خلال الفترة الممتدة من سبتمبر وحتى ديسمبر من كل عام، يمر فوق سماء منطقة باب المندب التابعة لمديرية ذباب في محافظة تعز في الجنوب الغربي لليمن، مئات الآلاف من الطيور المهاجرة من شمال أوروبا وشمال وشرق آسيا، في رحلة عبور سنوية، ارتبطت عبر تاريخ هذا الكون بالموقع الفريد لباب المندب كعنق زجاجة، وممر حتمي خصوصاً للطيور الجارحة. وتشكّل منطقة باب المندب خلال فصلي الخريف والربيع، مقصداً لعُشاق مراقبة الطيور المهاجرة، وللصيادين غير الشرعيين، وحيث تشكّل هذه المنطقة، ممراً رئيسياً لنحو ثلث الطيور الجارحة المهاجرة، التي تتوزّع إلى صنفي العقاب والنسور. مؤسسة الحياة البرية المهدّدة تعمل جاهدة لمتابعة هذه الطيور، كما تسعى إلى إنشاء محطة مراقبة للطيور في قرية غريرة في مديرية ذوباب، «الجمهورية» رافقت - على مدى يومين - فريق مؤسسة الحياة البرية خلال مراقبة الطيور وخرجت بهذه المادة: 2 مليون طائر بعد أن نظّمت المؤسسة ندوة عن الطيور المهاجرة في جامعة تعز بمشاركة عدد من الجهات المهتمة بالطيور والحياة البيئية، والمشتغلين في المجالات البيئية وعلم النباتات في عدد من الجهات الرسمية، انطلقت القافلة إلى مديرية ذباب وخيّمت القافلة على مدى 37 ساعة بين السفر وزيارة منطقة تعشش فيها الطيور، وخط الهجرة والتخييم والعودة. سجّل العلماء نحو (200) نوع من الطيور المهاجرة التي تمر عبر باب المندب، معظمها من الطيور الجارحة، من بين نحو (450) نوعاً سجّلت في اليمن عموماً، فيما قدّر هؤلاء العلماء أن نحو 2 مليون طائر تمر عبر المنطقة في رحلتي الخريف والربيع. زقزاق السرطان ومن أهم الطيور المائية التي تمر عبر مضيق باب المندب: زقزاق السرطان، وهو طائر نادر، بلشون الصخور، وطائر الأطيش البني، طائر البجع وردي الظهر، و هو من الطيور البحرية الكبيرة، وطائر أبو منجل، طائر أبو معلقة. مرفأ الطيور وفي منطقة باب المندب تشكل عبر الزمن (خور الشورى) البديع الذي يحيط بالسلسلة الجبلية لباب المندب من الناحية الشمالية والغربية، على امتداد نحو كيلو ونصف الكيلو متر، موفراً بيئة هي الأهم في جنوب منطقة البحر الأحمر لأشجار المانجروف (الشورى)، وهي البيئة المثالية التي توفر السلسلة الغذائية الأولى للكائنات البحرية، مثل القشريات وعلى رأسها الجمبري أو الروبيان الساحلي، وأبو مقص، وبعض الرخويات، والأسماك الصغيرة. وتؤمّن غابات المانجروف (الاستوائية) أيضاً، مصدراً مهمّاً لغذاء الطيور المائية المستوطنة والمهاجرة ولاستراحتها، على مسار خط الهجرة، وبيئة ملائمة لتعشيش هذه الطيور أيضاً. 450 نوعاً عبدالرحمن راوح، خبير وطني في مجال الطيور أشار إلى إنه للموقع الجغرافي المتميز لليمن ونتيجة مناخها المتميز كل هذا عكس في خلق تنوّع حيوي جميل، ونتيجة قرب ساحل منطقة غريرة من القرن الأفريقي جعل المنطقة ممرّاً هاماً للطيور المهاجرة. ويوكد عبدالرحمن أنه في اليمن يوجد 450 نوعاً من الطيور، منها مقيمة، ومنها مهاجرة، ومنها عابرة تأتي من أوروبا ووسط آسيا، والطيور العابرة تمر في اليمن وتتغذى وتأخذ راحة ثم تتجه إلى أفريقيا. الطيور المحلّقة منوهاً إلى أن موسم الهجرة يبدأ في شهر أغسطس وهي الهجرة الشتوية، وهناك نوعان من الطيور هي الجوارح المحلّقات، والطيور الصغيرة التي من الممكن أن تعود من نفس مسار الذهاب، لكن الطيور الكبيرة في رحلة العودة تمر عن طريق الضفة الغربية للبحر الحمر، وتدخل خليج السويس. وأشار عبدالرحمن إلى أنه من الطيور التي تمر في مضيق باب المندب الطيور المحلّقة «الجوارح». عنق زجاجة وعن أهمية موقع اليمن قال: يُطلق على اليمن عنق الزجاجة، بمعنى أن الطيور تأتي على مسافات واسعة قطرها كبير جداً، وكلما اتجهت نحو اليمن ووصلت إلى مفرق المخا تشكّل عنق زجاجة، فتتكاثف في هذا العنق وتتجه إلى باب المندب ومنطقة غريرة، وهي المنطقة التي تبعد أقل مسافة عن جيبوتي بأفريقيا، وفي غريرة تبدأ الطيور تأخذ ارتفاعاً شاهقاً، وتتجه إلى جنوب أفريقيا، مضيفاً أنه إذا استطاعت الطيور أن تعبر البحر تصل إلى أفريقيا، وإذا لم تستطع نتيجة عدة ظروف منها طول المسافة وغيرها، تبقى في غريرة تتغذّى وتأخذ راحة وطاقة جديدة ثم تعبر. أدوار للمحافظة على هذه الطيور التي تعتبر جاذبة للخبراء والباحثين هناك عدة جهات عليها أن تقوم بأدوارها مجتمعة، وعلينا جميعاً نشر وعي بيئي من أجل المحافظة على الطيور، والتي يقوم البعض في منطقة غريرة والمخا باصطيادها، وهنا أدعو إلى تكاتف الجهود للحفاظ عليها من الانقراض. جينات يمنية وقال: مسألة الحفاظ على طير ليست بالمسألة العبثية، بل إننا نحافظ على جين، خاصة أننا نحافظ على الجينات الموجودة في اليمن، فهناك جينات وراثية يمينة. شراكة عالمية من جانبه الدكتور محمد عبدالله الدعيس (المدير التنفيذي لمؤسسة الحياة البرية المهددة) أكد أن لديهم شراكة مع منظمة الطيور العالمية في مشروع الطيور المحلقة المهاجرة، ومن أهم المسارات للطيور المحلّقة المهاجرة باب المندب الذي يعتبر عنق زجاجة، تعبر خلاله الطيور مرتين في العام خلال رحلة ربيعية وخريفة ما بين أماكن التفريخ والتعشيش في أوروبا وآسيا، والعودة إلى أفريقيا. وظائف حيوية موضحاً أن الطيور عند مرورها على الأراضي اليمنية تقوم بوظائف حيوية في التحكّم في الكثير من الآفات الزراعية وغيرها، والمشكلة هنا هي أن الطيور تتعرّض للصيد والقتل الجائر، أو تتعرّض لعدة مخاطر خلال العبور. مشروع حماية وعن مشروع الطيور المحلّقة المهاجرة، قال الدعيس: يهدف المشروع إلى إلغاء الضرر القائم على الطيور، ويدمج حماية الطيور في المشاريع والنشاطات القائمة في مناطق عبور الطيور. موضحاً أنه من ضمن فعاليات المشروع إدماج حماية الطيور في خمسة قطاعات حكومية، هي الزراعة، السياحة، البيئة، النفايات، الصيد، الطاقة. محطة مراقبة ومن ضمن أهداف المشروع نسعى إلى بناء محطة مراقبة للطيور في منطقة غريرة، حيث تم تحديد موقع المركز، ويهدف إلى إنشاء محطة الرقابة على الطيور، ورصد أنواعها لأغراض سياحية وبيئية. ومشروع المركز سيتم بالشراكة مع منظمة الطيور العالمية، بالإضافة إلى جمع التبرعات من اليمن لبناء المحطة. وأشار الدعيس إلى أن منظمة أجنبية أبدت الاستعداد والمشاركة في تقديم الدعم لبناء المحطة، لكنها اشترطت على الجانب المحلي أن يقدم حصتها في بناء المحطة وتجهيز الموقع، والى الآن لم نجد داعماً سواء من قبل رجال الأعمال أو المواطن أو الدولة لتقديم هذه الحصة. وعن وظيفة المحطة قال: سيكون لها دور هام في مراقبة الطيور، كما ستكون مزاراً لليمنيين للسياحة، بالإضافة إلى أنها ستكون مزاراً لمختصّي ومراقبي الطيور. مشروع الطيور الحوّامة ويهدف مشروع الطيور الحوّامة المهاجرة إلى دمج أهداف إدارة المحافظة على الطبيعة في القطاعين العام والخاص ضمن 11 دولة تقع على طول مسار الهجرة لحفرة الانهدام البحر الأحمر وهي: اليمن، جيبوتي ومصر، وأريتيريا، وأثيوبيا، والأردن، ولبنان وفلسطين، والسعودية، والسودان، وسوريا. ويستضيف وادي البحر الأحمر هجرة أكثر من 2 مليون طائر، عبر المنطقة مع اسراب ضخمة من الطيور الحوّامة التي تهاجر بعشرات الآلاف في الشتاء إلى أفريقيا، للوصول إلى مواقع تعشيش خصبة. قطاعات مستهدفة القطاعات المستهدفة في المشروع والمتوقع لها تأثير على الطيور المهاجرة هي الزراعة والطاقة والصيد وإدارة النفايات والسياحة. وفي عام 2014 تم التركيز على قطاع السياحة فهو أحد القطاعات الأسرع نمواً ضمن مسار الانهدام، وأصبحت مصدراً للدخل وتوفير فرص العمل. ويمكن لقطاع السياحة تحقيق المنافع المتبادلة من خلال الشراكة في حماية الطيور، ويمكن أن تحقق عملية دمج المحافظة على الطيور في الممارسات الرشيدة في اليمن مكسباً كبيراً لهذا القطاع. كما يمكن لشركات السياحة اليمنية أن تأخذ في عين الاعتبار حماية الطيور لتصبح أكثر جذباً للسياح المحليين والأجانب، خاصة أنه في أمريكا يُقدر ما يتم صرفة من قبل مراقبي الطيور حوالي 2.5مليار دولار سنوياً . فعالية احتفائية وعن دور المؤسسة، قال الدعيس: جرت العادة أن تقوم مؤسسة الحياة البرية المهددة “الشريك الوطني لمشروع الطيور الحوامة المهاجرة” ومنظمة الطيور العالمية سنوياً بتنظيم فعالية احتفائية بيوم الطيور المهاجرة، كون اليمن أهم الدولة الواقعة ضمن مسار الهجرة بهدف إبراز القيمة الجمالية والبيئية للطيور ومناطقها في اليمن، وإطلاق مبادرة للتنسيق بين الجهات المهتمة في حماية الطيور، بالإضافة إلى خلق وعي بيئي بأهمية الطيور للأنظمة الحيوية في اليمن.