كاريزما رمي ملفّه في وجه الموظف، يلتقط الموظف أوراق الملف المتناثرة على الطاولة وهو مسرور، يخرج من المكتب من دون أن ينطق بأية كلمة، تراه إحدى الموظّفات فتقترب منه وتقول له: ألست أنت محمد الذي كان يدرس معي في الجامعة..؟!. ابتعد الرجل عن الموظفة ولم يجبها عن سؤالها..!!. تمرُّ الدقائق وقد أصبحت الدائرة الحكومية بعيدة عنه، يوجد رجل واقف ينتظره فلوّح بيده له حتى وصل إليه وقال له: لقد أعطيت ملفّك إلى الموظف المختص، وقالت له إنني ضابط مخابرات غداً مُر عليه وخذ ملفّك منه. يجيبه الرجل: اليوم أدّعيت أنك ضابط مخابرات، وغداً أريدك أن تدّعي أنك مسؤول كبير، فعندنا معاملة مهمّة وأريدك أن تؤدّي الدور بدقّة حتى ننتهي منها..!!. مفعول الدراما السحري أذكر خلال تنقّلي بين عاصمتين عربيتين، أنني وجدتها شبه خالية من البشر؛ لأن شريحة كبيرة من المجتمع لا يمكن الاستهانة بها كان مجمع حواسها مركّزاً على شاشة التلفاز, حيث يعرض المسلسل التركي بأحداثه الطويلة جداً. النماذج كثيرة ومعروفة منذ دخول التلفاز إلى كل بيت، في السابق كان الجميع يتابع برامج معيّنة, بعدها جاءت الأعمال المنوّعة التي تُعرض في شهر رمضان بالتحديد, والآن نشهد “انفجار إعلامي” إن صحّ التعبير, حيث قنوات فضائية لا تُعد ولا تُحصى تقدّم الغث والسمين، ودول أخرى بعيدة عنّا تُقَدّم نتاجها وثقافتها بلغتنا, وباتت تعرف ما الذي يريده المشاهد بالتحديد، لقد نجحت الدراما التركية فيس اختراق كل منزل بالعالم العربي، بل بات البعض يعرف عن تركيا أكثر مما يعرفه عن بلده مع شديد الأسف, لأن حب الاستطلاع تم تحفيزه ذاتياً, والأعمال الدرامية زُرعت في داخله هذا الحب. كانت معلوماتنا عن العهد العثماني متواضعة وبسيطة، لكن بعد التركيز الدرامي على هذه المرحلة الزمنية بات الجميع يتحدّث عنها ومزاياها وسيئاتها بعد أن كانت طي النسيان في بطون الكتب التاريخية. أتمنّى أن أجد أعمالاً درامية متميّزة على قدر معاناتنا وتاريخنا وهويّتنا، ولكن للأسف الشّديد, على الرغم من كثرة الأعمال الدراميّة المختلفة, إلا أن أغلبها ليس ذا فائدة تُذكر, بل هنالك أعمال درامية لا يتجاوز عدد متابعيها بضعة آلاف فقط، وأنا على سبيل المثال طوال حياتي لم أتابع أعمالاً درامية محلية, إلا ثلاث مرّات, كونها دون المستوى المطلوب..!!. العائد تعيد قراءة آخر سطر في الرسالة “أنا عائد خلال أيام, لقد انتهى دوري في الجيش” تقلب مظروف الرسالة, تجد أن تاريخ الإرسال الأسبوع الماضي, تشعر بالسعادة كونه سيعود بأيّة لحظة. تبدأ بتنظيف البيت وتجهيز حالها، وذات يوم طرق أحدهم الباب, تنتفض جوارحها, تفتح الباب، تجد جندياً عليه ملامح الحزن..!! تصاب بالذهول من الجندي الحزين الواقف أمامها: - تحيّاتي سيّدتي. لم تُجب بأيّة كلمة. - لا أعرف من أيّن أبدأ، لكنه قضاء الله وقدره, لقد استشهد زوجك رحمه الله، ومهمّتي أن أسلّمك جثته. - صدقت، عدت وانتهى دورك في الجيش.