مرة أخرى يُصعق العالم لانتحار شخصية شهيرة و عالمية يبدو أنها تمتلك كل موجبات السعادة التي يتمناها البشر و هذه المرة كانت الدهشة أكبر لأن هذه الشخصية هي من النوع الفريد الذي يكاد المرء لا يصدق أنها قد تعاني من مشاكل شديدة تو دي بها للانتحار..فتلك الشخصية و بشكل نادر استطاعت الجمع بين القدرة على إغراقك في الدموع سواء لشدة الضحك أو لشدة التأثر...و بنظرة سريعة لأعمالها تدرك فورًا دقتها الشديدة في انتقاء محتوى تلك الأعمال من الناحية الإنسانية و الوجدانية... إنها شخصية روبن ويليمز الممثل الذي شق طريقه في هوليوود منذ عقود من الأداء الفني المبهر و العميق المؤثر و الحائز على جائزة اوسكار...انتحر الرجل و ترك مئات الاستفهامات في عقول الكثير عن رغبة مثله في الموت على الرغم من قدرته على إسعاد الآخرين ألم يكن باستطاعته ببساطة ان يغترف قليلاً لنفسه ؟؟!!! قد يسارع الكثيرون ليتهموا المخدرات و الكحول ...و يبالغ الكثير ليعمم أن ذلك طبيعي لشخص غير مسلم...بينما يذهب البعض لإنزال لعناتهم على المال و الشهرة فهما بالتأكيد السبب...و وسط كل هؤلاء يظل الاقدام على الانتحار قراراً بالغ الصعوبة على أي انسان فالتمسك بالحياة غريزة و الرغبة في البقاء فطرة فينا...لاشيء من تلك الأسباب يكفي لارتكاب ذلك الجرم بحق نفسه خاصة لو كان مرهف الحس كروبن ويليمز ...يبقى الخيار الاخير انه كان مريضاً بداء العصر العضال الاكتئاب..أخطر تهديد عرفته البشرية على الاطلاق و الذي مهما فعل الاطباء و المختصون يظل رقم 1 في حصد ضحاياه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة...فهو مسؤول عن ارتكاب الانسان للانتحار بنفس مقدار مسؤوليته عن التسبب بالأمراض المزمنة و الفتاكة كالجلطة و الذبحة و حتى السرطان كما أن الاكتئاب هو البوابة الاكبر للأنشطة التدميرية كالإدمان حيث يسقط فيها الإنسان و التي تقتله ببطء و شراسة ..... و كخطوة لوضع حل نطرح لكم مقترح قراءة الكتاب التالي و الذي له اثر بالغ الأهمية في إرشادكم للعلم الوجداني الذي يعالج الاكتئاب و ما يليه من أمور....نورد لكم ملخصًا بسيطًا لما يحتويه الكتاب على أمل دفعكم لاقتنائه و دراسته مع كل الود. حياة كل إنسان فريدة من نوعها وصعبة بطريقة ما..نحن غالباً ما نحسد غيرنا من المشاهير على حياتهم و الحقيقة أن الكثير من المشاهير أمثال مارلين مونور و كورت كوبين وهمنجواي قد سقطوا في الإحساس العميق بالفراغ الوجودي الذي قادهم للانتحار بينما هناك أناس سعداء يعيشون حياة منسجمة و يشعرون أن الحياة منحتهم الكثير،لقد مروا بإخفاقات و خيبات أمل و أوقات عصيبة لأن لا أحد يمكنه أن يتلافى ذلك لكنهم يبدون على العموم أكثر قدرة على التعامل مع العوائق بعزم و امتنان لأنفسهم و للحياة ،إن هذا يقودنا للتفكير بطريقة مختلفة في حل مشكلاتنا...و من هنا نشأ طب جديد هو : طب العواطف البحوث أثبتت أن هناك دماغا آخر داخل دماغنا يسمى الدماغ العاطفي..هذا الدماغ قوي لدرجة يمكنه تدمير الإنسان نهائياً بتحطيم جسده..و هو لا يتأثر بالكلام أو بالتفكير الإرادي بالطريقة التي يمكننا بها أن نأمر الدماغ المعرفي (المنطقي) والمهمة الرئيسية للمختصين هي إعادة تأهيل الدماغ العاطفي بحيث يعود إلى التكيف مع الحاضر بالتعاون مع الدماغ المنطقي بدلاً من الغرق في عالمه. ومن هنا نشأ علم الذكاء العاطفي وهو قدرة الشخص على الوعي بحالته العاطفية و حالات الآخرين وفهم طريقة تطور هذه العواطف مع تحليلها والتحكم بها. من مخاطر الجهل بالذكاء العاطفي ما يسمى بالانقطاع العاطفي و هي الحالة التي يتوقف الدماغان(المعرفي والعاطفي)عن التكامل و يصبحان متضادين في عملهما وينتج عن ذلك حالة من الاضطراب النفسي و النوبات الانفعالية الخطيرة. الخبر السار أن الدماغ العاطفي يمتلك آليات طبيعية للشفاء الذاتي فهو قادر على شفاء عواطفنا تماماً كما أنه قادر على معالجة جروحنا الجسدية في انسجام ومن هذه الوسائل: 1 - الوصول إلى حالة من التناغم و التكامل بين الدماغين فينا فالدماغ العاطفي يمنحنا الطاقة و القدرة و الاتجاه المعنوي في حياتنا بينما الدماغ المعرفي يقوم بتنظيم خطوات تنفيذ التقدم في ذلك الاتجاه. 2 - التعامل مع الأثر المتبقي في القلب من آلام الماضي عن طريق تذكرها و معالجتها بشكل منطقي و إرادي و ذلك من خلال التحكم بحركة العينينEMDRو إعادة ترتيب ملفات الماضي تماماً كما يفعل العقل في الأحلام. 3 - طاقة الضوء تضبط الساعة البيولوجية التي تنظم حالتنا الصحية و النفسية فالضوء يدخل إلى الدماغ عن طريق العينين و يرسل تأثيره مباشرة إلى مجموعة من الخلايا التي تشكل الهيبوتالاموس الواقع في مركز الدماغ العاطفي و على صغر حجمه الذي لا يكاد يشكل 1 % من كتلة الدماغ المكتمل النمو إلا انه يتحكم بإفراز جميع الهرمونات في الجسم و هكذا يمكن للضوء أن يتحكم بإيقاع الجسم بكامله من خلال الساعة البيولوجية الداخلية في أجسادنا.. 4 - السيطرة على انسياب الطاقة عن طريق الوخز بالإبر الصينية..و هي طريقة عُرفت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وتعتمد على فكرة أن الحزن أو الإحساس بفقدان احترام الذات والشعور بالذنب و انعدام الإحساس باللذة هي أعراض نفسية لمشكلة جسدية سببها اضطراب في انسياب الطاقة Qiفي عضو ما و يمكن إعادة توازنها بالوخز في المكان الصحيح 5 - هناك نوعان من الحوامض الدهنية الأساسية للجسم :أوميجا 3 التي تتوفر في الطحالب و العلق البحري و في بعض النباتات و الأعشاب البرية و هي مفيدة جداً للدماغ،و اوميجا 6 التي تتوفر في معظم الزيوت النباتية و اللحوم و خصوصاً لحوم الحيوانات...هذا يجعلنا نفهم لماذا تمتاز شعوب الشرق الأقصى بمعدلات أقل للاكتئاب و ذلك لأن قائمة الأغذية عندهم تمتاز بالوفرة البحرية و السمكية أي بأوميجا 3 . 6 - يشرح معظم الذين يمارسون الركض بأنهم يدخلون بعد 15دقيقة أو30 دقيقة من الجهد المنتظم في حالة نشوة تصبح فيها الأفكار ايجابية بشكل عفوي لا بل خلاَّقة وهذه النشوة تساعد الدماغ العاطفي على العمل البنائي للجسد ويبعد الضغط النفسي و الأفكار السوداوية. 7 - الدماغ العاطفي مكون ليقوم بالإرسال والاستقبال على قناة العاطفة و قد اتضح أن هذا النوع من التواصل يلعب دوراً أساسياً في بقاء الجسم و نموه فالحب بالنسبة لنا هو حاجة بيولوجية توازي الغذاء و الأوكسجين،بالطبع يجب أن يكون هذا الحب ضمن ضوابط أخلاقية تحكمها القيم العليا ليقوينا. 8 - العلاقة العاطفية بين البشر تعمل على تنشيط الأجهزة الحيوية وكلما كانت علاقات الإنسان أفضل مع من حوله كان جسده أفضل..ألا تلاحظ أنك حين تمرض و يزورك زائر محبوب تشعر كأنك شُفيت..ولهذا يجب أن نحذر من مدمرات التواصل العاطفي و هي النقد ،الاحتقار ،الهجوم المعاكس والانسحاب 9 -لا شيء يرفع الدافعية للحياة و يقف في وجه متاهة الأسئلة الوجودية مثل الارتباط الصادق بآخرين مما يحول حياتنا إلى غاية سامية لإسعادهم و هذا ما يجعل المرء أكثر سعادة و قوة عندما يرتبط بجماعة أو يتزوج أو يُرزق بأطفال.