نقف أمام تجربة شعرية جديدة، أمام شاعر فيلسوف، أمام نصٍّ مكتمل الدّهشة، أمام مثقّف مهذّب الطرح؛ قرأت له نصوصاً عدّة وتابعت كل جديده؛ شاعر جميل، مبدع هو الشاعر محمد الحريبي “الفحام” شاب تعزي لم يعتقد كما يقول أن الشعر سيكون أولوية من أولوياته؛ وكان يريد أن يعمل في المجال الحقوقي؛ تحدّث بشكل مخيف عن الوسط الأدبي وشبّهه ب«غابة» إما أن تكون مفترساً أو ضحيّة.. كان لي معه هذا الحوار القصيدة.. البداية .. حدّثني أولاً عن بداياتك الشعرية، وكيف..؟. كنتُ شغوفاً بالشعر منذُ طفولتي، وأتذكّر حين كنتُ طفلاً أن مدير مدرستي الأساسية لقّبني ب«الشاعر الصغير» ولم أفكر يوماً أن أكون شاعراً، وتراكمات الأسى تجبر المرء على البوح، وهنا كانت البداية كتابات بسيطة على جوانب الصفحات، وفي 2011م بدأت النشر على «الفيس» وتكاثرت الكتابات لأكتشف لاحقاً أني بدأتُ أحظى ببعض الاهتمام والنقد ساعدني على التطوّر كثيراً ولكنني مازلتُ أرى أني لم أخرج من إطار البدايات بعد. أسلوب حياة .. ما القصيدة بالنسبة لك..؟. القصيدة أولاً وأخيراً كأسلوب حياة يعتنقه الفرد ويفكّر لاحقاً بعد فوات الأوان بالنجاة منه. هواجس الشعر .. ومتى إذاً يأتي هاجس الهروب من الأولويات..؟. الأوليات تتراكم بأسلوبٍ فج عادةً، وفجأة يأتي الشعر، وفجأةً أيضاً ترحل أشياء أخرى، ولم أعتقد يوماً أن الشعر سيكون أولوية من أولوياتي وأنا الذي كانت لدي رغبات أخرى كالعمل الحقوقي مثلاً، ولهذا يأتي هاجس الهروب بقوة في لحظات الخوف من هذا الوسط الأدبي وتصرّفات البعض في الوسط الأدبي المسيئة إلى أخلاق الأدب تصيبني بذعرٍ حقيقي؛ وأنا أحدّثك الآن من واقع تجارب مُرّة مرّت بي..!!. مفترسٌ وضحية .. ولِمَ الخوف من الوسط الأدبي..؟!. الشّللية الموجودة في الوسط مؤلمة ومخيفة، وإلى حد أني في محادثةٍ مع أحدهم وكنتُ قد قرّرت التزام الصمت؛ قلت له أصبحتُ أخاف من هذه «الغابة الأدبية» التي إما أن تكون فيها مفترساً وإما أن تكون ضحية، كيف وهم شعراء قمّة في الإحساس تشبيهك يوحي أنك وسط مقاوتة وليس وسط أدبي شعري؛ لكن أن تكون شاعراً فتلك عقيدة يا عزيزي، هذا تحديداً ما يخيفني أن يفشل الشاعر في أن يكون شاعراً، أن تجيد ترتيب الكلمات وزهنقة الجمل ذاك شيء، ولكن أن تكون شاعراً فتلك عقيدة، لا أريد الإسهاب في الأمر الآن ولكنني حقاً وصلتُ إلى قناعة تامة أن الوسط الأدبي اليمني فشل فعلياً في أن يستحق اسم «وسط أدبي»..!!. تحديد العلاقة .. هذا يعني أن علاقاتك بالوسط الأدبي محدودة جداً..؟!. أنا أحاول تحديدها ولكن مازلتُ أنصدم كل يوم؛ ولهذا قرّرتُ عدم المشاركة في أية فعاليات كي لا أندم لاحقاً، وظهوري الوحيد في «مؤسسة السعيد» كان مجرد محاولة لكسر حاجز الخوف؛ تلته أزمة ثقة؛ لهذا قرّرت الاكتفاء بإطلالة شبه يومية من نافذة الشبكة العنكبوتية. استدعاء .. ولماذا تستدعي البكاء عندما تكتب الشعر..؟!. الثعالب كُثر يا عزيزي وقطيع أحلامي تضاءل!! هكذا أفتتح البوح بكلِ ما في مخيلة الفوضى من سواد بالثعلب وقطيع أحلامٍ شاخ راعيه بالكنايات المتّسخة وأطفال نبضي وإناءٍ لا ينضحُ إلا باليأس..!! لا أستدعيه لكن البكاء هو كل ما أملكه لأستطيع الصمود أكثر لم أفكر يوماً بأن أكون شاعراً تراكمات الأسى تجبر المرء على البوح مشاركات .. ماذا عن مشاركاتك الشعرية في الفعاليات العربية..؟!. لم أشارك كثيراً، وألقيت بعض النصوص في إطار جلسات عائلية ربما وكانت لي مشاركة وحيدة في الصالون الأدبي، ولقد كان الظهور الحقيقي الأول لي في «مؤسسة السعيد» الشهر الماضي؛ ولكن هذه العوالم الافتراضية أتاحت لي الاحتكاك بأسماء عربية رائعة ومميّزة. الفحّام .. لوحظ أنك دائماً ما تكتب لقب «الفحّام» إلى جوار اسمك..؟!. في الحقيقة يتعلّق اللقب بهذا النص، إضافة إلى أني أعمل حالياً في محل فحم نيابة عن والدي؛ وأنا خريج «مساحة وطرقات» لكن لم أعثر على عملٍ مناسبٍ حتى الآن وتركتُ شهاداتي جانباً وقرّرت مساندة أبي، ولاحقاً كتبتُ نص «الفحّام» كوني رأيتُ أن الشاعر هو شخص واحد في الواقع وفي النصوص، ولقد اقترح عليّ صديقي مأمون المقطري أن أضع «الفحّام» إلى جوار اسمي وأعجبتني الفكرة.. أنا الفحّام الذي يكتب الشعر لا أغزل المسافات وأختلقُ الوجع, لا يستبدّ بي الشوق استنفذته قبلاً استنفذته قبلاً ولا أجيد الندم!! …… أنا الفحَّام الذي يكتب الشعر أخترع القصائد من مخيّلة الليل،، أرتّب الليل في مخيلة الفراشة لأغزل من أفكارها البيضاء فساتين لخيباتي ولا أنسى أن أموت..!! …. أنا الفحَّام الذي يكتب الشعر داخلي يسكُن العدم وفي فؤادي ترقُص الدقائق بلا موسيقى أنا لا أجيد الغناء فقط ألتحف شوقي ولا أنام أنا الفحّام الذي يكتب الشعر أتعامل مع زبائني بفجاجة لا أُجيدُ التواضع والحب وأختمر في مخيّلة الليل كفكرة فكرة ربما ستكون عن الحب..!! …. أنا الفحّام الذي يكتبُ الشعر أسكب الانتظارات والفوضى الكلمات والأسامي الفناجين الفارغة ورائحة الغياب ولا أرتّب جحور الفئران..!! ….. أنا الفحّام الذي لا يكتب الشعر أثمر الغياب في دمي قصيدة لا أُجيد كتابتها ولا أنتظر لا أنتظر ولا أنسى لا أنسى ولا أستعيرُ قلماً … أنا الفحّام الذي يكتب الشعر أخترع التسويف ولا أعشق أعشق ولا أخترع التسويف فقط أُجيدُ البكاء كغيمة والصيف في محاجري لا يموت..!!. الوطن .. ماذا كتب الحريبي عن الوطن..؟. بالنسبة للوطن الأرض؛ فأغلب قصائدي التفعيلية كانت عن قضايا الوطن، والنثر حاول الاقتراب أيضاً، مع هذا لا أستطيع القول إني كتبتُ عن الوطن الآن؛ فالوطن نصٌّ كامل وأنا مازلت أتهجّى الكنايات.