يقع الكتاب في أربعة وتسعين صفحة جاءت المقدمة قرابة ثلاث عشرة صفحة للأستاذ / د/ حسن مكي رئيس جامعة أفريقيا العالمية ، السودان ، والمقدمة جاءت نمطية للتعريف بمشروع الجامعة حول الدراسات الحضارية في القرآن الكريم . الباحث سعيد الحسن قام بتقسيم الكتاب إلى ثلاثة محاور : المحور الأول تحت عنوان قدسية القيم السياسية في القرآن وصلتها بعقيدة التوحيد وجاء هذا العنوان بمثابة تفكيك نظرية مقاصد الإسلام / د/ طه جابر العلواني ، والمتمثلة في ثلاثة محاور : حاكمية الله ، والتزكية ، وعمران الأرض ، وعليه فإن الباحث (الحسن ) قد قسم بحثه وفقا ً لهذه النظرية ، فجاء المحور الأول – قدسية القيم ، صحيح أنه لم يشير إلى نظرية د/ طه العلواني ، لكنه استلهم روح النظرية وقام بشرحها . وفي نظري أن عنوان المحور الأول – قدسية القيم : هو أفضل من الصياغة التي أختارها د/ طه جابر العلواني . ذلك أن مفردتي حاكمية الله هي القدسية ، لكن الصراع الكنيسي العلماني في أوروبا وكذا الصراع اليساري العلماني العربي المتخربق ضد كل ما هو إسلامي قد وضع مفردتي الحاكمية في قفص الإتهام . هذا من جهة ..........ومن جهة أخرى : أن أ/ الحسن جاء بحثه هذا ...بمثابة نقض فكرة ما بعد الحداثة في الغرب ، وهي حسب د/ عبد الوهاب المسيري والذي تشبع كل ما كتبه دعاة ما بعد الحداثة فوجد أنها دعوة إلى العدمية ورفض أية قدسية ، وأن الله مات ، وأن الإنسان مرجعية ذاته ، وأن القيم هي قيم السوق فقط ، = إنسان منتج ومستهلك ..وعند ودجود صراع اقتصادي أو احتلال لأرض الغير فالقوة هي الحاكمة شعار البقاء للأقوى ؟ - وليس للأصلح ، ونموذج كتابي صدام الحضارات ونهاية التأريخ . بمثابة ترجمة لفكرة البقاء للأقوى ، فلا قيم ، ولا عقل متجاوز – يؤمن بالغيب – ولا قدسية ، وكل الحضارات أنتهت إلى مركزية البيت الأبيض الأوروأمريكي . وإذاً فالمحور الأول من كتابه منظومة القيم السياسية في القرآن جاء بمثابة رد أو نقض النظرية المادية المتقلتة المرتكزة على فلسفة ما بعد الحداثة من جهة ثالثة لم يكن سعيد الحين هو أول من تصدى للفكرة المادية – ما بعد الحداثة – وإنما كان السابق إلى هذا عالم الإجتماع الألماني – ماكس فيبر – صاحب النزعة الإنسانية ضد التوحش الرأسمالي الفردي فقال : أن فلسفة ما بعد الحداثة = وضعت الإنسان في قفص حديدي محكم يدور في إطار بُعد واحد مستهلك – يعيش لبطنه وفرجه = جنة الأرض . الخلاصة : كان المحور الأول لكتاب الحسن – هو قدسية القيم ، أراد من خلاله ضرورة وجود مرجعية عُليا ضابطة يخضع لها الجميع الأمر الذي ينعكس إيجابيا ً على قدسية الإنسان وحقوقه ببعديها المادي والقيمي، وما لم يكن للقيم قدسية فهذا يعني إمتهان للإنسان وتدميره باسم تحريره والحاكم هو شريعة الغابة القوة نموذج تدمير (120) مليوناً من الهنود الحمر المواطنين الأصليين في أمريكا ورقم قريب من سابقه في الحربين العالميتين ،وما حل ولا زال في فلسطين ولبنان وأفغانستان وفيتنام، والعراق والبوسنة من تدمير للإنسان والبقاء للأقوى. المحور الثاني سرد منظومة القيم إنطلاقا ً من العنوان القيم السياسية كان المتوقع من الكاتب أنه سيتحدث عن العدل والشورى، عدم الظلم المساواة والحرية من المنظور القرآني وإنعكاسات هدم القيم على المجتمع اقتصاديا ً وعمرانيا ً و..و..والخ غير أن الكاتب خالف هذا التصور كونه مألوف ، بل ربما في نظره أنه لم يلامس عمق المشكلة نظرية التغيير الإجتماعي وفق المنجية القرآنية ، والتي بدأت بتغيير مافي النفس (..حتى يُغيروا ما بأنفسهم...) وإذن فالكاتب لم يتحدث في هذا المحور عن القيم السياسية الآنفة، وإنما تحدث عن قيم فردية مطالبا ً بتفعيلها كقيم دينية ، فذكر مفردات قيمية كثيرة منها : الإخلاص ، الحب ، الرحمة، الصبر، التواضع ، الإخاء ، فعل ا لخير عموماً، الصدق، الأمانة، العمل حب العمل ، الإتقان ، ..الخ قيم الخلاص الفردي ؟! وهنا يصطدم القارئ حيث يجد الكاتب قد غش القارئ وقلب الحقائق وغالط ..وقذف بالتفكير والمجتمع إلى عزلة صوفية ؟! كما أن أسلوب الكاتب في محوره الأول وهذا المحور لا يخلو من غموض في ثنايا المحورين وهو ما يُعزز لدى القارئ عدم الإهتمام بمتابعة القرءاة ، فألأسلوب أقرب إلى الوعظ الفقهي وفيه مفردة – بعضها ركيكة – غير جاذبة للإهتمام كما أن فيه جُملا ً جديدة جاذبة للإنتباه والسبب في نظري يعود أولا ً إلى ( جِدّة ) الفكرة وجِدّة الصناعة . كما أن طبيعة الموضوع غلب عليه الجو التزكوي النفسي الإيماني فجاء وكأنه دعوة صوفية إلى خلاص فردي . الخلاصة : طبيعة المحور: ترسيخ القيم الفردية كأرضية فلسفية سيُبنى عليها ، ولا بد من أن يكون المنطلق من قدسية عُليا تقوى، تزكية ، إيمان بالقيم وإلتزامها وعدم التفريط بها ..إذن فهو منطلق من الأساس الأول في التغيير وفقا ً لنظرية القرآن العميقة الجذور تغيير ما في الأنفس، فجاءت اللغة أقرب إلى لغة الوعظ ..وفي نظري طبيعة الموضوع أقتضت هذا النوع من اللغة كما أقتضى أن يداخله شيئ م الغموض وبالتالي: فإن النظرية القيمية الفردية في هذا المحور لو لاقت وسائل تربوية ناجحة تتناسب وروح الحاضر مفردات، وفلسفة ووسائل بعيداً عن جلد الذات فلا شك أنها نظرية كفيلة بإحداث تغيير فردي مجتمعي. المحور الثالث أنطلق الكاتب من فرضية قدمها على صورة إجابة على سؤال قائلا ًما معناه: إن مشكلة المجتمع هو الطغيان والفرعنة والفساد السياسي الفردي أو الجماعي الحزب، الأسرة فكان جواب الكاتب: إذا أنطلق المجتمع من قدسية القيم الفردية فإن مواجهة تغول السلطات وانتفاش الطغيان لا بد له من قيم جماعية تنطلق من القدسية ذاتها ، هذه القيم – أولا ً الحرية الجماعية الرادعة للطغيان المتفلت ، ولن تأتي الحرية الجماعية إلا بقيمة التواصي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يليها قيمة التعاون ، الشورى في أختيار الحاكم وعزله عند خروجه ومساسه بقيمة العدل والمساواة..مشيراً أن ما بعد الثورة الفرنسية أعُطي الشعب الشرعية السياسية تعبيراً عن العقل الجماعي الخلاق علما ً بأن المجتع هنا إذا أراد أن يترك هذا الحق فلا اعتراض عليه ، لكن سيكون عندنا المسلمين تخل عن مبدأ ديني قداسة القيم السياسية الخادمة الحامية للمجتمع والتفريط فيه كالتفريط في الصلاة سواء ً بسواء ً ، مع فارق أن القيم السياسية التعبد فيها جماعي كونوا قوامين بالقسط راقبوا السلطات وأطروها على الحق الجماعي، فهذا هو صمام أمان المجتمع، قداسة القيم الفردية والجماعية = سياسة مجتمع بثقافته وهويته ومعتقده والإنقياد الإجتماعي هنا إسراع وبالتالي فالمشروع الإسلامي جاء ليُعبّر عن إرادة الأغلبية كي تثور على إمام قوى الطغيان.