عرض الدكتور محمود الحافظي بكتابة سلسة متخفّفة من عنجهية الكتابة المألوفة في الحقل الفكري، وباستسقاء علمي أكثر للنص القرآني، وعبر قرابة السبع السنوات أو أكثر في البحث والقراءة وإعادة النظر مرتين وثلاثاً، ومن تلاقح الأفكار التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي بين المفكّر، الباحث، الكاتب «المرسل» والقراء، الجمهور «المستقبل» وباصطحاب الإدراك العميق للواقع في هذه اللحظة الزمنية، وبمعرفة جوهرية الإنسان في النص القرآني؛ بكل ذلك أنجز الأستاذ عبدالله القيسي كتابه الأول «عودةُ القرآن».. والكتاب منذ الكلمات الأولى يعطيك فكرة عن محتواه؛ إذ هو مجموعة بحوث ومقالات وتأمّلات حول رسالة الإسلام “القرآن” ففيه ستجد البحث المستقصي المتكامل المختصر حول عنوان ما، وفيه ستجد المقالة السّهلة الملهمة في موضوع آخر، وفيه أيضاً ستجد تأمّلات قصيرة تكفي لاستثارة العقل وإعادة النظر. وقد حرص المؤلّف على تنوّع الكتاب هذا لمجموعة أسباب أهمّها مراعاة القارئ بمستوياته ومراعاة القارئ اليوم، ولذا فللقارئ الحق في البدء منذ العنوان الأول أو قراءة العنوان الذي يشغل باله أكثر ثم اختيار سواه. كما أنه تحايل على ثقل الأبحاث ورصانتها بالمقالات والتأمّلات التي تحتاج إلى جهد أقل، وتعطي مساحة لاستراحة القارئ بين بحث وبحث. والكتاب في مجموعه يقدّم محاولات جديدة لإجابة بعض الأسئلة التي احتلّت مكانتها في حقل الفكر الإسلامي، منها الأسئلة الكُبرى والعامة؛ ومنها الأسئلة التفصيلية المهمّة، ولأنه اكتفى في كل ذلك بالنّص القرآني كنص مشرّع وحيد؛ فقد اجتهد أكثر واستطاع الوصول إلى قراءاته الجديدة، الحقيقية والمواكبة، وهو بهذا قد أعطى فكرة علمية واقعية وفاعلة لمدى إمكانية الاستفادة من النّص القرآني المُعطاء على الدوام لكل من يريد. في المبحث الأول من الكتاب مثلاً يحاول المفكّر الشاب الأستاذ عبداللّه القيسي الإجابة عن سؤال كبير حاول كثيرون الإجابة عنه كل من زاويته، السؤال هو: لماذا انتكس العقل المسلم..؟!. في الإجابة عن هذا السؤال يدلي الكاتب بدلو محاولته لرفد الإجابات التي سلفت والتي ستأتي، متخذاً زاوية العلوم الإسلامية/العلماء/الأفكار/كمدخل لتقصّي مجموعة من المظاهر التي بدأت تبرز عبر الزمن لتشكّل نتيجة لها فكرة السؤال: انتكاسة العقل المسلم، هذا التقصّي تطلب من الباحث جرأة علمية كافية للاقتراب من الأسماء الكبيرة ذات الإسهام في هذا الموضوع، كما يتطلّب الفصل بين المقدّس والمشتغلين عليه، وبين الاجتهادات حتى وإن اتخذت شكل مسلّمات والنّص المحفوظ المقدّس. مرّ العقل المسلم عبر ثلاث مراحل، وثلاث شخصيات محورية، وثلاثة عناوين بارزة انتقلت به من العطاء إلى التلقّي السّلبي، من الفعل الحضاري إلى ركود التخلّف، من النّص المحتفي والمتمحور حول العقل إلى الاجتهادات التي سدّت منافذ العقل وضيّقت دوائره، وقضت على كل محاولاته، جاء العصر الحديث بمحاولات جادة للنهوض ولكنّ أيادي جديدة عمّقت الأفكار الثلاثة القديمة ذاتها ليعود العقل المسلم إلى معاناته مرّة أخرى..!!. في مبحث آخر في الكتاب وكمقدمة لفهم الإسلام؛ يثير المؤلّف العديد من العناوين التي ينبغي على العقل المسلم المعاصر الاشتغال حولها وإدراك أهمّيتها وفاعليتها، ثم يأتي في المبحث الذي يليه ليقدّم خارطته المبسّطة لتعريف عام بالإسلام، وهو مبحث سيعطي القارئ فكرة عن عموم الإسلام من خلال شرح مبسّط ومرتّب بشكل دقيق، ثم يختصر كل ذلك في جدول بإمكان قارئه أن يجيب عن الإسلام الدين الشامل خلال لحظات قلائل وبإحاطة كافية ومهمة، وهي إحاطة لابد منها في العقل المسلم الذي تغلغلت فيه أفكار التراث لتجعله دائماً في دوائر التطبيق والفهم عن الأوائل وفقط. وفي المجمل ومن خلال سياحة عامة في الفصول الأربعة للكتاب: 1. مقدّمات. 2. الإيمان. 3. الشعائر. 4. الشريعة. سيجد القارئ أمامه مصدراً خصباً ومختلفاً لقراءة متجدّدة للنّص القرآني، وأفكاراً أصيلة مستقاة من المصدر الأساس ومتعايشة مع روح العصر ومتوائمة مع المشترك الإنساني وفاعلة في العودة المنتظرة إلى ركاب الحضارة المفقودة، ومساهمة مثل هذا الكتاب اليوم وقبله وبعده ضرورية على طريق العودة؛ ذلك أن أكثر المصادر فاعلية في الإنسان هو الدين. ولو تجاوزنا التعميم إلى التخصيص لوجدنا العربي أكثر الإنسان تفاعلاً بالدين ومعه، ولذا فلابد من الإسهام في جعل أفكار الدين المصدر الفاعل هي الأفكار الحقيقية والفاعلة لا الأفكار التي كانت عطاء واقع فقير وانحطاط وكسل وركون؛ أكثر منها عطاء نص فائق إنساني كريم.