هناك من الفتاوى والآراء التي خرقت العقل الجمعي التقليدي وكسرت الخوف الاجتهادي قديماً وحديثاً، وتحمل المجتهد أعباء هذه الاجتهادات المشاغبة في جدار التقليد والمياه الراكدة درجة من السخرية والتفسيق بلغت حد التشهير بالكفر..هكذا يقاوم المقلد الجمعي كل ما ليس له عهد به كرهاً منه لتحريك رأسه نحو الجديد المكلف اجتماعياً ودينياً في نظره.. إلا أن هناك من العلماء الأفذاذ الذين تجلببوا بثوب الشجاعة وقدموا بعض الآراء غير المعهودة في ثقافتهم الفقهية، منها: إمامة المرأة للرجال . فقد فجر الإمام الطبري وأبو ثور قديماً جواز إمامة المرأة للرجال مطلقاً كما ذكر ذلك بن رشد في بداية المجتهد، وابن تيمية أيضاً يقول بجواز إمامة المرأة للرجال في صلاة التراويح في المشهور عن أحمد وفي باقي التطوعات روايتان، استناداً إلى حديث أم ورقة المشهور” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْراً قَالَتْ قُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي شَهَادَةً قَالَ قَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ قَالَ فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ قَالَ وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّناً فَأَذِنَ لَهَا قَالَ وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْ غُلَاماً لَهَا وَجَارِيَةً” أبو داود وفي العصر الحديث أعاد لهذه المسألة الحياة بعد أن كادت تطفئ الشيخ الترابي وجمال البنا وأم ورقة العصر (أمينة وداد) التي قامت بتطبيقها عملياً من خلال إمامتها للرجال والنساء، ولكن عندما تحولت إمامة المرأة من التنظير إلى الفعل فجرت بركان الغضب التقليدي عليها وقامت المجاميع الفقهية بالنفخ في نار الذكورة العربية وتأجيج العواطف المريضة. فتصدى لهم الشيخ جمال البنا بتأليف كتاب حول هذا الموضوع بعنوان (جواز إمامة المرأة للرجال)، ويشير البنا في استعراض لكتابه من قبل أحد الباحثين إلى أن أمينة ودود، أقبلت على هذه الخطوة للتدليل على مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة، خاصة بعد الهجوم على الإسلام واتهام أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أن الإسلام دين التخلف والجهل، ويؤكد البنا ضرورة أن يقوم الذين عالجوا هذه القضية بأن يتمثلوا المشهد الأمريكي، وأن يضعوا أنفسهم موضع المسلمين هناك، يقول البنا: أرادت الدكتورة أمينة ودود أن تفند هذه الدعاوى، وأن تثبت زيفها وأن ترد على هذه الهجمة الشرسة بدليل عملي، وبواقعة محسوسة، وملموسة هي أن الإسلام يقر المساواة ما بين النساء والرجال، حتى في أهم عمل رمزي وهو إمامة الصلاة. الكتاب يمثل دعوة صريحة من البنا للنساء بأن يثرن على أوضاعهن، مشيراً إلى غسيل مخ، تعرضن له النساء، استمر خمسة آلاف عام، بحيث أنه ما إن يقال لهن إن السلف الصالح يأمر بكذا أو ينهى عن كذا، حتى يقلن سمعاً وطاعة. ويشير البنا إلى أنه ليس شرطاً أن يؤتى الكتاب ثمرته في هذا الجيل الممزق، أو في هذه البلاد بعينها، قائلاً: فقد يفيد منه جيل ثان، وقد يجد صداه في بلاد أخرى، لافتاً أن هذا الكتاب عمل جديد يضيفه إلى ما قام به نحو المرأة المسلمة. ويستشهد البنا في الكتاب بوصول المرأة إلى رئاسة الجمهورية في دول مسلمة مثل بنجلاديش وإندونيسيا، ولكن لم تصل مهما كان قدرها إلى إمامة الصلاة، وهو ما يعتبره البنا حاجزاً كبيراً لا يزال قائماً، في وجه المساواة ما بين الرجال والنساء. غوص في العمق : الرجل والمرأة لا فرق بينهما في التكليف الديني ومسؤولية عمارة الأرض “”وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” ولذلك لا أرى مشكلة في إمامة المرأة للصلاة وترأس الدولة ، وكل معارضة دينية إنما تنبع من النظر إلى المرأة على أنها من القصر.. فوجهها عورة، وصوتها وخروجها فتنة، واسمها عيب، وعقلها ناقص.. بل هي عورة متلاطمة فكيف بها أن تؤمهم في أمر مقدس كالصلاة ،ومن عرف السبب بطل عجبه إلى حين!!.. و لم تكن مريم أم المسيح عليهما السلام ناقصة وغير جديرة بخدمة المعبد والقيام بمهامه في نظر ذلك العصر إلا أنه سبحانه تقبلها بقبول حسن وقال في كتابه الخالد “ وليس الذكر كالأنثى” ففي بعض الأحيان تتجاوز الأنثى الذكورة بمراحل، وكانت مريم الصديقة نعم العابدة الزاهدة فأين شبيهات مريم اليوم ليكن عابدات المساجد القائمات عليها !!