ثمة خاسرون كثر وراء تأجيل مهرجان الخليج السينمائي، الخسارة هنا تحيط بكثيرين، مخرجون ومؤسسات سينمائية ومؤسسات إنتاج، وفنانون وغيرهم.. فجأة، وفي أول أيام الشهر الجاري أعلنت إدارة المهرجان عن تأجيله لظروف قاهرة كما جاء في بلاغ صحفي مقتضب صادر عنها، وجاء هذا الإعلان كصدمة لكل من يمثل المهرجان وجهتهم السنوية الأثيرة، خاصة وأن المهرجان يقدم الرعاية أكثر مما يسعى للتجارة، وكثير من السينمائيين والمختصين يجدون سهولة في الوصول إليه على عكس المهرجانات الأخرى، إقليمية كانت أم دولية. لم تعلن هيئة دبي للثقافة سبباً وراء تأجيل المهرجان، لكنها أعلنت أن ثمة أسبابا خارجة عن إرادتها، ولم تحدد موعداً لإطلاق النسخة السابعة من المهرجان. تعد السينما العراقية أحد أهم الخاسرين من هذا التأجيل، فهي، وخلال الدورات الست السابقة كانت الأكثر فوزاً بجوائز المهرجان، وهو ما يوفر الفرصة لمخرجيها للتعريف بأنفسهم والانطلاق. السينما العراقية التي لم تخرج بعد من قضية الحروب، ولم تتجاوز الصراعات العسكرية وسنوات الديكتاتورية وما بعد الاحتلال، وهي بيئة ثرية وخصبة للسينما، لم تجد بعد فرصة لاستنفاد هذه البيئة إلى نهايتها حتى كأن مبدعوها لا يريدون أن يبقوا لمن بعدهم شيئاً فيها، أو أنهم سيستمرون في تقليد بعضهم البعض، يبدو الأمر الأول مستحيلاً، لأن كل عصر سينظر إلى حقبة الحروب والديكتاتورية بمنظاره الخاص، فيما يبدو الأمر الثاني عقيماً، ولا يصنع فارقاً. مع ذلك، وبرغم أن السينما العراقية لم تستطع بعد إيجاد مساحة لها خارج إطار تلك البيئة؛ إلا أنها تبقى الأفضل على كل المستويات، وإن نقصتها الإمكانيات المادية للإنتاج؛ فإنها تتغلب على ذلك ببساطتها، ونضج أفكارها، وتظهر بغزارة إنتاجها قادرة على تقديم الأفضل استناداً إلى الإرث الثقافي والحضاري لمنطقة سقطت في فخ الديكتاتورية، ومأزق الحروب، لكنها قادرة على استعادة وجودها، والتأثير فيما حولها. تشهد دورات المهرجان عروضاً كثيرة لأفلام عراقية عربية وكردية بالغة الحرفية والجودة الفنية، كانت غالبية الأفلام الطويلة عراقية، وأكثر الأفلام الوثائقية عراقية، ولم تكن كثرة عددها سبباً في فوزها بالحصة الأكبر من الجوائز، فهناك دول جاءت بأفلام أكثر، وخصوصاً الأفلام القصيرة، لكنها لم تحصل سوى على بضعة جوائز. الفارق إذن بين السينما العراقية ونظيراتها المجاورة أن السينما العراقية من ناحية وجدت ما تعمل عليه، وما تشتغل لأجله، كما أنها تجد لذاتها جذراً حضارياً يساعدها في تحقيق الهوية والانتماء، وإلى ذلك فهي أيضاً تستند إلى عراقتها التي تعود إلى أوائل القرن العشرين، وهي في ذلك تتفوق على نظيراتها المجاورة التي تفتقر لكل تلك الأشياء. لكن افتقار الجوار لكل ما لدى السينما العراقية لم يمنعها من محاولة تحقيق شيء، انطلقت المهرجانات السينمائية في كل قطر خليجي تقريباً، ظهرت أعمال كثيرة بإمكانيات ضخمة، وتحققت أشياء ملموسة على ارض الواقع، إلا المسافة ما زالت طويلة وبعيدة، يقول ناقد عراقي عن المهرجان: “من الرائع أن تصرف بلدان تتوسل تأسيس هوية ثقافية كل هذه الأموال لأجل دعم سينما المنطقة، إنه أجمل من أن توجهها نحو قضايا سياسية يغلب عليها طابع التآمر والمكيدة”. يعمل مهرجان الخليج السينمائي على استحضار التجارب العالمية وجذبها إلى المنطقة لتحقيق تأثيراتها على البيئات المحلية، ولهذا خصص مهرجان الخليج برنامجين ضمن أنشطته لسينما العالم يعرضان نماذج من السينما العالمية روائياً ووثائقياً، مع التركيز على الروائي بشكل أوسع، لكنه في المقابل لا يملك مساحة كبيرة لاستعراض الأفلام الطويلة، فيكتفي بعددٍ قليلٍ منها سنوياً، مقابل عشرات الأفلام القصيرة، الأمر لا يتعلق فقط بالمساحة الوقتية، هنالك أيضاً رغبة في إنضاج تجارب الأفلام القصيرة، كونها أسهل وأخف من نواحٍ عديدة أهمها الإمكانيات المادية. وبرغم أن الأجواء السياسية بين الشرق العربي وإيران ملبدة ما يمنع التواصل الحضاري والإنساني، إلا أن مهرجان الخليج لا يتوقف عن الاحتفاء بالسينما الإيرانية كتجربة فريدة ورائدة في المنطقة، ترقى إلى أن تصبح مدرسة سينمائية، ظهر عباس كياروستامي كأستاذ يراقب أعمال تلاميذه الذين قام بتدريبهم خلال دورتين من المهرجان على الإخراج، وفي برنامج “كرز كياروستامي” في النسخة الخامسة كان الجمهور على موعد مع تلك الأعمال، وسوى ذلك كرم المهرجان الممثل الإيراني الأشهر بهروز وثوقي في نفس الدورة. لكن دورات مهرجان الخليج السينمائي تسقط أحياناً في فخ التكرار، يأتي مخرجون جدد على المهرجان، وآخرون من المشاركين في النسخ السابقة منه بنفس الأفكار، ليعالجوا نفس القضايا، يقدمون نفس المنطق. اليمن ليست خاسراً كبيراُ جراء تأجيل المهرجان، ثمة سينمائيون شباب خسروا حضورهم هذه الدورة بالفعل، لكنهم قلة ولا يتجاوزون عدد أصابع اليد، لكنها تبقى خسارة مسجلة، خصوصاً واليمن تحاول الحضور ولو على استحياء، حيث تحضر بلدان بعيدة عن المنطقة بإسهامات أكثر منها، لكن هذا هو الممكن. ما الذي فعلته اليمن خلال خمس دورات من المهرجان؟ الجواب لا شيء تقريباً، سوى تجربة عادية لم تكن تستحق الجائزة التي حصلت عليها، وسيتم تناولها مرة لاحقة هنا. الخاسرون الآخرون يمكن الإشارة إليهم بدون حاجة إلى التفصيل الطويل، السينما الإماراتية بالتأكيد تخسر لأن المهرجان على أرضها، وأغلب الأفلام المشاركة فيها تأتي منها، صحيح أن هناك مهرجانين آخرين تشهدهما الدولة، إلا أن طابعهما عالمي ولا يجد السينمائيون الإماراتيون فرصة كبيرة للحضور فيهما، أما مهرجان الخليج فهو يوفر حظوظاً أوفر. السينما السعودية تخسر أيضاً لأن مبدعيها الخائفين من الرقابة والملاحقة يجدون في دبي متنفساً لأعالمهم، يعرضونها هناك فيعودون بالإشادات والملاحظات، حيث يعكفون على تصوير أفلامهم القصيرة غالباً في خوف وسرية، خوفاً من ملاحقة الهيئات الرسمية والدينية لهم. ورغم أن بقية بلدان المنطقة لديها مهرجاناتها؛ إلا أن مهرجان الخليج يمثل لها معنىً آخر، تتحقق فيه فرص البحث عن العالمية أكثر. لا أحد يعرف متى تنطلق الدورة السابعة من المهرجان؟ بل لا أحد يدري هل ستنطلق بالفعل أم أن المهرجان ألغي تماماً؟. لكن الكثير من المخرجين والسينمائيين في المنطقة ينتظرون، بقلق وتوجس.