مخاطبة الشعراء للنسيم وتحميله الأشواق مع التأكيد عليه بالحرص على إيصالها عادة عربية قديمة ظهرت في كل عصور ومراحل الشعر العربي ، ابتدعها الأقدمون فتلقفها الخلف وبرعوا في تلوين الصياغات الشعرية التي تتضمن النسيم.. فالنسيم رسول أمين يطمئنون إليه ، وهو الزائر الذي سيقوم بأداء هذه المهمة التي يعجز الناس عن أدائها أحياناً.. كما أن النسيم يستطيع أن يقطع مسافات بعيدة يعجز عن قطعها واجتيازها البشر.. ولهذا يحدث كثيراً - كما قلنا – أن يلجأ شاعر ما إلى أشياء جامدة فيخاطبها وكأنها كائن يعي ويسمع ما يُقال له.. فيبثّها همومه وأحزانه ويُفرغ ما في نفسه من أشجان ولوعة لعلّها تقاسمه الإحساس بما يرزح تحت وطأته من همٍّ، وفي أحيان أخرى يُشهدها على حبيب بالغ في الصد والهجران، وكل هذا الذي يصنعه - وإن تعدّدت طرقه - هو في مجمله محاولة لإيجاد طرف ثانٍ يقاسمه همومه وأحزانه .. فالنسيم احتل مساحة لا بأس بها في الأغنية اليمنية, فقد ظهر في أكثر من قصيدة غنائية كما في قول الشاعر والفنان محمد سعد عبدالله: مع النسيم لو مرْ برسل جواباتي واخلص تحياتي لك ياحلى يا اسمر وأنت ولا تسائل عني وعن حالي لكن أنا استاهل هذا الجفا واكثر وهناك نماذج رائعة من شعر الغناء الصنعاني وهذا مقطع من قصيدة “يا نسيم الصباح” يا نسيم الصباح سلّم على باهي الخد نبّهه من منامه قلّه إني على عهدي بحبّه مقيد قد سباني غرامه وترك مدمعي مسكوب جاري على الخد مثل فيض الغمامة.. وهذا مقطع من قصيدة غنائية صنعانية غناها الفنان محمد عبده يقول: نسيم بلّغ إلى الغاني لطيف الشمايل عنّي صحيح الخبر وخبّره إن جسمي بالضنى صار ناحل وسر حالي ظهر وكف مدمع عيوني بعد ما كان سائل من جور طول السهر خَفْ راقب الله في عاشق كثير البلابل ودائمه في فِكَر وهذا مقطع من قصيدة “يا حلى “ للقرشي عبدالرحيم سلام: ولمّا النسمة تتهادى حرير الضوء يتماوج ويتلملم أطيرمن غير جناح من فرحتي واطعم لذيذ القُبلة تطفي شوقي المُضرم ولابن سيناء الملك مقطع من قصيدته التي غناها الفنان أبوبكر بلفقيه يقول: يا نسيم السحر هل لك خبر عن عُريب بوادي المنحنى فارقوني ولم أقض وطر من لقاهم ولا نلت المُنى قلت يا قلب صبراً ما صبر والنبي ما الهوى إلا عنا ما كتمت الهوى إلا ظهر من شهود المدامع والظنى وهذا مقطع من قصيدة الشاعر “عبدالرحمن الآنسي” “عن ساكني صنعاء” التي غناها كثيرون وتألق في أدائها الفنان محمد مرشد ناجي: عن ساكني صنعاء حديثك هات وافوج النسيم وخفّف المسعى وقف كي يفهم القلب الكليم هل عهدنا يُرعى وما يرعى العهود إلا الكريم وسرّنا مكتوم لديهم أم معرّض للظهور؟ إلى أن يقول: بالله عليك ياريح أمانة إن تيسّر لك رجوع لمّح لهم تلميح بما شاهدت من فيض الدموع والشوق والتبريح والوجد الذي بين الضلوع واحذر يكون مفهوم حديثك إنني أخشى النفور وهذا مقطع أخير من قصيدة “على الشط” للشاعر محمد عبده غانم وقد غنّاها الفنان “البصير” أحد فناني جيبوتي: والنسيم الطلق يسري خافقاً تائه الأقدام في الشطِّ العطر يحمل القُبلة في أطوائه نغماً يصدح بالجرس الأشر لا يُبالي إن تمادى في الهوى إنما العاشقُ من لا يعتذر [email protected]