عندما نقول إن الأغنية اليمنية ثرية فلأنها لم تقف عند حدٍ معيّن.. فبالإضافة إلى أنها عبّرت عن قضايا اجتماعية كثيرة خاصة وعامة فهي أيضاً لم تدع ملمحاً جمالياً من ملامح المرأة إلا واختزلته في ثناياها ووصفته وصفاً بديعاً ورائعاً.. ونحن إد نفتّش ونتلمّس هذه الملامح الجمالية نجد أنفسنا بحاجة إلى الوقوف عند واحدٍ من هذه الملامح وهو «خدّ المرأة» ففي خدّ المرأة الأسيل ووجنتيها المورّدتين كتب شعراء الأغنية اليمنية أجمل قصائدهم والتي منها ما غنّي ومنها مالم يُغنّ.. وسنقف عند بعض النماذج وقوفاً سريعاً لا يحيجنا إلى الشرح والتحليل، ذلك لأنها تنساب رقةً وغنائية وسنبدأ بالشاعر أحمد بن عبدالرحمن الآنسي الذي غنّيت معظم قصائده والأجمل هو مالم يُغنّ من قصائده.. ومن قصائد مختلفة له سنجتزئ بعض المقاطع التي وصفت الخد وصفاً رائعاً.. فمن ذلك ما يلي: أهوى الخدود والهنود وأهوى القدود اللدان لضمّها والقُبَلْ ما قيس ليلى ولا مُسلم صريع الغواني أرضى بهم لي مَثَلْ فخلّياني أهيم يا صاحبي خلّياني واللوم على من عذل وفي قصيدة أخرى مقطع يقول: سلام يا اهيف يا مورّد الخد يا حالي الأخلاق والسجيّة سلام كالعنبر يفوح والند يغشى شريف الخلقة والسنية سلام من مُضنى عميد مُكمد هايم بحبّك مفتتن قوية وفي قصيدة أخرى مقطع جميل يقول: بمن نقش بالذّهب خدّك وأنبت الماس في المرجان وصيّر الخمر في شهدك والسحر في طرفك الفتّان وأعطاك كل الحلا وحدك وصيّرك للملاح سُلطان لمه لمه يا قمر شعبان ما ترحم الصبّ و اشواقه وهذا مقطع أخير للشاعر يقول: واوجان وردية حمتها السهام فيها المشالي والمشاقر وثغر حالي زانه الابتسام قد نظّمت فيه الجواهر واكعاب مثل الليم فيها احتكام صنعة حكيم الصُنع قادر -أما الشاعر أحمد فضل القمندان فيرى أن مساحة الخد على رغم صغرها إلا أنها تكون في نظر الشاعر الولِه جنة عامرة بالكروم والعناقيد والورود التي تعبق على صفحة الخد توقظ في نفس الشاعر إحساساً لا يُقاوم.. هذا المعنى وتكملة له يتجلّى عند مطالعتنا لهذا المقطع الغنائي: أسيل الخدود رخصة نُبا نجني من الكرم عنقود ومن عنبرود أوّل جنا بندر دواء كل مارود «1» نسيم البرود نسنس على الروضة وقع يوم مشهود متى بايجود يعطف على خلّه إذا عاد باعود - وهذا مقطع آخر من قصيدة “يا ورد يا كاذي” الغنائية التي يتألق في أدائها الفنان فيصل علوي والذي يكاد يكون أفضل من يؤديها.. يقول المقطع: يا ورد يا كاذي يا موز يا مشمش ويا عمبرود يا قُمري الوادي لك خد شامية وعين الهنود يا فُل يا نادي قُل ليْ ليالي الوصل شي باتعود بانجلي الصادي ياسمهري القامة أسيل الخدود والأستاذ الشاعر عبدالله هادي سبيت - رحمة الله عليه - تفنّن كثيراً في وصف الحبيب.. فهو يرى أن وجنة الحبيب ليست جزءاً هاماً يساهم في إبراز ملامح الوجه وجماله ورقّته فحسب.. بل هي جنة عامرة بألوان من الورد تضوع بالشذى فتنعش الروح وتسري في النفس كالنسيم العليل.. تعالوا نتابع هذا المعنى الرقيق في مجموعة من المقاطع الشعرية الغنائية المختلفة ونبدأها بهذا المقطع: خلّي في خدوده جنّة ناظري خلّي في شفاته خمرة خاطري فيها السكر واصهبا ذوقي اسكري - ويقول في مقطع آخر: يا بوي من خدّه. يا بوي يا بوي من نهده. يا بوي. يا بوي من خدّه جنة ورود يا بوي من نهده نار وبرود - ويقول في مقطع آخر: ذا جنة الأنظار في نهده الأزهار والورد في الخدين القلب ياما احتار والعقل ياما طار والعمر ضايع دين - وفي أغنيته الجميلة التي يشدو بها حمدون وهي “ألا لما متى يبعد وهو منى قريب” - مقطعان رائعان: تذكّرته وذاك الورد ذي هو في الخدود وذاك الصدر ذي قد ضاق ما بين النهود وذاك المرمر الأبيض على النهدين قد عرّض يخلّي مهجتي تلهب **** تذكّرته تذكّرته وعمري با ذكره ومهما حجّبوه مني بقلبي با نظره وما انسى يوم انا عنده وزاد الدم في خدّه وخلّى القلب يتوثّب **** - وهذا مقطع أخير للأستاذ سبيت انتزعناه من رائعته «يا باهي الجبين»: ما انساها ليالي مرّت يا جميل ونا بين نهدك والخد الأسيل والشعر المنعثر والطرف الكحيل تايه بينهم حاير ونت الدليل تضنيني وتشفيني تعدمني وتحييني ما قد مرْ يكفيني هبْ عمري أنين - وهذان مقطعان نختتم بهما هذه التناولة وآثرنا أن يكونا للشاعر محمد عبده غانم: الورد في خدّك أزواج والشعر في جعدك أمواج والنهد في صدرك من عاج والسحر في طرفك الرّان سبحان من سوّاك سبحان - أما المقطع الثاني فهو: يا كحيل العيون لا متى با يكون ذا الشجى والشجون؟ كل شي بالنصيب يا أسيل الخدود يا تُرى با يعود طيب تلك العهود؟ كل شي بالنصيب 1 - المارود: هو المرض. [email protected]