عرضنا في مقال سابق أن الكفر نوعان؛ نوع عقائدي ونوع سلوكي، فأما الجانب العقائدي فهو: عدم الخضوع والتسليم المطلق إلا لله عزّ وجل, وعدم الإشراك به سواء اتخاذ آلهة أو أولياء معه، وهذا النوع من الكفر يكون محلّه القلب ويحكم عليه الله يوم القيامة.. وأما الكفر السلوكي فهو: الاعتداء على الآخرين, وسفك الدماء ظلماً وعدواناً, سواء لسبب ديني أم طائفي, أو أي سببً آخر، وهذا النوع نستطيع أن نراه ونحكم عليه, وهو الذي يجب مقاومته من قبل الحاكم والناس، أما في هذا المقال فسنتكلّم عن معنى الإسلام بنوعيه العقائدي والسلوكي. الإسلام العقائدي هو: الخضوع والتسليم المطلق لله عزّ وجل وعدم الإشراك به, بغض النظر عن دين الشخص، فطالما أن الإنسان خاضع, مُسَلِمّ لله لا يشرك به أحداً؛ يعتبر إنساناً مُسلماً عقائدياً, قال الله تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون} (البقرة :133), وقال الله تعالى: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (آل عمران:84). وقال أيضاً: {قل إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون} (الأنباء:108). وهذا النوع من الإسلام محلّه القلب, والله عزّ وجل هو الذي سيحكم عليه يوم القيامة، والإسلام بهذا المفهوم نزل على جميع الأنبياء والرسل, من ذكرهم القرآن ومن لم يذكرهم, ونزل بكل اللغات القديمة إلى أن نزل أخيراً باللغة العربية, وصارت كلمة الإسلام تعني الخضوع والتسليم لله, فيما يخص التعامل معه، قال الله تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام:161 – 163) وهذا هو الإسلام الذي لن يقبل الله ديناً آخر غيره, أي لن يقبل الله ديناً غير الخضوع والتسليم المطلق له, قال الله تعالى: {ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(آل عمران:85). أما الإسلام السلوكي فهو المُسالمة وعدم الاعتداء على الآخر, وعمل الأعمال الصالحة، فكل إنسان مُسالم, لا يُصدر منه شر, ويعمل الخير؛ هو مسلم سلوكياً, بغض النظر عن دينه أو اعتقاده، وهذا النوع من الإسلام نستطيع أن نشاهده ونحكم عليه؛ لأن مداره سلوك الإنسان وعمله، وهذا ما نفهمه من نداء الله عزّ وجل إلى الصلاح والسلام والوفاق, قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين} (البقرة: 208). ويأمر الله رسوله بأن يمتنع عن مقاتلة القوم الذين يعتزلون القتال ويختارون السِلم، فهؤلاء صاروا مسلمين سلوكياً لا يصدر منهم شر أو أذى, فلا يجوز قتالهم ما داموا مسلمين سلوكياً, بغض النظر عن جانبهم العقائدي الذي يتبنّونه, قال الله تعالى: {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم، ولو شاء الله لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم، فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً} (النساء: 90). أخبر الله عزّ وجل أن من يؤمن به (إسلام عقائدي) ويعمل الأعمال الصالحة (إسلام سلوكي) فهو من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون, قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا (أتباع محمد) والذين هادوا (اليهود) والنصارى والصابئين (الخارجين عن دين أقوامهم) من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (البقرة :62). فالإسلام هو رسالة جميع الرسل ودعوة كل الأنبياء, هو الدعوة إلى الخضوع والانقياد لله تعالى, وعدم الإشراك به، فمادامَ الإنسان مؤمناً بالله ويعمل الصالحات فهو مسلم، وليس كل من نطق الشهادة يعتبر مسلماً وغيره كافراً, ولا نستطيع أن نجزم بصحة اعتقاد أحد من الناس من عدمه (إسلام عقائدي) لأن ذلك سيكون يوم القيامة يحكم به الله، ولا يجب علينا أصلاً أن نخوض في مثل هذه المسائل, فما يهمنا نحن البشر هو الجانب السلوكي للأشخاص, وليس الجانب العقائدي، فنحن نتعامل مع الناس بما يمارسونه من سلوك, لا بما يمارسونه من اعتقاد، وهذا الذي يجب أن يحكم البشر في تعاملاتهم فيما بينهم البين، فالإنسان سواء كان من أتباع موسى أم عيسى أو محمد, يعتقد أنه هو المؤمن وغيره كافر, وهذه عبارة عن أمنيات, والحكم بصحة المعتقد ليس خاضعاً لأمنيات البشر, قال الله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاِ يُجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرا} (النساء:123) فلندع الحكم بالإسلام والكفر العقائدي لله يفصل به يوم القيامة, فهناك سيعرف المرء من هو المسلم والكافر حقاً. الخلاصة: الإسلام هو نوعان: نوع عقائدي, ونوع سلوكي. النوع العقائدي هو: الخضوع والتسليم لله, وعدم الإشراك به، وهذا النوع محلّه القلب, ويفصل الله فيه يوم القيامة بصحته أو بعدم صحته، والإسلام بهذا المفهوم هو رسالة جميع الرسل, ودعوة جميع الأنبياء, ونزل بكل اللغات القديمة, حتى نزل أخيراً باللغة العربية. النوع السلوكي هو: المُسالمة, وعدم الاعتداء على الآخرين وعمل الصالحات، فكل إنسان مُسالم مأمون الجانب ويعمل الخير, وبغض النظر عن دينه فهو مسلم، وهذا النوع نستطيع مشاهدته والحكم عليه, وهو ما يَهُمُنا نحن البشر. ونسأل الله أن يُلهمنا الرشد والصواب.