من خلال استعراض آيات القرآن في وحي الله إلى خلقه نجد أن القرآن قد حصر وحي الله إلى البشر في ثلاثة أنواع كما بينتها الآية {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }الشورى51 , فكلام الله للبشر إما أن يكون: 1 وحياً 2 أو من وراء حجاب. 3 أو يرسل رسولاً أما النوع الثاني التي ذكرته الآية وهو الكلام من وراء حجاب فهو خاص بنبي الله موسى فقط كما ذكر الله تعالى {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }النساء164 {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِين }الأعراف144. وبهذا ينحصر الوحي لبقية البشر في نوعين : النوع الأول: بإرسال رسول : ورسل الله هم الملائكة والمكلف بتبليغ الوحي إلى البشر هو جبريل وهو ينزل برسالة من الله هي الدين(الإسلام) قال تعالى {وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ }الشعراء192-195 والروح هنا هو جبريل فإذا نزل على بشر برسالة من الله وهي(دين الإسلام) فإن هذا البشر يسمى رسولاً. وقد ينزل جبريل لتنفيذ أمر من الله في الأرض غير الرسالة كما نزل على مريم على صورة بشر {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً{16} فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً{17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً{18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً{19} قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً{20} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً{21} مريم16-21. وقد نزل جبريل عليه السلام على نبينا محمد برسالة القرآن الكريم كما ذكرت الآيات السابقة وهو الكتاب الجامع لعقائد الإسلام وشعائره التعبدية وأصول شريعته. ومن المهام التي قد يقوم بها جبريل كجزء من رسالة الأنبياء هي تعليمهم الشعائر التي يتعبدون بها الله سبحانه , فقد ذكر القرآن أن إبراهيم وإسماعيل طلبا رؤية المناسك قال تعالى {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة128. أما النوع الثاني: فهو الوحي عن طريق الإلهام والقذف في الروع سواء كان يقظة أو مناماً, وهذا النوع من الوحي ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: وحي خاص بالأنبياء يقظة أو مناماً, فمن أوتي هذا النوع من الوحي فقط فهو نبي ومن أوتي هذا الوحي والنوع الآخر(نزول جبريل) فهو رسول ونبي, فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول كما نعرف, فالرسول يأتي برسالة والنبي يأتي لتبليغ رسالة سابقة, ولذا كان موسى نبياً ورسولاً أما هارون فإنه كان نبياً فقط {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }يونس87 , وأما الوحي في المنام فقد ذكره تعالى عن إبراهيم عليه السلام {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }الصافات105. والفرق بين وحي الرسالة ووحي النبوة ما يلي: 1 الأول ينزل به جبريل والثاني إلهام وقذف في الروع. 2 الأول تشريع والثاني إرشاد للنبي. 3 الأول يحفظه الله في كتاب والثاني لا يحفظه الله في كتاب. 4) الأول يكون في حال اليقظة والثاني في يكون في اليقظة والمنام. وعلى هذا فقد نزل جبريل على سيدنا محمد (ص) بالقرآن وتعهد الله بحفظه ليكون التشريع الدائم والخالد {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9, وقد أوحى الله إليه بالمعنى العام للوحي وهو القذف في قلبه وروعه (ص) وقد أشار الله إلى هذا النوع من الوحي بنوعيه في اليقظة عند قوله تعالى {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} التحريم3, وفي المنام عند قوله تعالى {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح27 , فهو وحي مؤقت في بعض القضايا في زمنه, ولم يحفظه الله لنا لأنه غير تشريع وغير ملزم لنا بعد موته(ص), وما بقي من حياته ص وهو الغالب فهو اجتهاد منه ص. القسم الثاني: وحي عام لجميع الناس كافة يقظة أو مناماً , وقد أشار الله إلى هذا النوع في اليقظة عند قوله تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }القصص7 , وفي المنام عند قوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ }يوسف43.. أما ما يجري من تفسير للأحلام فإنه بحاجة إلى دراسة خاصة تبين ما مدى تعلقه بادعاء علم الغيب , وهل كان تفسير الرؤيا خاص بيوسف عليه السلام كمعجزة له لأن سورة يوسف لم تبين معجزته, أم أنه لجميع الأنبياء, أم هو عام لجميع الناس, وقد توسع في أيامنا هذه تعلق الناس بمفسري الأحلام, وهذا ليس ببعيد لأمة عاجزة تركت عالم اليقظة وعاشت في الأحلام. والفرق بين الوحي الخاص بالنبوة و الوحي العام للناس ما يلي: 1. الأول فيه يقين أنه من عند الله والثاني لا يقين فيه. 2. الأول يأتي فيه بعض الغيب أما الثاني فلا غيب فيه. لأن الغيب لا يطلعه الله إلا للأنبياء والرسل قال تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً{27} الجن , ومثاله أيضاً ما حكاه الله عن العبد الصالح صاحب موسى فقد أطلعه الله على بعض الغيب فهو نبي لا ولي كما يعتقد البعض والأدلة على ذلك كثيرة.. وهذا يرد على من يعتقد بالكشف والرؤى. 3. الأول قد يأتي في المنام بلا إشارة (مثل فلق الصبح) وقد يأتي رمزا, أما الثاني فلا يأتي إلا رمزا. ويدخل في النوع الثاني ما يلهمه الله في غرائز الحيوانات كما أوحى الله إلى النحل {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ }النحل68. وهناك نوع آخر من الوحي ذكره الله في كتابه هو أمره عز وجل لجميع مخلوقاته بأمر ما فتسلم هذه المخلوقات لهذا الأمر ومن أمثلته وحيه للسموات قال تعالى{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }فصلت12, ووحيه للأرض قال تعالى { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا{3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا{4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا{5} الزلزلة1 - 5. ووحيه للملائكة قال تعالى {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }الأنفال12. خلاصة: من خلال هذا العرض للآيات التي تتكلم عن الوحي يمكن أن نصل إلى خلاصة لأنواع الوحي وتعريف كل نوع من هذه الأنواع في ضوء تعريف الشيخ محمد عبده للوحي. فأنواع الوحي من الله إلى البشر ثلاثة وهي: 1 وحي بإرسال رسول: والرسول هنا هو الروح الأمين جبريل عليه السلام ومن أهم وأعظم مهامه , النزول بالرسالة على الأنبياء كي يوصلوها إلى البشر , فمن نزل عليه جبريل برسالة فقد صار رسولا , وقد ينزل لتنفيذ أمر من أوامر الله في الأرض كما حدث مع مريم عليها السلام. 2 وحي بالقذف في القلب للأنبياء, سواء في اليقظة أوفي المنام: وهو عرفان يجده النبي من نفسه يقظة أو مناماً مع اليقين بأنه من قبل الله. 3 وحي إلهام للإنسان سواء في اليقظة أوفي المنام: وهو وجدان تستيقنه النفس يقظة أو مناماً فتنساق إلى ما يطلب على غير شعور منها من أين أتى, وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور.