لم تعرف اليمن حواراً مصيرياً غيّر النظام السياسي ورسم ملامح دولة جديدة وفق رغبات شعب، أثّر في موازين القوى، وشاركت فيه كل المكونات والأطياف والشرائح السياسية والمدنية والمستقلة في اليمن بكامله، كما عرفت مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي ضرب أروع الأمثلة للعالم, وأحيا حكمة اليمانيين وذكاءهم في كبح جماح الفتن والتسابق على حب اليمن وضمان ما اتفقوا عليه عبر وثيقة أسموها بوثيقة ضمانات تضمن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وأصبحت محل اهتمام كل الشعب والساسة والباحثين والمحللين . «الجمهورية» تابعت مجريات الندوة السياسية التي أقامها المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية لقراءة وثيقة الضمانات في اطار دعم مخرجات الحوار الوطني الشامل بحضور مستشار رئيس الجمهورية الدكتور عبد العزيز المقالح والعديد من الدبلوماسيين والساسة والباحثين, تناول فيها الأستاذ المساعد في العلوم السياسية والعلاقات الدولية د. عبدالخالق داحش السمدة وثيقة الضمانات من حيث فكرة وأسباب ومضمون أهدافها إلى جانب العديد من الآراء التحليلية لبعض الباحثين حسب الاستطلاع التالي: وثيقة لما بعد مؤتمر الحوار يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية – الدكتور عبدالخالق السمده أن وثيقة الضمانات هي آخر مخرج من مخرجات الحوار الوطني، وآخر وثيقة تم التوقيع عليها في مخرجات الحوار بقوله: فكرة الوثيقة جاءت عند ما بدأت القوى السياسية والتكتلات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل تطرح أسئلة كبيرة حول (ماذا بعد مؤتمر الحوار؟ وكيف يمكن تنفيذ المخرجات وماهي الضمانات الموضوعية الحقيقية لتنفيذ تلك المخرجات؟, وكان لتلك الأسئلة ما يبررها في ظل رتابة أعمال المؤتمر وإطالة مدته المحددة بقرار إنشائه, وزاد من قتامة المشهد والإلحاح على ضرورة وجود رؤى لفترة ما بعد المؤتمر عدم إنجاز الاستحقاقات السياسية المنصوص عليه بالمبادرة الخليجية وفقاً للآلية المزمنة، وهو ما يعني وجود فترة فراغ دستوري وسياسي لابد من إيجاد المعالجات لها في مؤتمر الحوار وتكون ضمن مخرجاته إن لم تكن أهم مخرجاته, لذا فقد سارعت القوى والتكتلات المشاركة في المؤتمر إلى تقديم رؤاها لما بعد الحوار الوطني منطلقة من أجنداتها التنظيمية ورؤية المكون المستقبلة وموقعه القادم في الخارطة الحكومية وحساباته السياسية، فكانت هذه الرؤى متفقة بضرورة تمديد الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد وإيجاد معالجات دستورية وقانونية لفترة ما بعد انتهاء المؤتمر، إلا أنها تباعدت في مدة الفترة وإجراءات المعالجة الدستورية والقانونية لها، ومن أجل إيجاد مقاربة بين تلك الرؤى تقدم التنظيم الوحدوي الناصري بمقترح تشكيل لجنة لإعادة النظر في الرؤى والضمانات المقدمة لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وصياغة الوثائق الصادرة عنه، والاتفاق على مشروع جديد للضمانات بما في ذلك البيان الختامي ومعايير صياغة الدستور ، حيث تم تشكيل لجنة مكونة من عدد (20) عضواً بواقع ممثل واحد عن كل مكون وبإشراف مباشر من رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل المشير عبدربه منصور هادي حيث تم إنجاز هذه الوثيقة والتوقيع عليها مساء الثلاثاء 21 يناير 2014م من قبل ممثلي المكونات باستثناء ممثل مكون أنصار الله الذي كان قد وعد بالتوقيع عليها صباح الثلاثاء حسب شهادة زملائه في اللجنة، إلا أن أيادي الغدر والخيانة غيبته عن التوقيع إلى الأبد في محاولة بائسة لإفشال المؤتمر في آخر لحظاته، ومع ذلك فقد كانت إرادة اليمنيين أكبر وأقوى من كل المؤامرات، تمثلت بإنهاء المؤتمر أعماله وبالتوقيع على هذه الوثيقة باستثناء مكون الحوثيين. أسباب اللجوء إلى وثيقة الضمانات عالج مؤتمر الحوار الوطني الشامل كل قضايا الوطن إلا أنه تم اللجوء إلى وثيقة ضمانات لضمان تنفيذ مخرجات الحوار، تلك الوثيقة كان لها العديد من المعطيات الواقعية وفق ما أشار إليها د. عبدالخالق السمدة تمثلت في الخشية من حدوث فراغ دستوري بعد انتهاء الفترة المزمنة للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية دون تحقيق الاستحقاقات السياسية والدستورية التي نصت عليها المبادرة, ووجود صعوبة فنية وإجرائية حالت دون تنفيذ اللجنة العليا للانتخابات السجل الانتخابي الإلكتروني وإشكالية إجراء أي استفتاء أو انتخابات نيابية أو رئاسية في ظل السجل الانتخابي الحالي المشكوك في شرعيته, وحساسية إجراء انتخابات رئاسية في الوقت الحالي وصعوبة الدفع بمرشح رئاسي جديد من قبل طرفي العملية السياسية (المؤتمر وحلفائه) و(المشترك وشركائه) فالمؤتمر كما يقول السمده: يرى بأن الوقت لا يزال مبكراً لترشيح شخصية بديلة للرئيس عبدربه منصور لما لها من انعكاسات على البنية التنظيمية للمؤتمر وتماسكه الداخلي، كما أن المغامرة بترشيح نجل صالح في ظل ثورة شبابية شعبية على الأسرة لم تخمد جذوتها بعد ستكون بمثابة انتحار سياسي وإعادة لوهج الثورة التي لن ترضى بغير اجتثاث هذه الأسرة وبقايا نظامها، وفي الجهة المقابلة فإن المشترك وشركاءه لظروف واقعية وموضوعية لم يكن هذا التكتل مهيأ بعد لخوض أي انتخابات رئاسية لاسيما في ظل التباينات التي ظهرت تجاه حل القضية الجنوبية، وصعوبة التوافق والإجماع على مرشح رئاسي كما حدث عام 2006م، فضلاً عن ظروف المرحلة وتعقيداتها. مضيفاً: إن من أسباب وثيقة الضمانات أيضاً استحالة تنفيذ أي عملية ايتفتاء أو انتخابات في بعض المناطق, وصعوبة الأوضاع الأمنية السيئة التي تعيشها البلاد بعض ثورة 11 فبراير ووجود أطراف لازالت غير مقتنعة بالحلول التي توصل إليها مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتسعى جاهدة إلى عرقلة أي عملية لاستحقاق سياسي أو دستوري, والحالة الحالية للقوات المسلحة والأمن، وعدم الاستكمال الكامل لمشروع الهيكلة وتنازع الولاء في صفوفهما بين النظام الحالي والسابق. فترة حساسة وأوضح السمدة أن وثيقة الضمانات قد اقتصرت مهمتها في معالجة فترة ما بعد المؤتمر، كفترة غاية في التعقيد والحساسية، وخروج المؤتمر بالاتفاق على طبيعة مرحلة ما بعد المؤتمر والتوافق على حزمة الإجراءات المطلوب القيام بتنفيذها للانتقال من الشرعية التوافقية إلى الشرعية الدستورية كإنجاز مهم، إلا أنها أغفلت الضمانات التي تضمن عدم عرقلة المخرجات وتمكن الدولة من فرض هيبتها وبسط نفوذها على كامل التراب الوطني واستعادة وظيفتها كمالكة للقوة ومستخدمة لوسائل القهر التي من خلالها تستطيع تطبيع الحياة السياسية بشكل كامل. وأردف السمدة محللاً إن وثيقة الضمانات أوجدت معالجات لفترة ما بعد الحوار الوطني في إطار توافقي صعب معه الطعن في شرعية هذه الفترة وأعطت مجالاً لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل والانتقال المتدرج للدولة الجديدة بعيداً عن عامل ضغوطات الوقت, مؤكدة على جملة من المبادئ الهامة التي يحتاجها المجتمع اليمني في وضعه الراهن وفي المقدمة منها الشراكة والتوافق والتوجه الإعلامي والالتزام بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، والتقييم الدائم والمستمر لأعمال المرحلة لضمان تنفيذ ما اتفق عليه بنص الوثيقة على قيام الرئيس والحكومة بإصدار تعليمات قانونية وإدارية محددة إلى النيابة العامة ودوائر الشرطة والسجون والأمن للتصرف وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وإطلاق سراح الذين احتجزوا بصفة غير قانونية، والعمل على إيجاد الضمانات الكافية لوقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني, متطرقاً إلى عدد من المواضيع والقضايا الملحة التي يجب على الحكومة الشروع في تنفيذها لمالها من أهمية في تلطيف الأجواء السياسية والحد من التوترات القائمة, ومنها كما أورد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية السمدة استكمال عودة القوات المسلحة وغيرها من التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن، وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المليشيات والمجموعات المسلحة وغير النظامية, واستكمال إجراءات إعادة هيكلة الجيش والأمن, وتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية, واستكمال تشكيل اللجنة الخاصة بالتحقيق بانتهاكات 2011 م, إضافة إلى تحديدها لأهم الاستحقاقات الدستورية المتمثلة في تشكيل لجنة صياغة الدستور، وإنجازه والاستفتاء عليه، وإنجاز السجل الانتخابي الإلكتروني في مدة لا تتجاوز سنة، إلا أنها وفق تحليل الدكتور السمدة أغفلت تزمين بقية الاستحقاقات الدستورية, كما أكدت على الأولويات التشريعية للدولة الاتحادية والمؤسسات والهيئات التي يجب البدء بإجراءات تنفيذها وإنشائها, وتغييبها للضمانات الحقيقية الضامنة لبسط نفوذ الدولة وسيطرتها الكاملة على رقعة اليمن الجغرافية من صعده وحتى المهرة وسقطرى, وافتقارها لآلية معالجة أهم القضايا والمشاكل التي تعيق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وفي المقدمة منها نزع سلاح الجماعات المسلحة والمكايدات السياسية، والتعامل مع المكونات الرافضة لمخرجات الحوار الوطني. مؤكداً في خلاصة تحليله أن وثيقة الضمانات احتوت أموراً إيجابية كثيرة إلا أن أهم القضايا التي كانت سبباً في إيجاد تلك الوثيقة إما أنها أغفلتها لعوامل سياسية وأمنية صرفه أو إن إجراءات تنفيذها والبدء بخطواتها لم تتم حتى الساعة, وهذا ما يجعل من الوثيقة تبتعد عن أهم ما أوجدت من أجله ويجعل منها وثيقة تنظيم الفترة التأسيسية أكثر منها وثيقة ضمانات. تكتل وطني رئيس المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية السفير د. علي عبدالقوي الغفاري أوضح أن وثيقة الضمانات تمثل أهم القضايا التي يعلق عليها الشعب اليمني آمالاً كبيرة في نقل اليمن من الوضع الذي يعيشه إلى وضع نحلم به جميعاً.. مضيفاً إن نجاح مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وبناء اليمن الجديد يتوقف على النوايا الصادقة التي تعمل على ترجمة المخرجات إلى حيز الوجود بما يلبي رغبات وطموحات الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة, مبدياً تساؤله بأن هناك قرارات كثيرة صدرت ويتوقع صدور الكثير منها لكن ما جدوى القرارات إذا لم تنفذ وتلب مصالح أبناء الشعب في حياة حرة كريمة خالية من الفساد المتراكم على بلادنا منذ سنوات, مؤكداً إن ما يحتاجه اليمن والشعب بعد مشاركة كافة الأحزاب والمكونات السياسية والقوى الوطنية في بلورة مخرجات الحوار الوطني، العمل على ترجمتها بواقعية حقيقية وتقديم مصلحة اليمن فوق كل المصالح الفردية والأسرية والمناطقية والطائفية والمذهبية والعشائرية, وإن ما يحتاجه الشعب تكتل وطني واحد يعمل من أجل إعادة الأوضاع إلى نصابها.. مضيفاً إن الهدف من مخرجات الحوار هو بناء الدولة اليمنية الحديثة العادلة والضامنة لقيام دولة النظام والقانون والعدل والمواطنة المتساوية بين أبناء الشعب ولن يمكن الوصول وبناء الدولة المنشودة إلا ببناء تكتل وطني واحد يضم جميع الأحزاب والمكونات السياسية والقوى الوطنية تعمل مجتمعة على تغليب مصلحة اليمن على بقية المصالح، قائلاً: لا نريد لعقارب الساعة أن تعود إلى الماضي، لقد حان وقت الانطلاق الصحيح لليمن الذي انفرد بخصوصية عن بلدان الربيع العربي بفضل الرعاية والاهتمام الدولي, فلماذا لا ننتهز الفرصة السانحة قبل الوقوع في ما لا يحمد عقباه إذا لا سمح الله تم الانتقال إلى مربع الاقتتال كما هو الحال في سوريا والعراق؟. أهمية نجاح وثيقة الضمانات وأكد الدكتور الغفاري أن تعاون الأممالمتحدة من خلال قراراتها الصادرة بشان اليمن تؤكد أهمية الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين, كما تؤكد القرارات الصادرة وذات الصلة باليمن أهمية اليمن الاستراتيجية في أمن واستقرار المنطقة والعالم والذي يجب على اليمنيين أن يقابلوا التعاطف الدولي بالإسراع في تنفيذ مخرجات الحوار الهادفة إلى بناء مستقبل جديد لليمن خال من الفساد ومن كل آثار الماضي التي أوصلت الشعب إلى الانفلات والاختلالات المٌعاشة على ارض الواقع في مختلف المسارات, ويتوجب على كافة القوى السياسية أن تستوعب المتغيرات, وعلى المثقفين العمل ومواصلة واجبهم في تقديم الأفكار البناءة التي تمكن صانع القرار وكل من يتحمل مسئولية بناء اليمن الجديد الذي يحتاج لكل الأفكار والأيادي الاستفادة منها ومن العقول النظيفة التي ستعمل دون كلل أو ملل من أجل إنجاح وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي ارتضاه الشعب, ووقع مندوبو المكونات السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار على وثيقة الضمانات، وكذا موافقة الجميع على مخرجات الحوار الوطني يوم 12 فبراير الماضي وهو اليوم الذي انتهت فيه أعمال المؤتمر ومضى عليها شهران منذ انتهاء مؤتمر الحوار وهناك الكثير مما ينتظره أبناء شعبنا بآمال كبيرة تتحقق إن شاء الله بنجاح وثيقة الضمانات. التحدي الأكبر لوثيقة الضمانات من جانبه أوضح الباحث السياسي قادري أحمد حيدر أن مؤتمر الحوار الوطني الذي خرج بوثيقة الضمانات هو الأول نوعياً في اليمن، شاركت فيه كل قوى الدولة المدنية الحديثة والأطياف السياسية بكافة مكوناتها, وجميع فئات الفكر والسياسة والمجتمع, وأن تلك المخرجات جديرة بأن تسلم لقوى حقيقة تحافظ عليها وتوصلها إلى بر الأمان وتجعلها قابلة للتنفيذ في القوانين والدستور ومختلف مجريات مشهد الدولة القادم القائم على الحكم الرشيد, مؤكداً أن مخرجات مؤتمر الحوار يمنية 100 % عبرت عن كافة الأطياف السياسية والمدنية, وان التحدي الأكبر هو تحويل المخرجات إلى تشريعات دستورية وقوانين, مشيراً إلى إن مفردات وملامح بعُد التقييم لمخرجات الحوار الوطني هي الحاضرة بقوة وتتغلب على التفاصيل الدقيقة في خطاب المشهد الفكري والسياسي الحاضر في مخرجات الحوار الوطني على الرغم من استمرار القوى التقليدية الإمساك بمقاصد الحكم ولعبها في المشهد السياسي للكثير من القضايا .. مؤكداً على وجوب التمسك بمخرجات الحوار الوطني الذي كان حصيلة جهد وعصف فكري وسياسي اختلف عن كافة المؤتمرات التي عرفتها اليمن.. كما قال بدءً من مؤتمر عمران عام 1963م ومروراً بمؤتمرات خمر 1965م والطائف حتى الجند وحرض, مبيناً إن مؤتمر الحوار الوطني لأول مرة تشارك فيه قوى الحداثة والدولة المدنية الحديثة بجميع مكوناتها والأطياف السياسية, والتي حضرت كل تلك القوى في المشهد الحواري الكثيف والعميق بقوة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.