الإهداء: لأرواح الأربعة عشر نبياً وهي تذبحهم أيادي الظلام.. لحيته الكثة المتسربلة بظلام أسود على أجساد ثلاثة أطفال. يدير حدقتيه، يحوقل، يحذر من البدع، يشتم العصر، ويدحرج من هم بجواره من على حافة البركة الساخنة إلى أعمق من «أربعة عشر ميلاً» تحت الأرض, ويبشرهم أن هناك الوجه الآخر للأرض غير الكروية. الأطفال الثلاثة يتشبثون بخيوط وجهه السوداء الكثة؛ علّهم يرون الداخل إلى البركة, أنهكهم حر البخار المتصاعد, وأجهدهم أكثر طموحهم رؤية النور من خلف السواد الكث. نهض ومازال يحوقل, ويردد الصلوات وسط البخار المتصاعد. أوشكت اللحية السوداء أن تغطي سوأته لتؤازر «السروال» الذي يغطي منتصف فخذيه ومازال يُذكِّر بخطر البدع ويدعو لاتباع الأثر. زغاريد شبابية, وتصفيق, وصفير، يدخلون البركة يحتفون بعرس رفيقهم اليافع. على وجهه إحمرار النعمة، ودفء الحياة، رُسم على شفتيه أمل اللقاء بنصف الحياة. على إثرها غادر المحوقل الغرفة غاضباً؛ ليهرب من موبقات العصر. يمسح على الكثة السوداء, ويخنق الأطفال الثلاثة, ويضيع صراخهم المنهك بحوقلته, ويصدع أكثر؛ ليفرقع الزغاريد المتكاتفة حتى أضعفها وبعثرها. على وقع خطوته الأخيرة خارجاً قابل وجوهاً واجمةً يعتريها ألم المصاب، يحملون نعش قريبهم, يدخلون البركة لتجهيزه للدفن. يستبشر وهو عائد, ويردد بصوت منتشٍ فرحان: - هنيئاً له, كُفَي شرّ الأيام وموبقاتها. يرفع صوته مهللاً حتى أضاع شدو رفاق العريس, وهو عائد مع صريع القدر الميسر له. يبتسم مع رفع صوته, وهو يمحو البدعة ويحيي الأثر. يبقى الحي.. يبقى الحي. مازال الأطفال يبحثون عن مخرج من بين خيوط الكثة السوداء على وجهه. يصرخ أحدهم: أمي تبحث عني منذ غبت في هذه الشعاب السوداء، إنها تبكي وأنا أسمع بكاءها يقطع كل يوم خيط غسق أسود من على وجهه فيغطي بكاء أمي بحوقلته؛ ليسكت صوتها العورة. رمقتنا عينا الطفل الثاني من بين الكثة السوداء شزراً, وعليهما آثار بكاء حار على لعبته التي بشكل «تلفون» كان يلمع منه نجم «فيروز» بأغنية «شادي», فجاءه صاحب الكثة السوداء فحطمها عليه, ومازال يسمع الطفل صوت فيروز لكن بمقطع «ضاع شادي»!. تتسع الفتحة البيضاء وسط الكثة السوداء بصراخ الطفل الثالث يقول: لمن تكون الفرحة؟ للعريس القادم على الحياة وأمل اللقاء. أم إنه يحمي الأثر, ويصد البدع بالفرح للموتى؟!