وسط خضم عاتٍ ومضطرب تُصارع سفينة الوطن من أجل الوصول إلى برّ الأمان.. الكثيرون يضعون أيديهم على قلوبهم مخافة أن تقع الكارثة.. إنها لحظات فارقة في تاريخ اليمن الحديث يكون الوطن فيها أو لا يكون.. لحظة يرسم اليمنيون فيها مستقبلهم، أو يحفرون قبورهم.. غاية في الخطورة بادئ ذي بدء لابد من الاعتراف وبحسب تأكيد د. أحمد شرف “أكاديمي” إن المسألة غاية في الخطورة وإن اليمن تواجه اليوم تحدّيات لم تكن تواجهها من قبل أو على الأقل لم تكن بذات الأهمية التي تبدو عليها اليوم، فالخلافات القائمة لا تقتصر على مواضيع وقضايا هامشية يمكن القفز عليها بسهولة ويسر بل تمتد لتطال شكل الدولة وبنية النظام والنسيج المجتمعي وترابطه وآليات توزيع الثروة والسلطة والحفاظ على الأمن والسكينة العامة، ومن ثم إيجاد المخرج المناسب لكافة المشكلات والقضايا المرتبطة بمختلف مناحي الحياة وضرورة النظر برؤى واضحة لتجاوز مخلّفات الماضي وتداعيات الفساد المالي والإداري وسياسات الإقصاء بجانب قضايا ذات صلة، كمشاكل البطالة والفقر والتدخّلات الخارجية، والارتهان لقوى إقليمية وعالمية. الموقف إذاً غاية في الخطورة، وما زاد الطين بلة هو غياب شبه تام لدور القوى الفاعلة والأجهزة والوحدات العسكرية والأمنية في العديد من المناطق بحسب رأي كثيرين، بحيث زجّت هذه القوى بنفسها في أتون الصراعات بحيث لم يعد يعوّل عليها غير القليل من الناس ما أدى إلى تعاظم دور القبيلة وعودتها إلى الواجهة وبقوة من جديد ما يطرح السؤال عن دور القبيلة وحضورها فيما ستؤول إليه الأمور حاضراً أو مستقبلاً. مسئولية مشتركة بغض النظر عمّن هو المسئول عن كل ما حدث في نظر العديد من المواطنين ومنهم سامي الأغبري “ ناشط حقوقي” إن مسئولية الخروج بالوطن من مأزقه الحالي هي مسئولية مشتركة بين جميع المكوّنات والتيارات، ومثلما يتحمّل الجميع مسئولية الحال إلى ما وصل إليه يتحمّلون كذلك مسئولية انقاذ الوطن وإخراجه من حالة الشتات والضياع واحتمال انزلاقه إلى هاوية الصراعات والمواجهات التي لا تُحمد عقباها. أوقفوا هذه المهزلة!! أيمن حمود «طالب جامعي» لا يملك إلا أن يصرخ في وجه الجميع “أوقفوا هذه المهزلة” وبنبرة حزينة يتساءل: لمصلحة من تغذية مشاعر العداء والكراهية بين أبناء الوطن الواحد والدفع به نحو إعادة التموضع بأشكال وصور مناطقية ومذهبية وحزبية وقبلية لا تُنتج في النهاية غير وطن هشٍّ وممزّق ومتآكل، هذا إذا بقي الوقع على حاله ولم يحدث ما يُخشى حدوثه. أحلام معرّضة للاغتيال في ذات الاتجاه وبالنبرة الحزينة ذاتها تؤكد «شيماء» أنها كطالبة جامعية لم تعد ترى المستقبل بوضوح وأن أحلامها وآمالها تتعرّض للاغتيال، وأوراقها بدأت في التساقط في ظل خريف وطني لم تكن تتوقعه.. ظمأ للعنف وعطش للدماء يوشك أن يقضي على الأخضر واليابس.. «شيماء» تتمنى من أعماق قلبها أن تنتصر الحكمة اليمانية ويتم العبور بالوطن إلى برّ الأمان. مشكلة وعي.. أم مشكلة حب..؟ هل المشكلة مشكلة وعي أم مشكلة حب؟ ففي الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن ما حدث كان نتيجة طبيعية لانعدام وعي القوى والمكوّنات بمآلات ومصائر صراعاتها التي أوقدت على نارها طويلاً وغذّتها بكل ما أمكنها وطرحتها للناس على أنها حقائق مسلّم بها وضرورة سياسية ومجتمعية وأحيان دينية.. تنظر أم حسان -مدرّسة إلى المسألة من زاوية مختلفة، فهي تُجزم وبشدة أن ما حدث وما يمكن أن يحدث لا سمح الله ليس إلا نتيجة طبيعية لانعدام مشاعر المحبة والود وتلاشيها من قلوب الكثيرين بحيث صارت هذه القلوب أشبه بمنازل للشرور والآثام فالقلوب العامرة بحبّ الله.. بحبّس الوطن.. بحبّ الناس.. بحبّ كل ما هو ديني وكل ما هو وطني وكل ما هو إنساني، القلوب العامرة بالحب لا تميل إلى الاقتتال والاحتراب تحت مبررات واهية وغير مقبولة، وتحرم الآخرين من العيش في ظل ظروف آمنة ومستقرة. المخرج الأنسب إذا كان الحوار هو البديل الأنسب والأمثل للصراع والعنف فإن مخرجات الحوار بحسب محمد نعمان “موظف” هي البوابة المناسبة للخروج باليمن إلى واقع أفضل وأرحب.. ويمضي نعمان إلى التساؤل: لماذا لا يفكّر قادة الأحزاب والمكونات والجماعات بالناس العاديين الذين يعانون ظروف الواقع منذ زمن بعيد، وسيعانون أكثر في حال خرجت الأمور عن السيطرة؟، لماذا لا يفكّر هؤلاء أن الشعب المسكين الذي يتحدّث الجميع باسمه ليس إلا أنا وأنت وهذه الملايين من الفقراء والمتعبين والمنهكين والباحثين ليل نهار عن لقمة العيش وعن الحياة الهادئة والآمنة بعيداً عن المشاحنات والصراعات التي لا تخدم غير أصحاب المصالح والمتاجرين بهموم الناس. لا نريد وطناً مُعاقاً المُعاقون حركياً يبدو أنهم أكثر من يشخّص هذا الواقع ويتحدّث عنه لأنهم يدركون جيداً معنى الإعاقة ودلالة أن يتحوّل الوطن - لا سمح الله- إلى وطن معاق غير قادر على الحركة أو العطاء أو ربما غير قادر على مواصلة الحياة. حسن عبدالله، أحد هؤلاء المعاقين يؤكد وعيناه تكادان تدمعان أن الوطن أمانة في أعناق الجميع، ويضيف: أين يمكن أن نذهب؟ وكيف يمكن أن نعيش؟، ومن سيتولّى رعايتنا والاهتمام بنا نحن المُعاقين في حال اختلط الحابل بالنابل، وانهارت القيم والأخلاق وتوارى العطف والبذل؟.. «حسن» يخلص إلى القول: إنه على ثقة بالله وبرحمته العظيمة لهذا الشعب الذي واجه الكثير والكثير من المحن طوال فترات تاريخية عدة لكنه استطاع بفضل الله تجاوزها والعبور من خلالها بكل ثقة واقتدار. أخماس في أسداس البسطاء من الناس وأصحاب الدخل المحدود وموظفو القطاعين العام والمختلط يعرفون جيداً معنى انهيار الوضع ويتخوّفون أكثر من غيرهم وهو أمر طبيعي، لأنهم بالتأكيد سيتحمّلون أكثر من غيرهم تبعات أي انزلاقات أو تهوّر أو طيش فحياتهم على المحك، وأمنهم على المحك وأسرهم وعائلاتهم ومدخولاتهم على المحك، والمهم من ذلك كله هو أن وطنهم على المحك لذلك لا غرابة أن نجد أمّ ماجد وهي أم لثمانية أطفال تحلف أنها لم تذق طعم الراحة والنوم وهي تضرب أخماساً في أسداس، ومما يزيدها قلقاً وتوتّراً هو أولادها الثمانية الذين لا تعرف على وجه التحديد ما هو مصيرهم، وما هو مستقبلهم في حال انهار كل شيء. وتؤكد أم ماجد: الدولة أمُّنا وأبونا لم يعد لنا أحد بعد الله إلا الدولة، نثق بها ونكل إليها أمرنا ومصيرنا ومصير أولادنا، فإذا ذهبت الدولة من يبقى لنا؟، كيف نستأمن على أنفسنا وعلى أولادنا؟. كيف يمكن أن نشعر بالرضا ونحن نرى الطريق مسدودة أمامنا وأمام أطفالنا؟. اتقوا الله غير بعيد عن ذلك يبدي أحمد سعيد “متقاعد” مخاوف جمّة من إمكانية توقّف المعاشات فقط ويضيف: كيف نستطيع أن نعيش بدون معاشات لقد قضينا عمرنا في خدمة الدولة، ونحن الآن أحوج في كبرنا ونساعد أسرنا وأولادنا.. المعاش أصبح لنا كل شيء، وهو الضامن لحياتنا واستقرارنا، فإذا لم نجد معاشات أين يمكن أن نذهب؟، وماذا يمكن أن نفعل؟. أحمد سعيد يوجّه رسالة عاجلة لجميع القوى والأطراف بالقول: اتقوا الله في الغلابى والمساكين واعلموا أنكم مسؤولون عنهم أمام الله، وأمام التاريخ.. اتقوا الله ولا تجعلونا ضحية لأطماعكم ووقوداً لنار خلافاتكم.