في أزقة الشوارع دماء ممطرة, عتمة وضجيج أرواح ميتة, رائحة نتنة ولصوص موت, أو موتٌ بين أياديٍ تزرع بذور الصراعات القاتلة, أحياء أموات جاءوا أفواجاً ليخطفون اللعنات لآخر رمق. لاشي يُذكر.. هو القبح فقط, سيطر على الدين, على العُرف, وحتى على الغُبار من العادات والتقاليد, وهكذا هو حال الفن بشتى مجالاته المتعددة حيث أصبحت كل سياسات العهر وحلاً يلطخ وجه أرواحنا, دماء تسير على الأرض لتروي التربة احمراراً حاقداً حد الغرق. الأستاذ. شكري محمد.. مُخرج وكاتب مسرحي خريج دوله الكويت عام89م, واليوم.. هو لاشيء يُذكر, فقد عشق المسرح مُنذ نعومة أظافره, حيث كان أول ظهورٍ له في السبعينيات ولم يكن عُمره قد تجاوز الثانية عشرة, تعلم فنون المسرح على يد المخرج الراحل فريد الظاهري, حاز على الكثير من الجوائز, منها جائزة (باكثير الثالثة) كأحسن نص مسرحي ناقش قضية اجتماعية في الثمانينيات كان اسمها «مطروش يبحث عن عمل» لكن مأساته كمأساة العديد من المبدعين النزيهين, والتي تكررت معه كحكاية جديدة يرويها لنا بحرقة قلب قائلاً: (لم يعد للفن وجود). ويضيف قائلاً: مرت اليمن في تاريخها عبر حقبة من الزمن بالعديد من الاستعمارات والحروب, وكان للفن وللمسرح آنذاك وجود فعلي, حيث لم تدخل الثقافة في بلدنا سوى عام 74 إلى 78م, وبعدها انتهت تماماً!! حتى يومنا هذا, وأعتبر المسئول الأول عن فشل أو غياب الفن في اليمن, هو السلطة, ابتداءً بالقبيلة وحتى السياسيين, حيث اقتصر الأدب والفن بشكل كبير على مدح رئيس أو زعيم, أو الافتخار بقبيلة ما لأفعالها الهمجية, التي لا تنهض أو ترتقي بالوطن, حيث كان الفن في الشمال شبه معدوم, وتواجد في الجنوب بصورة رائعة جداً. ولكن بسبب إهمال الجهات المعنية لهذا الجانب بشكل كبير أدى إلى تدني المسرح والفن ليكون دور الدولة مقتصراً على الاهتمام بوزارات كثيرة عدا وزارة الثقافة, وتنوير العقول, ومن المؤسف أن أرى توجه الشباب بشكل كبير على صفحات التواصل الاجتماعي, وبغض النظر عن الاطلاع والانشغال لساعات طويلة بمجالس القات دون أدنى اهتمام بقراءة الكُتب أو الكتابة المسرحية، والتي تحكي معاناته أو الاهتمام بتكوين فرقة مسرحية شعبية تمثل اليمن خارج فضائها.. وبكل شفافية ووضوح الفن في اليمن شبه موسمي يقتصر فقط على الأعياد الوطنية وبعدها بالبلدي «كل فنان يروح بيته يرقد». اليوم ما تحتاجه اليمن هو ثورة ثقافية تنهض بها لا البقاء في أحضان الدولة القبلية والمسلحة التي لا زالت مستمرة من سالف الأزمان حتى اللحظة, لكن وللأسف أصبحت أجيال المواقع الإلكترونية لا تملك الجرأة. أما من جانب سياسي فأنا احترم جميع القوى السياسيةٍ والطوائف والمذاهب لكنني لا أبيع عقلي لا لحزب, ولا لطائفة, أو مذهب, كائناً من كان, فولائي الوحيد للوطن وسأنهي بقية عمري مُعتمداً على راتبي المتواضع من المركز الثقافي الذي لا يتجاوز 200$. وأضاف: إن الدين لم يكن يوماً ليمثّل عائقاً, فقط هم بعض المتأسلمين ممن لا يقبلون بغير من هو على مِلّتهم بأن يصلي بجانبهم في المسجد الذي هو دار عبادة للجميع بعيداً عن أي فكرٍ طائفي مذهبي، أما الجوانب الاجتماعية, كالعادات والتقاليد التي أثرت على المرأة من جانب سلبي مما جعلها مهضومة في الجانب التعليمي, وفرض عليها الزواج المبكر في محاولة للقضاء على حريتها وحقوقها - خاصةً في المناطق الريفية - وجعلها بلا سلاح تواجه به أعباء الحياة, وهو العلم بشكل رئيس وكبت مواهبها وإبداعاتها تحت مسمى العادات، والكثير من المشكلات التي لا نهاية لها. وأخيراً آمل كثيراً أن يرتقي الفن في اليمن، لأنه رسالة سامية تحمل الكثير من القيم والمبادئ الإنسانية, وأن الاهتمام به من جانب الدولة بإنشاء مسارح فنية فهي بالتأكيد ستنتشل اليمن مما هي عليه. إلى حين استمر حديثي معه دون ملل لأخوض معه عمراً قد انقضى, يبعث في روحي الأمل تارة ويمنحني ابتسامة حزنٍ ووجع تارة أخرى. كادت عباراتي تخنقني لمعاناته, هو كلمة.. لا صوت لها بين سطورٍ مخفية.