على جميع موظفي الدولة، بحيث تكون عائداتها لصالح استقبال وإيواء وتأهيل ونقل المغتربين المرحلين من المملكة العربية السعودية، إضافة إلى صرف 10 ملايين ريال بشكل عاجل من الموازنة العامة للدولة لهذا الغرض، وقد شكل بهذا الخصوص لجنة وزارية برئاسة وزير شئون المغتربين وعضوية وزراء الشئون الاجتماعية والعمل والمالية والخدمة المدنية والتأمينات، تتولى عملية التنسيق والمتابعة في هذا الجانب. كما كان المجلس قد أكد ضرورة تأسيس صندوق خاص لهذه الأموال، على ان تقوم وزارة الشئون القانونية بإعداد لائحة تنظم عملية صرف المبالغ بطريقة شفافة، وبما يضمن تخصيصها في الأغراض المحددة لها ووصولها إلى المستفيدين من المغتربين المرحلين، داعياً بهذا الخصوص القطاع الخاص ورجال الأعمال وشركاء اليمن من المنظمات والدول المانحة ومنظمات المجتمع المدني إلى المساهمة الفاعلة ودعم هذا الصندوق. الأستاذ خالد الأغبري يرى بأن الإنسان اليمني وخاصة الكثيرين من المغتربين دائما هم مسالمون ولكن لا يمنع ان بعض الأطراف تستغل ظروفهم المادية أو المعنوية لأغراضهم السياسية، مؤكداً على ان عودة المغتربين مشكلة اقتصادية في الدرجة الأولى ولها عواقبها السياسية غير المباشرة، وليس شرطاً من المغتربين أنفسهم.