في سياق الحديث عن الحوادث المرورية, تستوقف المرء في بعض هذه الحوادث قصصاً واقعية لم تنسجها المخيلة على قدر ما تتصف به من ندرة وغرابة وكارثية, وإنما تمثل في حقيقة الأمر أحداثاً يمكن التقاط تفاصيلها لاستخلاص الدرس والعبرة.. فهذا كمثال سائق شاحنة نوع (دينا) استوقف شاحنته بمقربة من فسحة تطل على منحدر جبلي سحيق بإحدى المحافظات الشرقية, وذلك بعد أن شعر أن هناك خللا يستوجب المعاينة , فمان أن تمدد على ظهره تحت السيارة ليعالج الخلل, ولم يدرك أن الشاحنة بدأت تتدحرج للخلف ولم تلبث أن دهسته وتابعت طريقها نحو الهوة السحيقة.. في منطقة الحصبة بأمانة العاصمة, لم يتمكن أحد السائقين – خمسيني العمر– من رؤية ذلك الشاب الصغير البالغ من 19 عاماً والذي كان واقفاً خلف السيارة تماماً, فدهسه وما هي إلا لحظات حتى كان الشاب يفارق الحياة؛ القضية وصلت المنطقة المرورية وكانت المشكلة أن الشاب القتيل مجهول الهوية, فتم تصويره وتوزيع الصور على جدران وأماكن عدة بمنطقة الحادث وخارج نطاقها عسى أن يستدل عليه أحد أقاربه. وبعد يومين تقريباً حظر رجل في أواخر العقد الرابع من العمر إلى إدارة المرور مؤكداً أن الشاب الضحية هو ابنه وقد أستدل عليه شخص من المنطقة وأبلغه, وكان عند الرجل شخصين أكدا في شهادتهما صحة كلامه بأنه والد الضحية, فما كان من المحقق بالمرور إلا أن جمع بين السائق ووالد الشاب القتيل واستقر الأمر لدى الأخير أن الحادث قضاء وقدر ويكتفي فقط بدفع الدية, وتم بعدها تحديد موعد الدفن على أن تدفع الدية مباشرة بعد عملية الدفن. وكانت مفاجأة صاعقة وفي لحظات الانتهاء من دفن الجثة عندما جاء شخص وهو يصيح أن الشاب الضحية هو ابنه !! ووسط الذهول سارع المحقق إلى إعادة فتح القضية واتضح في نهاية الأمر أن الشخص الأخير هو الأب الحقيقي في حين انتهى وضع انتحال صفة والد القتيل بالنسبة للشخص الأول الذي كان دافعه الجشع والحصول على مبلغ الدية, فكانت هذه ربما أغرب عملية انتحال شخصية تقريباً تدلف التقارير المرورية!! وعندما تكون هناك خصومات, فالحذر يقتضي عدم الوصول بها إلى ما وراء المقود في مقدمة السيارة, والواقعة بدأت في مقلع لتكسير الأحجار بمحافظة صنعاء, تأتي إليه الشاحنات للتعبئة. وثمة شاحنتان جمعت بين سائقيهما صداقة حميمة, يلتقيان باستمرار عند المقلع, بيد أن شيئاً ما طرأ فاستحالت الصداقة إلى عداوة وبغضاء بدافع الجشع ومحاولة كل منهما تعبئة شاحنته قبل الآخر من المقلع, فأضمر أحدهما كيداً للآخر, وعندما التقاه في الطريق وهما يقودان شاحنتيهما باتجاهين مختلفين, هدأ السرعة ولوح له بيده, فقام الآخر بفتح النافذة ظناً منه أنه يريد السلام أو محادثته بأمر هام مخففاً هو الآخر من سرعة الشاحنة. وحينما تواجها قام هذا برمي غرض ما من النافذة إلى حضن السائق الآخر, ظن هذا الأخير أنها دعابة , لكن محل الابتسامة تمثل الخوف على ملامح وجهه حينما تمعن في ذلك الشيء ليجدها قنبلة يدوية منزوعة الصاعق سرعان ما انفجرت به داخل الشاحنة !! وبعيداً عن جرائم التفجيرات عبر السيارات المفخخة والاغتيالات بواسطة الدراجات النارية, وربما ما كان أشد إيلاماً من حوادث المركبات على الإسفلت والأرصفة, تلك القادمة من الخطوط والمطبات الجوية بسقوط طائرات على رؤوس الناس ببعض الأحياء المكتظة بالعاصمة وهي حوادث تلظت بها البلاد بالسنوات الأخيرة, تبدو حادثة الضابط المختص بالبحث الجنائي لإحدى المناطق الأمنية بالعاصمة مختلفة التفصيل والدافع الذي لم يكن سياسياً كما قد يتبادر للذهن بقدر ما كان جنائياً بامتياز. والحكاية بدأت أمام مركز للبريد بالعاصمة حيث كان الضابط خارجا لتوه من المركز وبيده لفافة وضع داخلها المرتب الشهري الذي كان استلمه لتوه, ومن ثم فقد استوقف على عجل دراجة نارية ( كان هذا قبل صدور قرار حظر سير الدراجات النارية بالعاصمة بفترة وجيزة ). وفي الطريق تجاذب الحديث مع سائق الدراجة وكان شاباً في منتصف العقد الثاني, وعرف هذا الأخير أن الزبون متعجل لبلوغ المكان الذي حدده كونه يريد أن يقضي غرضاً بالمال الذي لديه باللفافة, فعرض عليه اختصار الطريق بالمرور من أحياء بعيدة عن الشارع العام تجنباً للزحمة وكسباً للوقت, فوافق دون تردد. وعند مرورهما من أحد الأزقة الخالية من المارة, ظهر لهما عدد من الأشخاص الملثمين وقاموا بإيقاف الدراجة وهددوهما بالسلاح الأبيض طالبين من الضابط تسليم ما بحوزته, لكنه قاومهم جميعاً قبل أن تخور قواه على وقع تعرضه لأكثر من عشر طعنات, مع ذلك ظل متشبثاً بسائق الدراجة الذي شك في أمره وبأن يكون هو من قاده إلى الكمين بهدف السرقة. فر الملثمون بالمال بعد شعورهم باقتراب أهالي الحي, فقام الأهالي بإسعاف المجني عليه وتسليم السائق لقسم الشرطة, وخلال التحقيق إنهار السائق معترفاً بالسرقة, وقام بالكشف عن هوية الملثمين حيث جرى تعقبهم, فيما تماثل ضابط الشرطة الجريح بعد أيام للشفاء .. ولتهريب المخدرات بالسيارات, قصص غريبة , منها تمكن نقطة أمنية في مفرق الجوف قبل أيام, من ضبط سيارة (سنتافي ) اتضح أنها تحمل ( 125 ) كيلو جرام من الحشيش. ولنا أن نتمعن في الرقم الوارد؛ ففي بلدنا على الفوضى والغوغائية التي تنساب على التفاصيل الحياتية بما فيها المتعلقة بالجريمة, تضبط أوزاناً غير طبيعية مثل هذه لجرائم حيازة المخدرات, لامجال إن صح القول مقارنتها بما يحدث في دول كالولايات المتحدة وغيرها, حيث أن تمكن الشرطة من ضبط جرامات بسيطة من المخدرات مسألة غاية في التعقيد!! ما يثير الغرابة في حادثة ذات ارتباط بهكذا نوعية من الحوادث, كان للصدفة دورها في التحفظ على شاب في بداية العقد الثاني من العمر أتهم بجريمة خطيرة دون أن يكون له بها ناقة أو جمل. والقصة بدأت بمحاولة الشاب إستيقاف سيارة على الخط الطويل لتقله إلى العاصمة, فتوقفت شاحنة أمامه ولم يمانع السائق صعود الشاب إليها وإقلاله إلى العاصمة, وعند وصول الشاحنة إلى نقطة أمنية على مداخل العاصمة ضبطت الشرطة كمية كبيرة من الخمور على متنها, فجرى اعتقال السائق والشاب معاً وتوصيلهما إلى الحجز, وعبثاً حاول الشاب أن ينفي عنه التهمة كونه مجرد راكب قادته الصدفة فقط لركوب هذه الشاحنة دون علمه بما تحويه من مادة مسكرة يعاقب عليها القانون, وكاد الأمر أن يطوى لولا اجتهاد والد الشاب في البحث عن ابنه ومن ثم التوصل لمكانه بذلك الحجز بعد أسابيع, ليقوم بمتابعة القضية وما يمكن أن يؤدي لإطلاق الابن الشاب من الحجز الذي دخله دون اقترافه جرماً أو جريرة!