أسواق الحراج في بلادنا أضحت حاجة ضرورية، يلجأ إليها الفقراء ومحدودو الدخل لشراء ما يحتاجونه من مقتنيات كمالية وملابس رخيصة الثمن.. «الجمهورية» ومن خلال نزولها الميداني إلى العديد من الأسواق في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء نقلت معاناة المواطنين وانطباعاتهم.. وخرجت بالإستطلاع التالي: أسواق عديدة كانت البداية من سوق الصافية، وهو أكبر الأسواق في أمانة العاصمة، تباع فيه الأثاث المنزلية من “مفارش وسجاد وغرف نوم ودواليب وأدوات كهربائية ومجالس وبطانيات وأدوات المطابخ وأدوات النجارة والسباكة والبناء وأثاث مكتبي”. إضافة إلى الحاجايات الأخرى كالأجهزة الإلكترونية الجديدة والمستخدمة، في هذا السوق بالذات حركة اقتصادية غير عادية، وفيه ازدحام غير متوقع، يستطيع المواطن الحصول على مبتغاه بأسعار مناسبة، وجودة تفوق الصيني المستورد. إضافة إلى حراج الصافية، هناك العديد من البسطات في أسوق أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، كما هي في (باب اليمن، والمشهد، وباب شعوب، والحصبة، ودارس، والدائري، ودار سلم، وشارع هائل، وسوق مذبح، وجوار جامعة الإيمان، والتحرير، و شملان). وهناك محلات بيع الملبوسات في أماكن مختلفة من أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، وفيها أنواع مختلفة من الملابس الرجالية والأطفال والنساء، ومعظمها نظيفة وجودتها أفضل بكثير من الملابس العصرية الجديدة، يستطيع المواطن البسيط الحصول على ملابس له ولأولاده وأسرته بثمن يتناسب وقدرته الشرائية، بعكس الجديد الذي يباع في المحال التجارية غال الثمن وجودتها فيها نظر. مميزات وعيوب يقول سامح سلطان: الحراج.. يساعد الفقراء على شراء ما يبحثون عنه، بعض الأشياء فيه جيدة جداً، ومن عيوبه عند شرائك الحاجة من السوق لا تجد البائع بعد الشراء، كما أن فيه بيع وشراء الأشياء المسروقة مثل الأجهزة الإلكترونية خاصة التلفونات، ويكثر فيه السرقة بأساليب مختلفة، مثلاً إذا اشتريت شيئاً ولم تركز عليه جيداً واكتشفت عيباً فيه بعد ما أخذتها لا يقبلها منك البائع، ويقول لك أنا شغال وصاحب البضاعة قد اخذ الفلوس، لكن تعال بكرة أو بعد ساعة أو أكثر حتى يمل صاحب الحق. المواطن صادق عبد الودود هو الآخر سألته: “هذه الثياب التي تشتريها كيفها جيدة ؟” قال: نعم لكنها وسخة.. أجاب بنوع من الخجل: “نغسلها بالماء الساخن والصابون ثم نلبسها..” ألا تخاف أن يصيبك مرض لا سمح الله ؟ قال: “الساتر هو الله.. أنا يا أخي إذا قلت لن اشتري من الحراج؛ أو أخاف من أي مرض قد أصاب به من هذه الملابس, من أين اشتري ملابس..؟! لا استطيع؛ وعندي سبعة أولاد، وثنتين بنات، وأنا غير موظف، وأولادي حتى الآن بلا عمل، عندي واحد خريج من الجامعة لكنه بدون وظيفة، والباقين في بداية سن الشباب، ولذلك لابد ما اقبل بالشراء من الحراج”. باب اليمن وفي سوق باب اليمن الذي يعد أيضا من الأسوق الكبيرة لمتطلبات الناس من الأدوات الإلكترونية المستخدمة والبطانيات والجنابي والملابس الرجالية والنسائية والأطفال، حركاته تكون في الصباح بسيطة وتستمر هكذا حتى بعد الظهيرة، وتزيد حركة البيع والشراء في الفترة المسائية. وسوق باب اليمن يعتبر مرجعاً لكثير من بائعي بسطات الحراج، لأن الذين يأتون إليه ليسوا من منطقة واحدة بل من مختلف الإحياء في الأمانة، ومن مناطق مختلفة من محافظة صنعاء، والغريب أن الذين يعملون في السوق ليس لهم محلات فيه، الجميع يعملون إما وقوفاً وسط الشارع، أو علي الرصيف، وأغلبهم يضع بضاعته على بساط من القماش أو الطرابيل. هناك فرق على جانب من الرصيف وجدت مجموعة من السيدات يبدو أنهن من خارج الأمانة، سألت أحداهن وتدعى أم محمد، عن ماذا تبحث؟ قالت أنها تريد أن تشتري بطانيات وتلفون لابنها. قلت لها: هل البضاعة هنا رخيصة؟. قالت: “يعني.. وهو أفضل من أصحاب المحلات التجارية، والحاجات حلوة، وهي أفضل من الجديد، شوف البطانيات التي اشتريتها الواحدة بألف ريال، وهي تساوي أكثر من ألفين، ومن وجهة نظري أفضل من الجديد بكثير، وشراء الأشياء من الحراج تحس إنها قديمة وأن صناعتها وجودتها أفضل من صناعة اليوم”. وأضافت أم محمد: “اشتريت كاوية وسراويل للأطفال وفنايل بثلاثة آلاف ريال، مستحيل أجدها في المحل بهذا السعر, واشتريت سخانا ب 4 آلاف ريال وقيمته في المحل لا يقل عن عشرين ألفا..”. تسوق حذر وسألت آخرين ممن يقفون على الرصيف والمتجولين في الشارع، قلت لهم ممن تشتروا هذه التلفونات؟ قال أحدهم: “كثير من الناس يكونوا محتاجين فيبيعون تلفونات وساعات وأدوات أخرى، ونحن نصدفها قبل أن يدخل البائع إلى السوق، حتى نحصل على الشراء المناسب، المهم من خلال المحاورة بيننا.. البعض يبيع والبعض يرفض قبل وصوله إلى الحراج، وأحياناً نخوف البائع من السوق، المهم نحاول مع الشخص وإذا اقتنع وشفنا الشراء بخارجنا نشتري منه، ثم نختفي من السوق ونراقب البائع حتى يخرج من السوق، أو يشتري واحد مننا والآخرون بعيدين، وعندما يتم الشراء أخرج أنا من السوق وأعطي التلفون مثلاً أو الساعة أو ما اشتريت من الأدوات إلى أصحابنا وهم يقومون بالبيع”. سألته لماذا تختفي أنت؟!. أجاب: “إذا كانت البضاعة ثمينة أخاف أن يتراجع الشخص الذي باع لي، أو يكون سارقا ومعه آخرين يريدون أن يتشعبطوا علينا، أو يأخذوا الذي اشتريناه، أو يطلبوا فلوسا، أو نتضارب ونذهب إلى القسم؛ المهم اختفي من السوق افضل وأراقبه والآخرون يتولوانالباقي”. العامل باليومية يؤكد علي أحمد الوصابي بأن معظم البائعين خاصة التلفونات والساعات عزك الله والجزمات هم نصابون، والذين يعطونهم هذه الأشياء هم أيضاً سرق، ولكن عندهم أساليب مختلفة، واحد يسرق والآخر يبيع. والتقيت في سوق التحرير العديد من بائعي الحراج، وبعد الحديث معهم، قلت لهم من أي بلاد تجلبوا هذه الملابس؟ قالوا: يا أخي نحن عمال باليومية، ولا ندري بالضبط من أين يتم استيراد هذه البضاعة. وأضاف عبدا لله الريمي: نحن نستلم بضاعة بالعدد سواءً كانت بنطلونات أو فنايل أو غيرها من البضائع من أشخاص ليسوا تجارا بل موزعين من قبل التجار الموردين على الزبائن ويلزموا العامل بالبيع، القطعة الواحدة بخمسمائة ريال أو بمئتن ريال أو ثلاثمائة ريال. سألته: هل انتم ملتزمون بما يقوله الموزع لكم؟ أجاب: نعم نلتزم ونبيع حسب حركة السوق، خاصة إذا كانت البضاعة جيدة وحلوة، عندها يكن إقبال الزبائن على الشراء أفضل من البضاعة الرديئة. متى تحاسب الموزع ؟ في المساء من نفس اليوم. ليس عيباً شراؤها ومن جانب آخر تحدثت مع العديد من بائعي الأكوات في شارع علي عبدالمغني في التحرير، وطرحت عليهم عدة أسئلة عن البيع والشراء، ومن أين يتم استيراد هذه الأكوات و الجواكت، وكيف تصل إلى بلادنا وهل هي تجارة مربحة ؟. كانت الإجابة غير مقنعة.. بمعنى أن معظم هؤلاء الباعة قالوا أنهم عمال ولا يعرفون من أين يتم جلب هذه الملبوسات، والبعض الآخر أشار: تأتي من سوريا ومن تركيا، وأحياناً تأتي من الأسواق الحرة عبر دولة الإمارات، مما يعني أن المعلومات الحقيقية تبق غائب. والأسباب ربما يكون فيها نوع من السرية، ولا يريدون تجار هذا النوع من البضاعة أن يكونوا ظاهرين ومعروفين في الأسواق. والسبب الآخر من وجهة نظري قد يكون مرتبطا بالعادات القبلية التي لا يريد التاجر أن يظهر بأنه تاجر للحراج، أو أن ماله يأتي عن طريق بيع الملابس الحراجية المستوردة، رغم أنه ليس عيباً.. الآن مسألة تجارة الحراج ينظر إليها البعض أنها معيبة. تجارة رابحة.. تجارة غير رابحة يشير أحمد مهيوب بائع “الأكوات و الجواكت” بأنه يشتري بضاعته عبر عدد من الموزعين في صنعاء، أحيانا يصل سعر البندة أو المربط إلى أو الشدة ب 50,000 ريال، ويقدر بداخلها 80 - 90 كوتا، منها جيدة ومنها غير جيدة، والجميع تحسب علينا من التاجر بسعر واحد، وعندما نبيعها قد نصيب ونكسب، وقد نخسر، أما بسبب ركود البيع، أو بسبب البلدية التي تطاردنا في الشوارع والأزقة ويضيع الضمار. وأضاف: وهناك العديد من النكسات التي يقع فيها مثلنا عندما نبيع، أحيانا تكون البضاعة رديئة، ونحاول إعادتها إلى الموزع لكنه لا يقبلها، إضافة إلى الشمس والأتربة والوقوف على الرصيف.. يعني حياتنا لا أمان ولا راحة ولا تجارة، أما التجار الكبار هم المستفيدون من وراء هذه التجارة والقادرون على زيادة مكاسبهم من خلال علاقاتهم في الخارج أو معارفهم في الدولة.