الفن التشكيلي رسالة إنسانية وسامية لمخاطبة مختلف الأجناس يعبر عن هويتنا اليمنية وحضارتنا وتاريخنا، لكن المؤسف أن هناك العديد من الإشكاليات التي تواجه وتؤثر سلباً على هذا الفن.. ذلك أبرز ما أكده عدد من الفنانين التشكيليين الشباب في الاستطلاع التالي حول الفن التشكيلي ... تصوير جمالي الفنانة التشكيلية أمة الرزاق الجائفي قالت عن بدايتها في الفن التشكيلي: “منذ أن عرفت نفسي وأنا أرسم فقبل التحاقي بالدراسة الابتدائية كنت أرسم في الرمل والجدران و«...» وتطورت تدريجيا إلى الرسم بالقلم الرصاص وهكذا وخلال الفترة الأخيرة بدأت أشارك في المعارض والمسابقات وبدأت أرسم بالألوان الزيتية وأغلب لوحاتي هي عبارة عن تصوير جمالي للبيئة اليمنية وخاصة مدينة صنعاء القديمة كوني متأثرة ببيئتي أمانة العاصمة علماً بأن أول لوحة رسمتها ولازلت أحتفظ بها رسمت فيها والدي بعد وفاته رحمه الله كوني تأثرت نفسيا لمفارقته فهو أول من شجعني على الرسم منذ الصغر أما عندما انتقلت إلى الساحة الفنية فأول من أكتشف موهبتي وشجعني للاستمرار هو الفنان زكي اليافعي”. وأشارت أمة الرزاق الجائفي إلى أن الفن التشكيلي بالنسبة لها يعتبر رسالة إنسانية وإسقاطا نفسيا أي أن كل ما تسقطه البيئة على الفنان يسقطه على اللوحة وأنها تميل في لوحاتها للتراث والتصوير الجمالي. الوحدة مفتاح الأصالة وعن مشاركاتها في المعارض والمسابقات الخاصة بالفن التشكيلي أوضحت الجائفي أنها شاركت في مسابقة جائزة رئيس الجمهورية للعام 2010 وفازت بالجائزة الأولى على مستوى أمانة العاصمة في حين لم تعلن نتائج الفائزين على مستوى الجمهورية منوهة بأنها شاركت في ثلاث لوحات منها لوحة “الوحدة مفتاح الأصالة” وأخرى أسمتها صور من بلادي وهي عبارة عن كوكتيل من الصور تبرز ما تتميز به اليمن من مناظر وإمكانيات ثقافية وهو أسلوب جديد دخلت فيه “التجريدي” حد قولها. إشهار التراث إلى ذلك أوضح زكي اليافعي أن الفن التشكيلي رسالة سامية نخاطب بها مختلف الأجناس وتوصلنا للعالم بأفضل حلة ومظهر منوها بأنه يميل في رسوماته إلى البورتريهات بمعنى يحاول في لوحاته إظهار وإشهار كل ما هو أصيل من التراث اليمني القديم الذي ضرب بجذوره في عمق التاريخ. ومن ذلك أصالة وهوية الإنسان والمباني والمهن اليدوية القديمة وكيف أخضع اليمنيون الطبيعة وكيّفوها لصالحهم بأداة بسيطة. ويضيف: “أرسم منذ الصغر وكنت أحب رسم كل شيء فيه جمال كجمال الفرس فتراكمت لدي الخبرة وتعتبر لوحتي التي رسمتها نهاية عام 2003 وبداية 2004 وتتمثل في “رجل يقرأ المصحف الشريف”، في وضع روحاني على سارية مسجد، مفتاح انتقالي من العمل الفني غير المنظم إلى الاجتهاد والتنظيم والمشاركة في المعارض كوني اكتشفت من خلالها العوامل والعناصر الأساسية للوحة كما هو في المدرسة الواقعية والتي تربطها عناصر جيدة منها الترشيح والتكوين والمنظور وغيرها وهذه اللوحة من أجمل لوحاتي وأول لوحة تم اقتناؤها ومنحتني سمعة وشهرة ومازالت إلى اليوم مطلوبة وتجذب الرواد والمقتنين أما قبلها فقد كنت مهمشا, ولفت اليافعي الحاصل على عدة جوائز منها جائزة الرئيس للفنون التشكيلية 2004 عن محافظة أبين وجائزة الرئيس على مستوى الجمهورية للفنون التشكيلية 2007 والعديد من الشهادات التقديرية من مؤسسات إبداعية في اليمن وجائزة أفضل لوحة لمنظر سياحي في اليمن 2008 وغيرها لفت بأن لديه حصيلة كبيرة من اللوحات تم اقتناء عدد منها من جهات مختلفة كرئاسة الجمهورية ومعظم السفارات في صنعاء ومراكز ثقافية في الداخل والخارج وتحديدا في دول الخليج .. مشيرا إلى أنه وبرغم ذلك ما زال في بداية مشواره كرسام هاو ومبتد “عصامي” ومازال متربعا في المحطة الأولى وهي المدرسة الواقعية بكل عناصرها الكلاسيكية والانطباعية. إرث غزير وأكد اليافعي أنه من حسن حظ الفنان التشكيلي اليمني أنه بمجرد أن يزور صنعاء القديمة أو غيرها من المناطق اليمنية يكتشف عدة أفكار بالإمكان تجسيدها في لوحات تشكيلية منوها بأن اليمنيين أصحاب إرث غزير جدا بالموضوع أي الأفكار ويفترض أن يستعرضها الفنانون التشكيليون في لوحاتهم وإظهارها للعالم الخارجي للتعبير من خلالها بأننا أصحاب هوية وتراث وموروث وأصالة وحضارة وتاريخ مشبها الفنان ب ترمومتر حساس أو مرآة تعكس الواقع الموجود حولها .. مشيرا إلى أنه معجب بأعمال فنانين تشكيليين كبار أمثال الفنان اليمني عدنان جمان سطران النجار، وهاشم علي وأنه وإياهم يميل إلى مدرسة واحدة في الفن. عصر ذهبي ولكن! ويتابع اليافعي وهو من مواليد يافع محافظة أبين قائلا: “الفن التشكيلي في اليمن راق بكل ما تعنيه الكلمة وحقيقة كان لوزارة الثقافة دور كبير في هذا المجال خاصة عام 2004 في إحداث نقلة نوعية محسوسة لدى كل الفنانين إلى درجة أنه وصل إلى العصر الذهبي على مستوى الجزيرة العربية ويعتبر حاليا في الريادة مقارنة بدول كثيرة منها دول الخليج إلا أن الإعلام لا يعطيه مكانته ولا يبرزه للعالم الخارجي وهو ما يتطلب إعادة النظر.. وقال اليافعي: “إشكالاتنا في اليمن تتمثل في عدم وجود اهتمام شعبي ورسمي بهذا الفن إلا ما رحم الله ونقص في الذائقة الجمالية بشكل عام حيث لا تجد اللوحة مكانتها وتقارن أحيانا بسعر جوال أو ما شابه وفي أحايين كثيرة تهمل كونها تشترى استعطافا بالفنان أو دعما له وهذا عين الخطأ وبالتالي رغم ما وصلنا إليه وما تبذله وزارة الثقافة حاليا إلا أننا لم نصل إلى المستوى المطلوب والذي يفترض أن تكرم فيه اللوحة أكثر مما هو موجود وأن يعيش الفنان حياة أفضل خصوصا وأن الوضع القائم يدفع بالكثير من الفنانين إلى العزوف عن هذا الفن، فالجمال والإخلاص للوحة وقوة الفنان فيها وسعرها عوامل مكملة لبعض لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى وهو ما لا يتحقق لدى غالبية الفنانين اليمنيين بعكس البلدان الأخرى والذين لديهم هوس باللوحات كونها خير ما يزين به الجدران ففي دول أوربا عندما تهدي رجلا لوحة أفضل من أن تهدي له سيارة لذا فأشهر اللوحات العالمية التي نجهلها كمجتمع يمني يتجاوز سعرها مائة مليون دولار”. عدم توفر الخامات إلى هنا والصورة واضحة وفيما يتعلق بالإشكاليات التي يواجهها هذا الفن والفنانين التشكيليين في اليمن يرى اليافعي بالإضافة إلى ما سبق أنها تتمثل في تهميش بعض الجهات المعنية لهم وموسمية المعارض التي تنظمها وزارة الثقافة وحصر اقتناء اللوحات على مجموعة من الفنانين وعدم توفر الخامات التي يحتاجها الفنان كالريش الممتازة والزيت والقماش ونوع البراويز وغيرها.. إلى جانب عدم إعطاء اللوحة قيمتها المادية والفنية وضعف الإقبال أو ندرته على شرائها واقتنائها ذلك ما أكدته الجائفي .. معتبرة أنهم يروجون للوحاتهم وبشكل كبير في السياحة وأن ما تشهده اليمن حاليا من أحداث انعكست بشكل سلبي عليهم مضيفة: “ما تقوما به حاليا وزارتا الثقافة والسياحة تجاه الفن التشكيلي غير كاف ونتمنى أن يكون أفضل مما هو عليه. سبل النهوض بالواقع وفيما يتعلق بسبل النهوض بواقع هذا الفن أوضح اليافعي أننا بحاجة إلى استراتيجية تثقيفية للمجتمع بهدف تعزيز الذائقة الجمالية ليس في الرسم فقط بل في كل المجالات وكل شيء للوصول إلى تقديم وتقدير قيمة اللوحة أو أي شيء آخر وكذا ضرورة وجود مناهج خاصة في التربية الفنية في المراحل الدراسية الأولى والوسطى أو مادة أو جزء من النشاط اللاصفي لتثقيف الشباب والطلاب على حب الجمال وتكوين ثقافة فنية في أوساط هذه الفئات.. وطالب اليافعي وزملاؤه الآخرون كافة المعنيين في هذا المجال سواء كجهات رسمية أو خاصة كشركات تجارية وغيرها بأن تشجعهم سواء معنوي أو مادي أو بأي شكل من الأشكال بما يمكنهم من الاستمرار والإنتاج الجيد وأن ترفع مستوى قدرتهم كما هو حال بعض الشركات الخاصة كمران أنموذجاً والتي كانت تقوم كل عام بشراء 12 لوحة تشكيلية بسعر جميل جداً وترفق بالتقويم السنوي للشركة والذي يطبع أكثر من 50 ألف نسخه توزع في كافة المحافظات والسفارات داخل وخارج اليمن ما يعني أنه لو انتهجت كافة الشركات هذا النهج وهو ما يتمناه وغيره من الفنانين فإننا سنرتقي بالفن والفنانين إلى أبعد الحدود حد قوله. كما طالب الجهات المعنية ممثلة بوزارتي الثقافة والسياحة بضرورة إنشاء جاليري أو مرسم كبير على غرار المراسم في البلدان الأخرى خصوصاً وأن اليمن تعج بمئات الرسامين والرسامات ومساعدتهم من خلال إقامة معارض خارجية.