حصن تعز، أو قلعة القاهرة، أو دار الإمارة، أو دار الأدب، كلها أسماء لهذا المعلم التاريخي الضارب بجذوره في عمق التاريخ السحيق. واسم تعز خصت به في الأساس القلعة المتربعة فوق الأكمة التي عرفت فيما بعد ب"القاهرة"، ثم ظهرت المدينة بهذا لاسم كما تذكر المصادر التاريخية في أواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وحالياً يصاب الزائر لقلعة القاهرة التاريخية بمحافظة تعز بالدهشة والحسرة لما آلت اليه، فالزائر للقلعة ستصادفه جملة من المشاهد المقززة والممارسات الخاطئة التي تشوه جمالها وتاريخها الضارب في أعماق التاريخ ، والذي يسيئ لهذا المعلم التاريخي الذي تحتضنه الحالمة تعز عاصمة الثقافة اليمنية والمرشحة لأن تكون عاصمة للثقافة العربية عام 2017م ، كما تسيء لكل ما تمثله من قيم وتراث ولعنوانها الثقافي والحضاري. المشاهدة الأولى أقل من عام مضى على افتتاح حصن قلعة القاهرة التاريخية الأثرية رسمياً ، بعد استكمال أعمال الترميم التي استمرت 14 عاماً والتي موّلها صندوق التراث والتنمية الثقافية، والسلطة المحلية بمحافظة تعز، ومجموعة هائل سعيد أنعم، بكلفة وصلت إلى ثلاثة مليارات ريال. فجميع دول العالم تحتفي بمعالمها التاريخية التي تحمل في جنباتها حكاية تاريخ طويل ومعاصر، حمل معه الكثير من القصص عنها والروايات التي بلغت حداً من الاسطورة في المنعة والصمود وقوة الاحتمال على المقاومة مهما بلغت شدة وجبروت من حاول النيل منها والاستيلاء عليها عنوة في الماضي. ستشاهد خلال جولتك السياحية للموقع اعداد المخزنين الذين يشوهون المنظر الجمالي للقلعة، فتجدهم مرتصين بأعداد كبيرة يرمون مخلفات القات والاكياس وعلب المياه الفارغة ، وهو ما يمنع كثيراً من مرتادي الموقع من استكمال الزيارة ، فكون القلعة اثرية وتندرج تحت المواقع الهامة والحساسة فيجب على مسئولي مكتب الآثار منع تناول القات داخل حرم واسوار القلعة . واذا اكملت زيارتك مروراً بمنطقة الجزء الغربي أسفل الحصن بالقرب من بركة المياه صعوداً الى الاعلى ستجد أنه يفوح منها روائح التبول والقاذورات التي يتركها المخزنون داخل علب المياه، بدلاً من ان تفوح بنكهة التراث الأصيلة. المشاهدة الثانية خلال مرورك الى اعلى الحصن من الجهة الغربية وصولاً الى الجهة الشمالية تجد تكدس بعض القمامة، بالإضافة الى انبعاث الروائح النتنة وبعض الثياب الممزقة والاحجار التي يتخذ منها المخزنون "مداكي" ومقاعد لهم، وستجد مكباً للقمامة في الجهة الشمالية الشرقية جوار بركة المياه الصغيرة في الاعلى والتي تملؤها المياه الراكدة المتعفنة. المشاهدة الثالثة واذا وصلت الى بوابة الحصن في الاعلى ستجد هناك جنوداً من كتيبة الحماية، والذين يتخذون القلعة مقراً لهم لحمايتها من اي مجموعة تحاول السيطرة عليها، أو العبث بها، لكن الأغرب ستجد اولئك الجنود يأخذون مبالغ غير رسمية لمن اراد ان يدلف الى الحصن ، وعند سؤالهم لمن تذهب تلك الرسوم التي لا يتم اعطاء سند للزائرين بها؛ يقولون الى مكتب الاثار، فاذا كان مكتب الاثار من فرض الرسوم لماذا لا يتم اعطاء سندات للزائرين مقابل المبالغ التي يدفعونها للدخول ، والغريب ايضاً انه في السابق كان يمنع صعود السيارات والمركبات الى اعلى الحصن، ونجد حالياً العديد من السيارات متوقفة بأعلى الحصن مقابل دفع خمسمائة ريال رسوم ادخال السيارات. مكب للنفايات هذه الممارسات الخاطئة ستجعل من الحصن الذي كلف ترميمه 3 مليارات ريال مجرد مكب للنفايات ومصدر لانبعاث الامراض والاوبئة، فالقلعة التي بدأ نبض الحياة يعود اليها شيئاً فشيئاً وراحت تستعيد روحها العظيمة تدريجياً مع كل لحظة من لحظات التجدد التي تعيشها، وتكشف عن مسحة من الجمال والرونق في هيئتها وشكلها، بدأ كل هذا الجمال يتلاشى. ذلك الأثر التاريخي الهام والمعلم البارز لمدينة تعز الذي يشكل كل حجر من احجارها إحدى الشواهد الحية على تاريخ ناصع وأثر عظيم تعكس رؤيته عناوين ودلالات في معاني القوة والصلابة والقدرة على تحمل الاهوال وقهر الزمان وتحدي بأس الطبيعة والانسان. فالقلعة التي تأسست ما قبل الإسلام، ولم تذكرها في العصر الإسلامي، إلا منذ عهد الدولة الصليحية في القرن (5ه)، عندما أشارت الى ان الأمير عبد الله بن محمد الصليحي شقيق محمد بن محمد الصليحي قد اتخذ منها حصناً له، وأعادها إلى واجهة الأحداث التاريخية ، فقد استولى عليها (توران شاه) سنة (569ه / 1173م) بعد أن قضى على قوات (عبد النبي الرعيني)، وصارت في عهد الدولة الرسولية حامية لمقر الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول، ثم آلت بعد ذلك إلى الطاهريين في سنة (924ه / 1518م)، وظلت موقعاً عسكرياً مهماً يسيطر على مدينة تعز بعد ذلك ، وحتى وقت قريب. إن قلعة القاهرة قد قامت بأدوار عسكرية وسياسية هامة خلال تاريخها الطويل، وليس ذلك فحسب ، بل إنها أيضاً تمثل تحفة معمارية نادرة بما تحويه من منشآت متنوعة، فضلاً عن موقعها المطل على مدينة تعز، لذا توجهت إليها الأنظار وامتدت إليها يد الترميم والتطوير لصيانتها وتأهيلها، لتستقبل الزوار في منشآتها الترفيهية، لمتنزهات والمطاعم والشلالات بالإضافة إلى المكتبة والمسرح والمتحف ومرافق أخرى تقدم خدماتها الراقية لمرتاديها، بدلاً من تركها للعابثين وتقاعس الجهات المسئولة من الحفاظ عليها كمعلم اثري . ويتضح من هذه اللمحة الدور الكبير الذي لعبته القلعة في نشوء تعزالمدينة وقبل الصليحيين والايوبيين والرسوليين كانت المنطقة كلها المعروفة اليوم بمحافظة تعز تسمى مخلاف الجند، بل ويمتد هذا المخلاف الى اجزاء واسعة من محافظاتاب ولحج والضالع، وكانت هناك حاضرتان الاولى تقع شمال جبل صبر، وهي المدينة التي اخذ منها المخلاف تسميته، ومدينة «جبا» عند السفح الجنوبي لجبل صبر، ليشكل اتخاذ حصن تعز هذه المكانة نقطة تحول ادت الى نمو حاضرة جديدة تحولت مركزاً للدولة الرسولية على حساب الحاضرتين سالفتي الذكر. ويصف المؤرخ ابن المجاور «حصن تعز» المسمى اليوم بقلعة القاهرة بأنه سرير الملك وحصن الملوك.. بني من الحجر والجص بأبواب واسوار وثيقة عامرة لا يوجد في جميع اليمن اسعد منه حصناً، وقبل ان يكون كذلك وسع فيه «طغتكين» بن ايوب معيداً بناء بعض المرافق فيه، ولكن لم يصل الى اكمل صورة له ليتناسب مع اهميته المستقبلية كونه حصن عاصمة للدولة الا في عهد الرسوليين الذين جعلوا من تعز ليس فقط مركزاً سياسياً بل عاصمة ثقافية.. شيدوا فيها مئات المدارس ودور العلم، وكان يتدفق اليها العلماء وطلاب العلم من مختلف ارجاء العالم الاسلامي، وقد زارها الرحال والمؤرخ ابن بطوطة في ذلك العهد الزاهر وفي فترة حكم الملك الرسولي علي بن داوود الملقب بالمجاهد، ووصفها بأنها من احسن مدن اليمن واعظمها، واصفاً قصور الرسوليين في «ثعبات» شرق الحصن والتي كانت مدينة قائمة بذاتها ذات رياض وغياض بارزة زاد في عمارتها الملك الرسولي المؤيد داوود بن يوسف بن عمر، لتكون داراً لأنسه ومن اشهر القصور التي شيدها في ثعبات قصر «المعقلي».