الأغنية اليمنية ثرية باختزالها كثيراً من المحاسن.. وقد وصف شعراء الأغنية اليمنية الكثير من معالم الجمال في المرأة وصفاً جميلاً ينأى عن الابتذال, وقد كان للعيون النصيب الأوفر من وصفهم حتى إن أي باحث أو مهتم بالشأن الغنائي لوفتّش عن نماذج من هذا النوع سيجد حيزاً ضخماً في الشعر الغنائي قد أشار إلى العيون (جمالها، سحرها، قوة تأثيرها) وغير ذلك .. تعالوا نرى كيف أبحر شعراؤنا في عالم العيون الفسيح وكيف فتكت بهم نظرات العيون وسلبتهم عقولهم ومشاعرهم. ففي أغنية “ميعاد” التي كتب كلماتها الشاعر “لطفي أمان” ولحّنها وغنّاها الفنان ياسين فارع هناك مقطع جميل يقول: رمى بالنظرة والبسمة ومكّن في الفؤاد سهمه ومن كلمة إلى كلمة شبكنا في الهوى ميعاد حبيبي في عيونه السُود أماني حبّنا المولود ودنيا فرحنا الموعود وعاده لما يتنهّد أحبّه ازيد وأعتقد أن الأستاذ القدير عبدالله هادي سبيت – رحمة الله عليه - أفضل من وصف عيون الحبيبة وتغزّل بها غزلاً يقطر رقة وعذوبة ولا أظن أن هناك من يضاهيه في دقة الوصف وبراعة التصوير ففي قصيدة “أمان يا أجفان “هناك مقطع يقول: ياطرفهُ الآسر يا جفنهُ الفاتر يالحظُ الساحر رحماك بالولهانْ • وفي أغنية “يا بوي” يقول مقطع الأغنية التي كتبها ولحّنها الأستاذ سبيت: يا بوي يبوي يا بوي يا أبوي يا بوي يبوي يا بوي يا أبوي يا بوي من طرفه يا بوي من ظُرفه يا بوي من طرفه عقلي افتتن يا بوي من ظُرفه معنى وفن - إلى أن يقول: من لفتته – يا بوي يأسر قلوب الناس من سُلطته يابوي له كُلّنا حُرّاس وفي أغنية “ويا قلبي تصّبر” والتي هي لسببت أيضاً هناك مقطع جميل يقول: عيونه دوبها تملك وتأسر وخده دايمه بالدم يُقطر ويوه لامتى ذا القلب يصبر ويا قلبي تصبّر أيّ عين سحرية هذه التي تصنع المعجزات ولها من الجمال والفتنة ما يجعلها قادرة على خطف قلوب البشر والفتك بالأصحاء الذين لا تقوى العلل والأسقام على الإطاحة بهم وعين واحدة تفعل كل ذلك.. هذه اللقطات التصويرية البديعة يرسمها ويبدعها الأستاذ عبدالله هادي سبيت بريشته الفنية المؤتلقة وإحساسه الفني الرقيق من خلال هذه المقاطع: بنظرة عين يُمرض ألف تختر و يا قلبي تصّبر حتى الطبيب الذي لا تقوى الأسقام على مداهمته أطاحت به نظرة قاتلة، وفي مقطع آخر من أغنية “لا وين أنا لا وين” يقول:- من عينه الكحلا يا بوي انا ياما أكثر القتلى يا بوي أنا ذا القلب مهما عاش قتيل بالجفنين لاوين أنا لاوين؟ من لفتته يابوي من حين صادفته من نظرته يابوي ذوّبني حين شفته من طرفه النعسان يا بوي انا قد ذلّت الشجعان يا بوي انا جيشين في جيشين يمسوا ملا الجيبين لاوين أنا لاوين؟ والدكتور محمد عبده غانم يعتب كثيراً على كحيل العينين الذي لا يقوى على فراقه ومع أنه لم يفارقه سوى شهرين إلا أن هذه المدة في نظر الدكتور غانم كانت طويلة ويستعطف هاجره أن يمنحه الوصال ولا يُلقي بالاً لكلام الحُسّاد و وشوشاتهم فيقول: مين علّمك ياكحيل العين تهجر حليف الضنى شهرين الناس يشتوا لنا الاثنين مين علّمك يا كحيل العين؟ وفي أغنية “يا بو العيون الكحيلة “ التي غنّاها الفنان المبدع سالم بامدهف يقول الدكتور غانم في مقطع منها:- يا بو العيون الكحيلة يا سِيْد كم من قبيلة ضاع البصر والبصيرة مالي من العشق حيلة كم لي على البعد صابر يا بو العيون السواحر بالله يا خلّي بادر مالي من العشق حيلة لقد وقع الدكتور غانم في شراك العيون الكحيلة التي لا تخطئ حين تسدّد سهامها بغير هوادة أو رحمة.. لقد ضاع عقله وطار صوابه، وأصبح لا مفر لديه من الاعتراف بالعشق.. وللطفي أمان مع العيون شأن آخر.. فصدفة لقاء في ساحل أبين قلبت كيانه رأساً على عقب.. ففجأة يتحوّل السكون إلى ثورة جسدية ملتهبة تظهر جلية واضحة في المقطع الآتي .. وهو مجتزاً من أغنية “صدفة التقينا “ التي غناها الفنان المرحوم أحمد بن أحمد قاسم.. إذ يقول المقطع: الله من ذي العيون من ذي الشفاه والنهد ذي ما يقر مرة إلا وثار مرات وآه من نهدتك والخد فوق الخد جمرة على جمرة تزيدها الآهات لا أعتقد أن هناك لغة أبلغ من العيون وإيماءاتها.. ولا أظن أن هناك كلاماً أجمل وأرق من كلام العيون.. فهي الأكثر قدرة على التعبير والإفصاح عن أشياء كثيرة لا يقوى الإنسان –أحياناً- على البوح بها .. ففي أغنية أحمد قاسم “في عيونك كلام: مقطع يؤكد بل يترجم ويختزل ما أشرنا إليه قبل قليل .. فيقول: في عيونك حبيبي أكثر من كلام يحمل لي معاني الشوق والغرام صحّاني وخلّى عيني ما تنام خلّاني وربي هايم بك هيام أحلم بالعيون أحلم من سنين واقطف من خدودك ورد وياسمين واضم شعر يرقص يتموّج حنين في ليل الأماني.. ليل الابتسام قلنا إن الكلام القادر على النفاذ والتغلغل إلى أعماق النفس الإنسانية هو الكلام الذي تبوح به العينان فيكون أشد وقعاً وأكثر تأثيراً.. فالعيون تبوح أحياناً بما يكنه الإنسان في داخله من مشاعر وأحاسيس فيّاضة فتكون خير ترجمان وموصل لما يعتمل في داخله.. ويبدو أن الشاعر الفذ / محمد عبده غانم يتفق معنا في هذه الرؤية.. ففي قصيدته الغنائية “كلام العين” التي أبدع في تلحينها وغنائها الفنان الكبير خليل محمد خليل مقطع يقول:- كل الألحان ضاعت مني لكن عيوني بتغنّي وتعبّر عن شوقي وفنّي فاسمع يا خلّي كلام العين ويقول إسكندر ثابت في إحدى أغانيه : من بعد نظرة عين كانت سبب حبّي لو كان لي قلبين يا ريت يا ربّي ماكنت بااتعذّب با صبر على المكتوب لكن قلبي حّبْ وامسيت في نارين من بعد نظرة عين كثير من حالات العشق والهيام تفجّرها نظرات غرام ترسلها العيون, فكم هي رائعة أغنية عبدالكريم توفيق التي تقول:- بو العيون السود ذي تسبي الأسُود صادني الرغدود منسوب الجدود وادّعى النكران مني والجحود ليه يا المضنون كثّرت الوعود؟