في عيوننا ترتسم حقائق الصورة وتتجلى وقائع الأحداث وبنورها نتمعن في آيات الله التي دعانا إلى التفكر بها وإن ضاع البصر اختفت من حياتنا كثير من آيات الجمال التي أنعم الله علينا بها في هذا الكون ولكن من آيات الله أيضاً أن يخلق من عباده من يدعوننا إلى أن نتفكر أكثر في حكمته تعالى ونحمده على كل شيء أراد له أن يكون وبأي حال يكون.. دون تذمر أو غرور ، وعسى أن يكون في ذلك خير لنا وهناك ممن حرمهم الله نعمة البصر لكنه منحهم قدرة خارقة في البصيرة وله في خلقه شأن. قرية الرهبة حينما تصبح القرى عنوان أحاديثنا تتجاذبنا حكاياتها وأجواؤها وأريجها المتدفق من شجيراتها وتربتها النقية، لكنها كانت تحلم أن يكون لها نصيب من الرعاية الصحية ورعاية الأسرة والطفولة لتضمن الوقاية والإرشاد الصحي المسبق للأم الحامل بما يمكنها من الإنجاب السليم وتجنب العوامل الوراثية التي تؤدي إلى وضع أطفال معاقين وهي إعاقات يثبت العلم إمكانية تجنبها من خلال الرعاية الصحية المسبقة للأم الحامل وحتى قبل القران عبر التحليل الذي يعطي مؤشراتها السلبية أو الإيجابية لمن يودون الارتباط الزوجي وبخاصة بين ذوي القربى وبالرغم أن حكايتنا التالية التي يسكن مفردات حكايتها أناس بذرت فيهم تربة الأرض نقاءها وألبستهم خضرتها وروعة جمالها وكما هي مياه الوادي المنهمرة بصفائها كقلوبهم النقية وفي البدء التقينا رب الأسرة الذي ابتلاه الله بخمس من البنات الكفيفات، إنه الحاج أحمد حسن مانع البالغ من العمر 82 عاماً من إحدى قرى جبل حبشي وزوجته التي تصغره ببضع سنين ورغم أنه لا قرابة سببت اقترانهم بينما تنتصب حكاية ابتلائهم ببناتهم الكفيفات الخمس:وهن صفية ذات ال 47 عاماً.. ونور 45 عاماً.. ومنيرة 40 عاماً.. ونبيلة 38 عاماً بينما آخر عناقيدهم منى 30 عاماً.. حيث ولدت معهن حكايتهن لتصبح قرية الرهبة الواقعة بمنطقة يفرس التابعة لجبل حبشي في محافظة تعز قرية تسكنها آية من آيات الله في خلقه ونسائم طبيعية على أرض كل ما فيها يمتاز بجمال الكون الرباني. عيون وُلدت مظلمة يقول أحمد حسن، والد البنات الخمس: تزوجت امرأة من غير الأقارب.. فكانت أول تباشير الاقتران من موعد سماعي لصوت يناديني بالأب تحرك في نفسي كأي أب شعور بالغبطة والأماني الكبيرة التي رجوت أن اقدمها لأولى أبنائي.. وبعيداً عن جنس القادم، ذكراً كان أو أنثى، فكلاهما له مميزاته وعاطفته التي تأتي من ذات القلب.. حينما عانقت عاطفتي إليها بشكل لم أعهده من قبل.. وفي لحظة مع غبطة النفس بالضيف القادم.. وجدتني أسمع من يخبرني أن ابنتي خلقت كفيفة لم يفقدن الخبر فرحتي بها ..ففي قلبي سكن الإيمان بحكمة الله وخياره وكان الصبر والشكر يلازم حياتنا منذ منّ الله علينا بالحياة ..فكانت مولودتي الثانية نور.. التي زينت هي الأخرى بالكفاف ليتوالى ضيوفي بعدها منيرة... ونبيلة.. ومنى... وجميعهن كفيفات... يضيف الأب: كنت مع كل قادم جديد منهن أصلي لله شاكراً متيقنا أن في ذلك حكمة ربانية شرفني الله بها واصطفاني عن سواي وما أدراني أن يكون خيراً يحتسبه الله لي يوم القيامة فلست ممن يقنطون من رحمته وابتلائه. لا أمل في الطب أضاف الأب: في هذه القرية نحن تربينا وعشنا ومن أرض نزرعها ونستمد منها طعامنا وكل احتياجاتنا الأخرى.. تأتي بها بقريتنا فالسمن والحقين هو غذاءنا إلى جانب ما تأتي الأرض به من طعام.. نحاول الاقتصاد فيه طوال العام... وعندما نحتاج إلى بعض الأمور الأخرى مثل الملبس نتنازل عن حقنا من السمن وجزءآً من الطعام ونبيعه لنشتري به تلك المتتطلبات فليس هناك عائد مالي آخر غير ما تأتي به الأرض.. وتجود به علينا بقريتنا...نحن أناس ارتبطنا في الأرض ..ولم نفكر يوما بتجاوز حدود مساحتنا.. التي عشنا بها فالمدينة إن منحتك الحياة شهراً أذلّتك باقي العام.. والتخلي عن الأرض الزراعية هو تخل عن كرامة الإنسان وضمان عيشه الكريم...وليس هناك من ضرورة للكماليات ولوازمها.. فرائحة التربة هنا أغلى من كل بهرجات المدينة .. صحيح نحن نعيش على الحد الأدنى بفعل واقع حالنا وفقرنا.. وهو الفقر نفسه الذي جعلني غير قادر على عرض بناتي على أطباء ..هل هناك من يجهل حال الأطباء والمستشفيات كانت عامة أو خاصة.. لقد تحول كل شيء في هذا البلد إلى ما يشبه أعمال الجزارة.. بينما الضحايا هم الفقراء الذين يبيعون مواشيهم أو يتخلون عن مدخراتهم إن وجدت وآخرون باعوا أراضيهم من أجل علاجهم أو علاج أولادهم ..وفي النهاية اكتشفوا أن الطب في اليمن قد أضاف إلى أمراضهم أمراضاً أخرى نتيجة إما لجهلهم بالطب أو لاسترخاصهم بحياة الناس أو لكونهم يبحثون عن المال فقط فهل كنتم تريدون مني أن أفعل ذلك وإن فعلت أي مصير سينتظرني وبناتي الكفيفات إذا ما تخليت على هذا اليسير من الأرض لعلاجهن وما هو الضمان بعدم إلباسهن مرضاً آخر من الطب إليمني المتدهور. وقفة على الأطلال قد لا يستشعر المرء بحجم تلك المأساة وأنين وجروح ذائقيها ولكن بصمت تفرضها عليهم قناعة الإيمان أن الرب هو صاحب كل قرار فيها.. فبين القارئ والملامس للحقيقة المنظورة تتجسد معاني الشعور والإحساس بما يعانيه من مبعث بحكاياتهم إلى قارئ كريم.. تدفعه حوافز إيمانه وبواعث ضميره الإنساني وإمكانياته إلى الاقتراب لمواقع الحكاية ليمنح نفسه نظرة ربانية يستمد منها ما يبلغ به مكانه في روضاته وبين كل تلك السطور التي سردناها كان مشهدا ذرفت له مآ قينا وقطرت له قلوبنا دماً عندما اكتشفنا ضيق ورثاتة المسكن التعيس يقول الأب: هذه هي بيتي! كانت إشارته في اتجاه منزله تدفعنا لتكرار السؤال عن أي بيت يقصد فكلما اقتربت المسافة إليها ..إلى بيته المزعوم... ضنناه يمزح وعند موقعها لم نجد ما يدل على أنه منزلاً فلم يكن سوى سور مرصوص بالأحجار الغير مترابطة بأي مواد حافظة لصمود تماسكها...تملؤها الفتحات المختلفة ومن الداخل الاتجاهات تتشابه أحجارها وفتحاتها.. يصعب تميز الجدران أكانت مربعة أو مثلثة لكنه كان له باب وأي باب تشكلت مواده بين الحديد والخشب فيما بقية فتحاته من الأسفل و الجوانب مفتوحة وكما هي فتحات السور إلى الداخل بوابات سهلة لدخول الأفاعي والزواحف السامة فإن في الباب فتحات مماثلة ومن داخل ذلك السور خرجت بناته الكفيفات الخمس ومعهن والدتهن الأم المتعبة منهن ومن عوز الحال ورداءة الدار تسكنه أجساد إنسانية ترضى فقر الدنيا تفترش تراب الأرض وتلتحف سقفاً يتساقط الطين والقش منه لكن تحته كفاف يظلم على وجوه تلتبسها قبسات نور برغم كل الأوجاع والمعاناة فلم تزل ابتسامة الأمل تلازمهن فالمولى قد خلق فيهن حكمة لا نظن أن هناك من يدرك عظمتها إلا أبويهن اللذين يعلماننا قيم الصبر والجلد على الشدائد.. والقبول بما كتبه الله.. بقناعة نقولها بصدق: نحسدك عليها ياعمنا أحمد. فيما نترك هنا رسالة مفتوحة لكل ضمير حي ولكل مسئول لا يزال في كيانه ذرة من ضمير ... في مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة المعنية بمثل هكذا قضايا وإلى مسئولي المنظمات و الجمعيات الخيرية والإنسانية في بلادنا إن كنتم ترجون حقاً رضا الله عليكم ففي قرية الرهبة بمنطقة يفرس...مديرية جبل حبشي ما يدعوكم إلى ترجمة أقوالكم إلى أفعال إن كنتم حقاً تؤمنون بواجبات فرضها الله عليكم.