عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    الدور الخبيث والحقير الذي يقوم به رشاد العليمي ضد الجنوب    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    تعزيزات امنية حوثية في البنوك بصنعاء بعد تزايد مطالبة المودعين بصرف أموالهم    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    "جريمة إلكترونية تهزّ صنعاء:"الحوثيون يسرقون هوية صحفي يمني بمساعدة شركة اتصالات!"    "الحوثيون يزرعون الجوع في اليمن: اتهامات من الوية العمالقة "    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    ليست السعودية ولا الإمارات.. عيدروس الزبيدي يدعو هذه الدولة للتدخل وإنقاذ عدن    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    البريمييرليغ: السيتي يستعيد الصدارة من ارسنال    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    الوكيل مفتاح يتفقد نقطة الفلج ويؤكد أن كل الطرق من جانب مارب مفتوحة    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    مانشستر يونايتد الإنجليزي يعلن رحيل لاعبه الفرنسي رافاييل فاران    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    كريستيانو رونالدو يسعى لتمديد عقده مع النصر السعودي    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    دموع ''صنعاء القديمة''    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الإرهاب.. المشكلة والحلول
نشر في الجمهورية يوم 20 - 01 - 2015

تعاني اليمن كثيراً بسبب ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية التي تشهدها الكثير من محافظات الجمهورية، ولعل الجميع لا يزال يتذكّر الجريمة الإرهابية التي وقعت قبل أيام أمام بوابة كلية الشرطة والتي راح ضحيتها أكثر من أربعين شهيداً وعشرات الجرحى.. «صحيفة الجمهورية» حاولت من خلال هذا الملف معرفة أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب في العالم العربي وفي بلادنا على وجه التحديد وما هي المعالجات التي يجب أن تتم لمحاصرة هذه الظاهرة والقضاء عليها؟. . البداية مع الدكتور احمد المخلافي (باحث في مركز الدراسات التاريخية والتراثية والأثرية بجامعة صنعاء.. أستاذ مناهج البحث المتقدمة في العلوم الاجتماعية بكلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة) والذي يقدّم لنا دراسة أكاديمية عن أسباب ظاهرة الإرهاب والمعالجات لهذه الظاهرة التي تعاني منها بلادنا وأضرّت بالبشر والشجر فيقول:
شهدت الحياة الإنسانية منذ القدم صوراً أسطورية تفوق إمكانيات الخيال لإرادة القتل والتدمير وحروب الإبادة الجماعية، وهي بالفعل أعمال إرهابية ولكنها نُفذت تحت مسميات مختلفة وبذرائع متنوعة.. ففي الوقت الذي نتعامل فيه مع (الإرهاب) كمفهوم، فإننا لا نجد اتفاقاً على معناه الدقيق، حيث يختلف الأكاديميون والسياسيون على تعريفه، ولكنه بصورة عامة يُستخدم لوصف أساليب تهدد الحياة، تستعملها مجاميع سياسية نصبت نفسها في حكم أو قيادة مجاميع غير مركزية في دولة معينة.. وأقدم ذكر لكلمة (إرهابي) هو ما وجد مدوّناً في سيرة الكاتبة الماركسية الروسية (فيرى زاسوليج) التي قامت عام 1878 باغتيال الحاكم العسكري لمدينة سانت بطرسبرغ لأسباب سياسية، وألقت بعد الاغتيال مسدسها وسلّمت نفسها قائلة: «أنا إرهابية، ولست بقاتلة»!. وفي بدايات القرن العشرين استخدمت هذه الكلمة بصورة عامة لوصف الأشخاص (أو الجهات) الذين لا يلتزمون بقوانين الحرب أثناء نشوب صراع معين، مثل تجنّب الاستهداف المتعمد لأهداف مدنية أو أشخاص مدنيين ورعاية الأسرى والعناية بالجرحى، وكان التعبير يستخدم أيضاً لوصف المعارضين السياسيين لحكومة معينة.
الإنسان أعلى المخلوقات
نستنتج مما سبق أن الإرهاب لا يرتبط بالضرورة بالدين ولكن بعد أحداث11 سبتمبر 2001 حدثت تغييرات على المعنى الدقيق للإرهابي وتم استعمال تعبير الحرب على الإرهاب لوصف حملات متعددة الأوجه على الأصعدة الإعلامية والاقتصادية والأمنية والحملات العسكرية التي استهدفت دولاً ذات سيادة وحكومات، وكان هذا الانعطاف في معاني كلمة إرهابي وتعبير الحرب على الإرهاب مصحوباً على الأغلب بإضافة وصف الشخص أو الجهة بكونه يستعمل الدين في الشؤون السياسية أو يقوم بتطبيق الدين بصورة متطرّفة.
فالبشر هم أعلى المخلوقات قدراً وأكثر الكائنات تكريماً في كلّ الشرائع والمعتقدات والأديان والأعراف والقوانين بلا جدال ولا نقاش لذلك لا يمكن بأي حال تبرير قتل الإنسان مهما كان لونه أو عرقه أو دينه أو لغته.
ومن هنا فإن ظاهرة (الإرهاب) تعد نوعاً من السلوك الذي يجسد شرور الإنسان لا ينبعث دون إعداد مسبق في عقول من يمارسونه وينشأ أساساً من فشل الإنسان فترتبط ممارسته بالفشل، وليس بالحقد والكراهية، كما يظن البعض وترتبط دوافعه بمتغيرات اجتماعية وأخلاقية وثقافية وتنبعث هذه الدوافع من تبلّد المشاعر مع غلظة القلب والسادية، كما أن معتقدات الإنسان أيضاً يمكن أن تقوده إلى الأفعال القاسية وجرائم العنف ولهذا الفعل أطراف ثلاثة، هم: الفاعل، والضحية، والمشاهد.
العنف السياسي
والعنف السياسي أيّاً كان شكله ومصدره هو نوع من الإرهاب المادي العضوي الذي تستخدمه الدولة المستبدة (عبر جماعاتها) بحق الفرد والجماعة بهدف تطويعها وقسرها وكسر إرادتها المادية، وهو نوع من العنف الذي تستخدم فيه شتى أنواع الأدوات العنيفة وأبشع أساليب التعذيب في السجون والمعتقلات التي تصل حد التصفية والقتل بلا رادع ولا قانون ولا مساءلة.. وهذا نوع من الإرهاب والعنف المادي يخرج عن القيم والمعايير الإنسانية، مثلما يخرج عن وسائل الضبط الاجتماعية، العرفية والوضعية، لأنه غير مشروع، ويهدف إلى التخلص من الطرف المقابل باستخدام جميع أدوات الإبادة والتدمير، وهناك جملة من الأسباب التي تدفع إلى نشوء العنف السياسي، وتتمحور حول هيمنة حالة الاحتقان، والشعور بالإحباط بين الناس نتيجة الصدمة بعدم تحقيق الآمال والتطلّعات والأهداف الكبرى والصغرى التي دفع الناس الأثمان الباهظة في سبيلها، وكذلك التناقضات والصراعات الاجتماعية، واستبداد السلطات والقمع المفرط في العقاب دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقية والكامنة وراء فعل العنف، والتي تنشأ عن عدم ممارسة الديمقراطية والتعددية واحترام الرأي الآخر والجهل والتشدد والتعصّب والتطرّف والانغلاق.
وهناك عبارة بليغة للفيلسوف الفرنسي (إدغار موران) يدق فيها صفارات الإنذار لتوخي الخطر المحدق بنا والوطن يقول فيها: “إن الوطن في حالة خطر، إننا في خطر والعدو ليس شيئاً آخر سوى نحن أنفسنا”.
نعم.. فالإرهاب مرتبط بحق الآخر في تقرير مصيره وممارسة حياته بمختلف أبعادها بالشكل الذي يريد.
لذلك فالإرهاب واحد مهما اختلفت الأديان والأماكن والأزمان، ومهما اختلفت منطلقاته ودوافعه وأسبابه، فإن نتائجه واحدة وحينما نربط هذه العبارة بالسؤال الذي نسمعه مراراً يقول: من أين جاء هؤلاء الذين تخرّجوا من مدارسنا بكل تلك القدرة الفائقة على التفنن في التقتيل؟
نجد الواقع يؤكد أن المدرسة كانت تقوم بدور التنشئة الاجتماعية وتشع قيمها على البيت والشارع والحي والوطن بأكمله فتخفف من هول ما يمكن أن يرتكبه الإنسان من فظاعات، فإذا بها تتحول اليوم إلى ضحية من ضحايا نظمنا واختياراتنا وإذا بالشارع يغزوها في عقر دارها فتمتلئ ساحاتها بقيم الشارع والموت والعنف بمختلف أشكاله فلماذا نتملّص اليوم من التهمة كأننا لسنا طرفاً في المسألة؟.. لماذا نتبرّأ مما اقترفت أيدينا نحن البشر جميعاً؟.
النظر إلى القضية بشكل أعمق
ويقول الدكتور المخلافي: أليس حرياً بنا إذن أن ننظر في المسألة بشكل أشمل وأعمق بدل التراشق بالتهم ورفع أيدي البراءة مما يحصل؟ وهنا نجد في عبارة ل(مارتن لوثر كينغ) يقول فيها: “إمّا أن نعيش معا كإخوة أو أن نغرق معاً كالحمقى”.. إنها ترقى إلى مستوى القناعة، ففي حين استشعرنا جميعاً المسئولية، ووعينا المخاطر المترتبة على عدم الإحساس والشعور الوطني العالي بالمسئولية، وترك الحبل على الغارب، وندرك أن الإرهاب ليس وجهة نظر يمكن أن نختلف حولها، أو ننقسم بين مؤيد ومعارض ومحايد، ونعمل معاً من أجل خلق بيئة غير مواتية لنمو وانتعاش الإرهاب فإننا بذلك نكون قد جنّبنا أنفسنا ومجتمعنا ووطننا كل المخاطر، وأسّسنا للتعايش الإنساني السامي لذلك فإننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت سبق إلى أن نعي هذا القول، ونعمل بكل الوسائل من أجل أن نعيش معاً بسلام كأخوة، ونبتعد بكل السبل عن أي أعمال حمقاء تؤول بنا نتائجها إلى الغرق، حينها فقط سنكون جديرين بالحياة، وسنحقق نوع الحياة التي نريد.
من هذا المنطلق، فلا سبيل للتملّص من المسؤولية، علينا أن نعي أننا نحن بنظمنا وتفكيرنا ومؤسساتنا ومبادئنا وقيمنا قد صنعنا الإرهاب وعندما نؤمن بمسؤولياتنا جميعاً عن الإرهاب وعندما نعمل جميعاً لتصحيح هذه الاختلالات الجوهرية حينها لن يكون هنالك إرهاب.
تجفيف المنابع
إن الطريقة الأكثر فعالية لمحاربة الإرهاب هي حرمان منفِّذيه من الأسباب التي يتذرّعون بها لتبريره، بذا يكون في الإمكان إضعافُ القاعدة الشعبية التي يحتاج إليها الإرهابُ أيّما حاجة إضعافاً طويل الأمد. فالإرهاب كثيراً ما يتأصل في تربة سمادها الظلمُ والإذلال والإحباط والبؤس وفقدان الأمل عن ذاك للانتصار على الإرهاب، فليست الحرب هي التي يجب القيام لها، بل العدل هو الذي ينبغي بناؤه، إنّ الفكر المتطرّف والإرهاب يحتاجان في تعامل المجتمع معهما إلى استحداث آليات غير تقليدية، فما عدنا بحاجة إلى مشاهدات أكثر وحشية ودموية وشهوة انتقامية مما قرأنا وسمعنا وشاهدنا وعاصرنا لكي نقر بحقيقة أن الإنسان وحش منمط قابل للبرمجة والتوجيه والتسخير، ولا يحتاج علم الهندسة الوراثية من ابتكار كبسولة كي تخضعنا لما تريد الأنظمة، فكلٌّ منا وبلا استثناء، مزروعة فيه كبسولة الانتماء والولاء تثيرها الأنظمة وقتما تشاء.. ولن يتعافى المرء من كل هذا حتى يأتيه الفناء، فشبابنا وأطفالنا والوطن هم من يدفعون ثمن عطش الإرهابيين الإجرامي للدمار وقتل الإنسان. فلم تعد الإدانات تُجدي ولا الشجب مقبول، الفعل والفعل وحده هو ما يجب أن يكون رداً حاسماً على مثل هذه الأعمال الإجرامية البشعة التي تختار أهدافها بعناية وبسبق إصرار وترصّد لاغتيال الإنسان وكل ما يمت للحياة في هذا الوطن بصلة، فالجريمة البشعة التي استهدفت مجاميع الطلبة الراغبين في التسجيل بكلية الشرطة، كمثال لم تكن الأولى وهي بالتأكيد ليست الأبشع والأكثر دموية.. فقد سبقها تفجير السبعين وعملية العرضي الإرهابية، واستهداف طلبة كلية الشرطة قبل ذلك هذه الأعمال اللا إنسانية التي تعبث بالحياة لا ولن تكون يوماً مصدر لبعث الحياة لمرتكبيها والمتواطئين معهم، إن رسالة الشهداء خالدة وقيمة دمهم لا تُقارن وللإرهابيين نقول: لن تثنوا من عزائمنا في بناء مجتمعنا الجديد والمسالم، ولن تتمكنوا من التأثير على إرادتنا، ولن تتمكنوا من إعاقة أحلامنا، ولن تمروا بأعمالكم الإرهابية البشعة، فإرادة الحياة لدينا أقوى من الموت ومن مروّجيه، ونتساءل بسخرية وغضب: لماذا يستهدف الإرهابيون العلم والفكر وأصحابه ومؤسساته، بالتأكيد ترتبط الإجابة بأهداف وأساليب الإرهابيين أعداء الحياة والنور عشّاق الظلام، فالإرهاب لا دين له ولا هوية ولا وطن.. وجرائم الإرهابيين متعارضة بالضرورة مع القيم الاجتماعية والدينية والإنسانية، فحينما يكون خروجك من بيتك محفوفاً بالمخاطر ووجودك بالشارع عرضة للفناء ويراودك شعور بعدم العودة سالماً فاعلم أن إنسانيتك منقوصة في وطن يسير باتجاه الهاوية.
إنّ معرفة الدين بشرية وخلافية وغير ملزمة، لأن الإلزام بمعرفة ما، بالدين أو غيره، هو تعطيل للمعرفة الملزم الوحيد في الحياة هو القانون وقد يتغير بل هو متغير ولا يجوز التذرّع بإلهية الشرع المدعاة لمنع محاسبة السلطة خاصة في حالة ارتكابها لإنقاص الحرية.
الابتعاد عن التعصّب
ويضيف قائلاً: من هنا تصبح خطابات الوحدة في الإسلام السياسي خادعة ولاغية، لأن التعصّب المذهبي هو قوام الإسلام السياسي.. ما يعني أن الدولة المذهبية حصر، لن تكون إلا استبدادية أشرس من غيرها وأعمق فسادا،ً لأن الاستبداد والفساد يصبحان من مقدسات المذهبية، أي أن الرذائل تتحول إلى فضائل، وهذا المسلك لا يتفق مع فكرة الدولة أو دورها، إن الدين أو المذهب لا يجري استحضاره كهوية فرعية فارقة وحاضنة للفرد أو الأفراد إلا بمقدار تراجع فكرة الدولة الجامعة.
فعلينا أن نتذكّر أن رسالة المحبة المطلقة التي جاء بها (المسيح) لم يكن ممكناً أن تتلاقى مع أيه تطلعات سلطوية نسبية وكانت مقولته الشهيرة: “مملكتي ليست من هذا العالم” رداً واضحاً وحاسماً لمن حاولوا تنصيبه ملكا،ً فمملكة المسيح الحقيقية كانت في قلوب المعذبين، وأحلام المهمشين، حيث تعلو قيم الخير، وترقد السيوف في أغمادها، فلا تعلو غير رايات المحبة والسلام.. قال (المسيح) ل(القديس بطرس) حين رفع سيفه دافعاً عنه: “ضع سيفك في الغمد لأن الذين يأًخذون بالسيف فبالسيف يؤخذون”.
وعلينا أن نعي أن الاختلاف كقانون كوني وسنَّة إلهية، ضروري جداً للحياة والحيوية والتعدّد الذي يكتمل بالوحدة، أي في الفضاء الرحب والجامع الضابط والمرن، والوحدة التي تتجلّى في التعدُّد وتتيح حماية الخاص بالعام وإثراء العام بالخاص، ولكن هذا الاختلاف وهذا التعدد على نصاب الوحدة لا يمكن الحفاظ عليه إلا بقناعة راسخة تقوم عليها دولة حاضنة بأن الآخر شرط ضروري للذات، شرط معرفي وشرط وجودي، ولا يكفينا، بل يضرّنا الاعتراف بالآخر على مضضٍ أو كأمر واقع، ولكي يكون مفيداً وحضارياً، فإنه لا بدّ أن يكون أطروحة تمكّننا من أن ننتج معاً، وبالشراكة مع الجميع هنا وهناك وهنالك، مشروعاً حضارياً تتكافأ فيه مؤهلاتنا وذاكراتنا النقية وأحلامنا.
إن الإنسانية الآن ودائماً هي التي إذا استأثرت بعقولنا وقلوبنا، تمنحنا شرف التكامل من موقع الاختلاف وشرف تعزيز الروح في أنظمة علائقنا وحياتنا وهنا يقول: (جون ستيوارت ميل):
“إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً، وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأياً مخالفا، فإن إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة”.
إن السياسة الثقافية العمياء التي فُرضت علينا وعايشناها بالأمس والآن، ونجني ثمارها اليوم لم تستطع أن تفهم معنى الثقافة في عصرنا الحديث ودورها في بناء إنسان جديد ودولة جديدة في علاقتها بذاتها وبالآخر لم تتجرأ على تبني قراءة جديدة للتراث الديني، أو العلم، أو القيم، أو السلطة ذاتها سياسة تضع مصالح الفئة فوق مصالح المجتمع لا تجاوب بينهما ولا تفاعل. تلك السياسة التي مُورست ضد العقل منذ عقود هي التي أنتجت باليوم ما نعيشه من تفشي الانغلاق في التعامل مع معطيات الدين، واتساع دعوات التكفير، وتبني التطرّف والعنف باسم الدين، فحرية الرأي تحاكم والمثقفون موجودون كأشباح لا أحد يراهم أو يلتفت إليهم ولا أتخيّل السلطة قادرة على طرح السؤال عما قامت به لتسلب الثقافة من الثقافة، ولا عن الفشل الذي وصلت إليه سياستها في تدجين الثقافة والمثقفين بدلاً من فتح الأبواب على حرية الإبداع والتعبير تلك مأساتنا التي نعيشها جميعاً.. إن السياسة التي لا تسمح للثقافة أن تتكلّم جهراً في الساحات المدنية، ولا تتركها تدخل إلى المدرسة والبيوت لا يمكن أن تكون في خدمة الثقافة وحرية الرأي والفكر، بل على العكس تسهم في تغذية جذور الإرهاب.
التكفير
ويقول الدكتور أحمد المخلافي: فعادة ما تم ويتم تكفير أساتذة جامعيين وروّاد في المجال الفكري، وما أسهل أن يُطلق على أي مفكر حكماً بالكفر حتى الأطفال لم يستثنوا من الإعدام تطبيقاً لأحكام التكفير الناتجة عن التفكير ولا ننسى أنه حتى الروايات التي كُتبت قبل نصف قرن يحكمون على أصحابها أو من نقل عنها بالكفر وأبرز مثل لها رواية (صنعاء مدينة مفتوحة) ل(محمد عبد الولي) والتي حُكم بموجبها على (سمير اليوسفي) بالكفر، لأنه أشار إليها في ملحق «الجمهورية الثقافي»، ولا يزال الملف مفتوحاً منذ سنة (2000) في محكمة غرب الأمانة. لكل ما سبق وما سيأتي فإن الانعتاق من الضياع في هذه الممرات المغلقة يكون بتدشين لمرحلة سياسية جديدة بالنسبة لمستقبل الديمقراطية الناشئة في هذا الوطن والحديث عن تغيير جذري في لغة الحياة اليومية والارتقاء بمستوى الخطاب السياسي وتحقيق نوع من الوعي المنقذ من الاعتداء والإرهاب.. فما هي الشروط الضرورية للانتقال من حالة انفلات العنف إلى وضع مدني وسلمي؟
تتمثّل أهم هذه الشروط في إيجاد تنمية محلية ووطنية عادلة، وبناء اقتصاد وطني مستقل، ومقاومة الفساد، وتحييد الإدارة عن الصراعات الإيديولوجية، وخلق حالة من السلم الاجتماعي الدائم، والعمل الدؤوب لمنع اندلاع الحرب الأهلية، وإيقاف أعمال العنف والعدوانية ومظاهر اللا تسامح، والحيلولة دون تغذية مشاعر الكراهية والتباغض بين الأفراد والمجموعات والتركيز على نشر ثقافة التسامح ورفض كل مظاهر التصادم والإقصاء والتقاتل، والإيمان بضرورة العيش المشترك والتعاون والتواصل والتآنس والتكافل، والكف عن الدعوة على التقاتل والتحريض عليه، والحرص على فض النزاعات الاجتماعية بالطرق السلمية، وعن طريق إجراء حوارات عقلانية بين القوى المتدافعة، وتنظيم نقاشات عامة بين الفرقاء تفضي إلى تسويات قانونية بالتفاوض والتعاقد لبناء تفاهمات توافقية بالإقناع وإنهاء خصومات سياسية وتخطّي عدة خلافات عقدية بالمحاججة والرضا والتعادل والتشارك المتساوي في المضار والمنافع بين الجميع وتحقيق الأمن الوطني والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والأمان النفسي بحيث يستطيع معه الإنسان أن يعيش حياته بطريقة لائقة مع سهولة حصوله على منافعه دون خوف، ويسر تواصله مع غيره وتعاونه في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة، ومواصلة عمله، ومحافظته على ممتلكاته، وتنمية ذاته دون مضايقة أو تعرّض لخطر الاستحواذ والاستيلاء والغلبة.
الدولة المدنية
ويجب أن يقترن السلم الاجتماعي بإرساء معالم الدولة المدنية الحديثة بمضامين الديمقراطية والمجتمع العادل الحر، والنظام السياسي العصري، والتربية المدنية السليمة، والبيئة النظيفة، والثقافة الراقية، والعقلية المنفتحة على الدين والمتجددة والمجددة، والأخلاق الاجتماعية، والحس الحضاري، والمواطنة وترسيخ تقاليد التعقّل والتروّي واللا تعصّب والعفو وإيجاد القضاء المستقل العادل الذي يُسهم في توطين السلام الاجتماعي عن طريق مقاومة الفساد والمحسوبية والرشوة ومعاملة الجميع من منطلق مبدأ المسؤولية والتكليف، والمساواة في الحقوق والواجبات، وتفعيل القانون وما يوفره من آليات للمحاسبة والنقد والمراقبة من أجل توفير الشفافية في المعاملة والمصداقية في المعلومة والنجاعة في الإدارة والشرعية الوظيفية للكوادر والعقول والكفاءات، والقيام ببسط نفوذ العقل على التاريخ والمجتمع.
ختاماً يجب أن يعلم الجميع أن حقوق الإنسان التي لا يمكن التصرّف فيها هي الحياة والحرية، فالمنطق يقول: إن مشاريع الحياة لا تؤسّس على موت الآخر، ومن هنا فإن اللاعنف هو أفق الإنسانية الرحب الذي يجب على الكل دون استثناء أن يتوجّه إليه من أجل إنجاز مسار يسمح بتحقيق المصلحة الوطنية ويحترم تطلّعات الشعب بالعزة والكرامة ويقطع فعلياً مع عقلية التسلّط والاحتكار والتعالي، ويسارع إلى مقاومة كل أشكال اللا تسامح الفكري والتعصّب الإيديولوجي والتشدد الديني، ويضع الحوار كمقابل للإقصاء، ويغلّب منطق التعايش على لغة الاستبعاد، وينظر إلى العفو بكونه وحده القادر على إعادة الأمور إلى طبيعتها، ويتعامل مع الصفح بوصفه القيمة الوحيدة لفداء الوطن والتصالح بين الفرقاء والخلاص من الحرب الأهلية كما يجب الاعتراف بأن زرع الأفكار في المجتمع، ونشر المعتقدات لا يجب أن يتم بالإكراه والبطش، وإنما بالحوار والإقناع، ولا ينبغي أن تفرض الأفكار منطقها على الناس بتعسّف وأسلوب قهري، ولا يلزم أن تسخر لأغراض نفعية ضيقة وبطريقة سلطوية، وإنما يمكنها أن تعمل على ترويض النظريات والمعتقدات بشكل سلمي وموجّه نحو تحقيق الخير والحق والجمال والمودة للإنسانية، لذلك فالمطلوب اليوم هو نقد الوسائل المستعملة في الصراع السياسي وإعادة النظر في الغايات والتخلّي عن التصوّرات الحدية والمطالب المطلقة، وتنمية العقلية الديمقراطية والإقرار بوجود تعددية ثقافية، كما يجب تعديل النظام الثقافي بحيث يمنع ظهور أفراد عنيفين، ويحول دون اللجوء إلى العنف، ويضع حداً لاستعمال المعرفة كشكل من أشكال السيطرة الاجتماعية، فالمطلوب هو إيجاد أنماط ثقافية وتربوية بديلة تعمل على إنتاج السلم والتسامح وتسمح للعقلانية بترويض العاطفة والانفعال، ولعل من أهم شروط التخلّص من العنف الإيديولوجي والاغتيال السياسي والحروب الدينية هو الإيمان بالاختلاف ونزع الهالة عن المعتقدات، فلا ينبغي تسخير أية فكرة أو نظرية، كما لا ينبغي لأية فكرة أن تفرض أحكامها بطريقة سلطوية، يجب إضفاء الطابع النسبي على الفكرة، ويجب ترويضها حتى تمنع ظهور الكراهية والعنف وتمنح المحبة والرفق.
من جهة ثانية ما أصعب الفترات الانتقالية وما أرعب ما يرافقها من إرهاب شيطاني قاتل، وعنف مدمّر، واغتيال غادر، وما أثقل هذا الزمن الفاصل بين أل ما قبل وأل ما بعد، وما أبشع أمراض الارتداد والالتفاف التي تحول دون إنجاح الثورات وتحقق أهداف المجتمع، وما أعسر ولادة المدينة الإنسية!. . إن الثمن باهظ جداً دفعناه وندفعه من دمائنا وجماجمنا وعلى حساب تقدّمنا الاقتصادي، وسلامة بلادنا، ونسيجنا الاجتماعي وأمننا الشخصي والوطني، وسلمنا الأهلي.. ألم يقل (غرامشي): إن القديم يحتضر في حين يتعثر الجديد في طريق ولادته، في هذا الفاصل تظهر أمراض كثيرة وعظيمة في تنوعها، بلى لقد كان (غرامشي) موفقاً وصادقاً.فما العمل للخروج من هذا المأزق التاريخي؟، وكيف نتجاوز دائرة المجهول؟، أليس من الحكمة القول إن إقامة دستور (عقد اجتماعي) يحترم مبادئ الحرية والعدالة والكرامة والعدالة والمساواة والاعتراف بالآخر ويتلاءم مع الحقوق الطبيعية الخاصة والعامة هو بداية النهاية السياسية للعنف والإرهاب؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.