التقادم الزمني ينطق بمفارقات واقعية فضغط الحداثة يولد نتائج متعددة على اكثر من صعيد منها الإرث التاريخي والحضاري الذي يعكس خصوصية المجتمع وهويته الوطنية كما هو حال الموروث اليمني الذي صنع واحدة من أرقى الحضارات الانسانية تمثلت في قيام العديد من المدن الضاربة في عمق الزمن منها صنعاء القديمة ومدينة زبيد غير انهما اليوم تعيشان على وقع تقرحات البناء الحديث شوهت المعالم وتآكلت معها المظاهر الجمالية ومد من غربتها سوء الأوضاع الاقتصادية واحتياجات النمو السكاني المرتفع وإقرار وربط المسؤولية بالمحاسبة الأمر الذي خلف أنشطة غيرمهيكلة ومعايير مخدوشة تهدد بإسقاط المدينتين من قائمة التراث الانساني . صنعاء القديمة تعد واحدة من أشهر المدن العربية التاريخية والعريقة في ثنايا التاريخ الانساني. ويعود تاريخ "صنعاء القديمة" إلى ما قبل الميلاد بنحو خمسة قرون ومعظم مبانيها الحالية يعود بناؤها إلى ماقبل القرن الحادي عشر الميلادي لها سور طيني محاط بسبعة ابواب وتضم جنباتها مئات المساجد وآلاف المنازل كما يوجد فيها سوق شعبي لبيع مختلف السلع التقليدية والحرف والصناعات التقليدية وجدير بالذكر ان اليمن انضمت إلى اليونسكو في ال2 من أبريل 1962م وأُدرجت مدينة صنعاء القديمة في عام 1986م لقائمة مواقع التراث العالمي في خطوة للحفاظ على خصوصيتها الهندسية وطابعها المعماري الفريد . مدينة زبيد أول مدينة إسلامية في اليمن فقد اختطها بن زياد مؤسس الدولة الزيادية في العام 204ه. وكانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشرواكتسبت غاية ومقصد طلاب العلم الذين كانوا يتوافدون اليها من بقاع عميقة بفضل جامعتها الإسلامية الشهيرة.وتميزت زبيد بوفرة علمائها ومساجدها التاريخية وجمال نقوشها ومبانيها المصنوعة من الطين المحروق الى جانب موقعها الاستراتيجي وهندستها وتخطيطها الفريد الامر الذي جعل منها ان تضم لقائمة التراث العالمي في العام 1993م . الوضع القائم اختلفت معالم الصورة اليوم اكثر من أي وقت مضى فصنعاء القديمة تعاني من تقرحات البناء الحديث الذي زحف على تفاصيل المدينة أبوابها الخشبية استبدل كثير منها بأبواب الحديد ونوافذها الخشبية طغت عليها مادة الالمنيوم ناهيك عن تغير نمط اعمال الترميمات الذي لا ينسجم مع نمط القديم وتقدر المخالفات التي طالت مدينة صنعاء القديمة بنحو 2000 مخالفة.الأمر نفسه ينطبق على مدينة زبيد تشوهات طالت المدينة خدشت من مظهرها الخارجي والداخلي الى جانب تآكل وانهيار بعض المباني اما مخالفات البناء فتقدر بحسب احصائيات رسمية بنحو2400مخالفة متنوعة بين البناء بالإسمنت أو استبدال الأبواب الخشبيةأو الترميم بمواد غير تقليدية. تحذيرات بفعل تزايد البناء العشوائي واستمرار وتيرة المخالفات المعمارية وتهدم العديد من المباني القديمة جراء الإهمال وعوامل التعرية وغياب الترميم الضروري وجهت خمسة تحذيرات من قبل منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة(اليونسكو) للحكومة اليمنية بعد تزايد التقاريرالتي تتحدث عن تشويه المعالم التاريخية والأثرية والطابع المعماري للمدينتين والذي ينذر بإخراجهما من قائمة التراث العالمي. صعوبات ومشاكل بحسب التقارير والتصريحات الرسمية يوجد حزمة من المشاكل الأساسية التي تواجهها المدن التاريخية بشكل عام منهاالتوسع العمراني المرتبط بالنمو السكاني المتزايد حيث تشيراحصائيات السلطة المحلية لمدينة زبيد ارتفاع عدد سكان المدينة من (24791) عام 1993 م إلى (49582) نسمة في العام 2013م بينما تقول جمعية الحفاظ على زبيد ان هناك حاجة لإقامة ما يقارب من 8 آلاف منزل جديد لمواجهة احتياجات المواطنين من السكن . أما سكان صنعاء القديمة فقد اشارت التقديرات الى ارتفاع سكانها من 63,398 نسمةالى أكثرمن مائة الف نسمة وهذه مؤشرات تؤكد الاحتياج القائم للسكن الدائم أو المؤقت الذي افرزعدداً من المشاكل التي تهدد النسيج الحضري للمدينة. شحة الموارد المالية تقول الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية ان ثمة شحة في الموارد المالية المطلوبة لعملية الصيانة والترميم وتمويل الخطط والبرامج المقترحة وتحتاج إلى 85 مليون دولار لتمويل الاستراتيجية الوطنية للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية.وهو مبلغ لا يتوافق مع ما هو مرصود من اعتمادات وسقوف مالية الامر الذي انعكس سلباً على نفقات الدراسات الفنيةوتعويضات المواطنين واشياء كثيرة ذات ارتباط. غياب التنسيق لسان حال وزارة والثقافة والهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية يقول بأن السلطات المحلية هي من تمتلك مقومات سلطات الضبط القضائي ولابد ان يكون دورها فاعلاًلوقف المخالفات وازالة البناء العشوائي وإلزام المواطنين باستخدام مواد البناء التقليدية التي تحافظ على النمط التاريخي والحضاري لمدينتي صنعاءوزبيد بهدف ابقائها في قائمة التراث العالمي.بينما تقول السلطات المحلية بأن الجهود التي تبذل حاليا غير كافية وهي بحاجة الى دعم من كافة المنظمات المحلية والأجنبية وخاصة من منظمة اليونيسكو من اجل تعويض بعض المواطنين ودعم مواد البناء التقليدية بحيث يستطيع المواطن شراؤها بأسعار رمزية. عوامل ذات ارتباط ومن ضمن المشاكل التي تضمنتها تقارير وزارة الثقافة تأخر صدور قانون "الحفاظ على المدن التاريخية" وعدم وجود نيابة متخصصة في قضايا الآثار والمدن التاريخية . بالإضافة الى ما سبق ذكره يرى العارفون في هذا المجال ان الظروف الاقتصادية التي يعاني منها السواد الأعظم من اليمنيين لها دور مفصلي في الحفاظ على المعالم والشواهد التاريخية والاثرية إلى جانب أسباب أخرى مرتبطة بالوعي المجتمعي ومدىتطبيق القانون ورقابة الأجهزة المعنيةو الجهات المساندة لها والروتين المتمثل في صعوبة الحصول على رخص البناء بالإضافة إلى ضيق الإجراءات الإدارية المنظمة . اجراءات نجحت جهود اليمن من إقناع منظمة اليونسكوفي اجتماع لجنة التراث العالمي ال (37) الذي انعقد في كمبودياخلال الفترة 16 - 27 يونيو 2013م بالإبقاء على اثنتين من مدنه التاريخية ضمن قائمة مدن التراث العالمي بعد أن كانت حذرت بإسقاطهما جراء عدم التزام الحكومة بالمعايير المتعلقة بالحفاظ على المدن التاريخية. وتم منح اليمن مهلة أخرى نظراً للظروف التي مر بها اليمن خلال أحداث عام 2011م مقابل التعهد بالعمل على إزالة المخالفات والتشوهات المعمارية التي طالت التراث الإنساني للمدينتين . إقرار القانون أقر مجلس النواب مؤخراً قانون الحفاظ على المدن التاريخية بعد تأخره لمدة أربعة عشر عاماً ويأتي إقرار هذا القانون نظراً للأهمية المعلقة عليه في إنقاذ المدن اليمنية الموضوعة ضمن قائمة التراث العالمي وبعد تحذيرات منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للحكومة اليمنيةبإخراج مدينتي صنعاء القديمة وزبيد من قائمة التراث العالمي بفعل المخالفات العمرانية والاستحداثات التي طالتهما . توجيهات ولوضع الحلول الكافية والكفيلة وجهت الحكومة مؤخرا السلطات المحلية في صنعاءوزبيد باتخاذ إجراءات تنفيذية وإجراءات ومحاسبات زجرية للمخالفين بشأن المخالفات العمرانية والاستحداثات التي طالت المدن التاريخية والعمل على إنجاز مخططات للمدينتين وفقا لمتطلبات منظمة اليونيسكو التي تشمل خرائط شاملة للمدن التاريخية وأساليب ترميم وصيانة مبانيها بالقدر الذي يحافظ على هويتها التاريخية وطابعها المعماري الأصيل بالإضافة إلى تفعيل جهود الحفاظ على المدن التاريخية وفقا للمعايير المعتمدة في مركز التراث العالمي. اتفاقيات تقول الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخيةانه تم التوقيع على اتفاقية بينية مع المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بمملكة البحرين الشقيقة لحفظ تراث مدينة زبيد التاريخية تضمنت الاتفاقية تحديد أولويات الاحتياج وتنفيذ برامج الحفاظ عليها وتضيف الهيئة انه تم الاتفاق مع الأصدقاء الألمان و الإيطاليين على تجديد مشاريع الدعم الثقافي لليمن من ضمنها تأسيس قاعدة بيانات لرسم الخطط والبرامج التنفيذية الى جانب تدريب وتأهيل الكوادر اليمنية ورفد اليمن بالخبراء والأخصائيين في مجال المعالم التاريخية . صفوة القول هناك عوامل لابد ان تتضافر مع بعضها للحفاظ على شواهدنا ومددننا وتراثنا الموغل في القدم منها الوعي المجتمعي فتكاتف كل الجهود والتعاون مع جهات الاختصاص للقيام بمهامها ومساعدتها ودعمها عند الحاجة ضرورة موجبة كما ان وجود قضاء ونيابة خاصة وقانون منظم مسالة هامة اضف الى ان توفير الدعم والتمويل اللازم والكافي لاستكمال إعداد الخطط ورسم الاهداف وتنفيذها يعد من الاهمية بمكان اما البرامج المكثفة للتوعية الاعلامية فهي لاعب محوري وبالمجمل فإن ربط المسئولية بالمحاسبة وتفعيل دور الرقابة المصاحبة واللاحقة على الجهات المسئولة إدارياً وإجرائيا وميدانياً في اطار المستوى المحلي فيما يخص البناء العشوائي ومخالفات البناء هي بداية علاج المشكلة فلا يمكن علاج المشاكل والحد منها دون معالجة المقاربات المسببة لها. [email protected]