ربما قد يجهله الكثير من عامة الناس.. بينما يعرفه من خلال ثقافته المتواجدة هنا وهناك في بطون الصحف وعبر ميكرفون الإذاعة أحياناً أو على شاشة التلفزة المحلية وربما العربية حيناً آخر أو وسط مواقع التواصل والالتقاء الإلكتروني في أكثر الأحيان أو في المجالس الاجتماعية التي يتعارف من خلالها بعض أفراد المجتمع اليمني وهوا المكان الذي يكون فيه الحظ الأكبر لتعميق صلة التعارف والالتقاء. ومن خلال هذه الأماكن والمواقع استطاع الكثير من المثقفين والمتابعين أن يتعرفوا على هذا الإنسان الذي يحمل وسط عقله وبين أحشاء فكره أفكاراً لمئات من بني الإنسان الذين سبقوه بالمفردات والمعلومات الثقافية ممن تقدموا عنه بالعُمر وكسبوا من قبله مفاهيم المعرفة ورسموا في صفحات السير الذاتية لحياتهم الوجه الحقيقي لثقافة الأدب العربي بكل مكوناته ومصطلحاته ليأتي هذا الإنسان الشاعر .. والأديب المجاهر.. والمثقف المحاضر.. الناطق بلغة الضاد الفصيح الذي أن تحدث أمامك فلسانه ترويك أمزاناً وماطراً ... وإذا لمحك لمحة مهنية فلمحته برق سلام أضاء في ليل عابر .. وإذا جالسته فثقافته تنير فكرك كقمر مسامر. نعم لم أقل عنه شعراً أو أحاكيه نثراً بسطور مصطنعة أو اعتباطية.. ولم أمكيج ثقافته بكلمات جمالية.. ولم أكن أشطح بتعبيري لأسماء خيالية.. أو أصطنع من بعض أقواله حكايات بطولية.. ولم يكن ثري المال كي لا يُقال أهداني قليلاً من أوراق نقدية... لكنه شاعر.. ثائر.. لم يحظى حتى بدرجته الوظيفية. حتى إن الكثير من مثقفي الحالمة تعز خاصة واليمن عامة يعرفه، نعم إنه الشاعر الثائر والأديب الثوري الأستاذ نبيل الحكيمي، هذا الإسم الثنائي الذي نقش الصخر وحفره بأظافره منذ نعومتها بحثاً عن العلم والمعرفة متخطياً عتبات الباب اليمني ليدلف بقدميه إلى أرض الكنانة في ثمانينيات القرن الماضي عندما كان عوده طرياً في مرحلة الشباب وطموحه ينزق أفكاره راكباً على حيوية النشاط والاجتهاد المعرفي يسوقه نحو أرض النيل حيث استنشق هناك عبق الهواء المتطاير مع رذاذ قطرات الماء الزرقاء حاملة معها أشواق وذكريات أمير شعراء العرب أحمد شوقي الذي قطن في تلك الأرض المعطاء ليعطيها من سرد أفكار شعره الكثير من عبق أوزان القوافي الشوقية والتي غرست جذور نشأتها هناك جوار النيل حيث كبرت وأينعت وبقيت كشجرة خضراء يانعة تؤتي ثمرها وأكلها كل حين لمن يأتي إليها أو يستمع لحفيف أوراقها وريحها من بعيد.. إلا أن الشاب الطالب والتلميذ المثابر يومها نبيل الحكيمي أبى إلا أن يكون قريباً من شجرة الشعر العربي الذي تركها أمير الشعراء ليستمع عن كثب كيف كان يتغزل الشعراء هناك بنهر النيل وبوطن أم العرب حيث نزل نبيل الحكيمي في أرض مصر طالباً مجتهداً لم يلتفت قط نحو المغريات الاجتماعية التي تشغله عن مهمته وموهبته التي تغرّب لأجلها وترأس حركة الطلاب العرب ومن بينهم اليمنيون في قاهرة المعز في ثمانينيات القرن الماضي وكان واحداً من القياديين الذين يميلون للحركة الناصرية أو بالأصح ضمن القيادات الطلابية الناصرية التي ربما كُممت أفواهها في ذلك الزمن ليستمر هو متمسكاً بمبدئه حتى ترك العمل الحزبي مع بداية توحد اليمن بشطريه إلا أن الرجُل الثائر والمثقف الحصيف والإنسان الصريح في كل تعامله وأطروحاته ترك الجانب الحزبي ولم يترك العمل الثقافي والأدبي والنضالي بالكلمة. فعندما يطلق لسانه صرخة ثورية في عبارة مركبة فإنها تنطلق من فمه بصوت مدوٍّ يفوق صوت الرشاش والمدفع كونه يصنع الكلمة في مدارك عقله ويبني منها عبارات ومفردات فوق قالب اللسان وبين أحباله الصوتية التي تعطي الصوت والكلمة صداها الجهوري إذا كان معلِقاً أو سارداً للشعر النضالي.. وحزيناً عند الإلقاء إذا ما كتب الأبيات العاطفية... ولم أكن مبالغاً لو قلت: نادراً ما نجد بين الأصوات الإعلامية الحاضرة حالياً بالساحة وممن يعملون اليوم في مجال الإذاعة والتلفزيون أو ممن يقدمون فقرات بالمناسبات والاحتفالات ..صوتاً مناسباً كصوت ..الحكيمي. كون الشاعر نبيل الحكيمي عندما تُعطى له فرصة التقديم لأية مناسبة فإنه يذكرنا بأصوات إعلامية قديمة وقديرة من الزمن الجميل وممن لها مكانتها عند الجمهور المتابع والمستمع أمثال المذيع المتألق (عبدالله محمد شمسان وعبد القادر الشيباني وعبد الله عمر بلفقيه وعبد الله حُمران وعبد الملك العيزري وصلاح بن جوهر ومحمد عبدالرحمن وعلي صلاح أحمد وناصر عبد الحبيب وعقيل الصريمي) وربما هناك أسماء أيضاً لم تسعفني الذاكرة لحصرهم من المتألقين. وكلنا يعرف أن البلد يضج بالأسماء والمذيعين الشباب لكن ومع احترامي وتقديري الشديدين لكل صوت أو إعلامي ومقدم.. فإن التقديم ليس بالصراخ ولا باللفظ الهجائي ولكنه لا يكتمل إلا بنظافة الحنجرة والأحبال الصوتية واللغة الصحيحة والتقديم السلس وبديهية النطق التي سرعان ما يجد المقدم للمفردة الحقيقية والكلمة المركبة التي ينطقها ويربطها مع ما قبلها وما بعدها بأسلوب متوازن وبدون (تعتعة) وتلعثم وفوق كل هذا تأتي الموهبة المهنية. ونبيل الحكيمي يعتبر واحداً من القلة الذين يمتلكون الموهبة التقديمية في الإلقاء وفي كل شيء ولكنها موهبة مجانية لا ترتبط بمهنة عملية رسمية كونه لا يمتلك حتى اللحظة درجة وظيفية أو وظيفة رسمية تضمن له قوت عيشه الذي أبى واستكبر في كل أشعاره وقصائده بأنه لم يخضع وينكس رأسه أمام كراسي المسئولين كي ينال رضاهم ويحصل على موافقة رسمية من هذه المؤسسة الخدمية أو الجهة الحكومية. نعم إنه الإنسان.. فصيح اللسان.. نبيل الحكيمي الرجُل الذي إن وقف أمام ميكرفون التقديم فإنه يسلبك كل حواسك وأحاسيسك ويذكّرك بماضيك الجميل إن كان لك تاريخ أجمل من اليوم.. ويشدك ويحفزك لمستقبلك إذا كان تفاؤلك بالمستقبل الآتي أعظم من حاضرك.. ويوقظ فيك همة الجهد والعمل والاستنفار ليومك إذا كنت تشعر أنك تضع قدميك على عتبة الحاضر بكل صدق وقناعة. نعم إنه الشاعر والأديب نبيل الحكيمي الذي قد لا تعجبه هذه السطور كونه لا يحب الظهور ولا يريد التلميع بشقيه الحقيقي الذي يستحق أن نقوله فعلاً للمرء عند النجاح ..أو السطحي الذي يحبه من لا يعمل ومن يحب القول.