الموسيقار اليمني الكبير الدكتور عبدالرب إدريس غنيٌّ عن التعريف, ولسنا هنا بصدد تقييمه، لكن وأنا أقوم بجولة استطلاعية في «اليوتيوب» مثلاً رأيت أن وجود عبدالرب إدريس كان باهتاً..أغانيه الموثّقة في المواقع الفنية هي الجديدة فقط, أو على الأقل أغاني العشرين سنة الماضية، فلا أثر لأغانيه القديمة وهي أغانٍ من العيار الثقيل, ولا يعرفها الجمهور. فنان بحجم عبدالرب إدريس كان يجب أن يكون له موقع ثري فيه كل المحطات الفنية لهذا الفنان الكبير، فهو مبدع في بداياته، ولستُ بحاجة لإيراد أغانيه القديمة كمثال على ذلك. أردتُ أن أقول: إن عبدالرب إدريس ممن لا يهتمون بفنهم، أو ربما إن ماضيه الفني لا يعنيه، وهو في ذلك عكس فنانين كثيرين اهتموا بمسألة التوثيق هذه كثيراً؛ حتى بعد أن توفى الله بعضهم كطلال المداح وفيصل علوي، فالاثنان لهما موقعان ثريّان، ففي موقع طلال المداح مثلاً تجد حتى المقاطع الصغيرة، فلا شاردة ولا واردة تتعلّق بفن طلال المداح كأغانٍ ولقاءات إذاعية وتلفزيونية ومسلسلات مثلها قديماً وشهادات عنه، وكل ما له علاقة بفن وتاريخ طلال مداح خلال أربعة عقود مضت.. وكذلك الحال بالنسبة لفيصل علوي وفريد الأطرش، هناك فنانون وجدوا من يعتني بهم بعد موتهم, وهناك فنانون آثروا الاسترخاء والراحة وتركوا جزءاً مهمّاً من تاريخهم الفني الأصيل ضائعاً. مفارقة تدعو إلى الاستغراب، فعبدالرب إدريس معروف عنه إخلاصه لفنه والتزامه؛ لكن مسألة التوثيق هذه يبدو أن لها سراً عند عبدالرب إدريس لا نعرفه، وإلا ما معنى ألا يهتم بجمع وتوثيق تراثه الفني وهو واحدُ من روّاد الأغنية اليمنية والعربية، و أحد نجومها الكبار؟!.. ولولا أنه يحتل هذه المساحة الكبيرة في الذاكرة الفنية ما عتبنا عليه.