قد لا تكمن حاجة النسوة عموماً، والفتيات خصوصاً إلى قانون يحدد السن المناسب للزواج؛ بقدر ما تبدو الفاقة إلى قانون يحدد سن العنوسة في حين أصبحت تلتهم الكم من الفتيات عند أعمار أقل من الأعمار الافتراضية وفي ظل ظروف غامضة ظلمها وظلامهاإن الحديث بلغة القوانين لا تأتي جزافاً، ولا تؤخذ بعمى التقليد والمكابرة . ففي مجتمع يأخذ الفتاة باعتبار العانسة لمجرد بلوغها العشرين عاماً في الغالب؛ فإن إصدار قانون يحدد سن الزواج بسبعة عشر،أو ثمانية عشر عاماً؛ من شأنه تقليص المدى المحتمل والذي تُعلق عليه الفتيات آمالهن المتصلة بمشروع الزواج، فبعد أن كانت تلك السنوات المقترحة للقانون المحدد ليست أكثر من امتداد لسالفها من السنوات الواردة في حسابات الحلم الأنثوي ورحلات فرسانه المرتقبين؛ ستصبح بمعية القانون فترةً خانقة محفوفة بالأهوال، وخشية الاصطفاف في طابور العنوسة المبكرة، ومأساة ما بعد العقدين..، ومنها يتبين أن السياج الفاصل بين مرحلتي الطفولة والشباب- قانون سن الزواج- باعثاً للقلق والتوتر أكثر منه إنصافاً للأنوثة في حالة الإبقاء على العنوسة محتفظة بسيطرتها على متوالية الزمن ابتداءً من فاتحة العقد الثاني من حياة القوارير....، وعليها فإن قانون تحديد سن العنوسة بلا شكٍ سيسهم بوفرة في إعادة مسحات الطراوة ولمسات الجمال على الأجساد المهدودة، والنفوس المكدودة التي يستنزفها المفهوم الظالم السابق لأوانه. - قد يكون في زحزحة العنوسة وترحيل أرصدتها إلى ما بعد الثلاثين عاماً على أقل أو أكثر تقدير، وبموجب قانون صادر؛ ما يؤدي بطريقة مباشرة وغير مباشرة، إلى إعفاء الصغار، أو القاصرات من الفتيات، وانتشالهن من قوائم التفضيلات الذكورية إلى المستوى الذي يجعل من الحديث عنهن بغير الاعتبار الطفولي أمراً مخزياً وفيه الحجم من التضعضع لشخص المتحدث به، أو عنه، من قريب،أو بعيد، سراً ، أو علانية...، وفي ذلك يمكن الإشارة إلى عدد من الفوائد التي ينطوي عليها القانون- قانون العنوسة- والتي من أهمها: يمنح الفتاة فرصةً للتفكير. أي: لا داعي للعجلة في اتخاذ القرار المصيري. يخفف من سرعة القطار حتى المستوى الذي يجعل من اللحاق به أمراً ممكناً، والصعود على متنه وارداً عند أكثر من محطة للتوقف. بمعنى: وداعاً لاصطلاح القطار الفائت إلى غير رجعة. يعطي الفتاة فسحتها للتعبير عن ماهيتها إلى الحين الذي تدرك معه حقيقة الانتقال من مرحلة لمرحلة، ومن حالة اجتماعية لأخرى. وربما لا مبالغة في القول: إن الزواج المبكر( زواج القاصرات، أو الصغار) لا يكاد يمثل رقماً بالمقارنة مع العنوسة أو بمعنى آخر حالات اللازواج، أولا زواج مبكر ولا متأخر بعد سواءً على مستوى النوع الواحد أو النوعين معاً ، وإن تموضعت الرؤية والحديث سلفاً في شق القوانين فثمة رؤية أخرى مفادها أن مسألة القوانين بالخصوص المشار إليه مبكرة كثيراً وعليها تلوح إلى أن التأخر المنطقي، وضحالة المنسوب الفكري والفلسفي التي تعاني منه مجتمعاتنا هي العويصة التي يلزم التيقن بها؛ لتصبح توعية المجتمع عموماً وإصلاح أو بلورة ثقافته التعايشية في مسارات النوع وسياق المعطيات والمطالب جملة وتفصيلاً حتمية تفرض الانصراف إليها والاشتغال عليها عبر أكثر من منفذ ومسوغ يؤدي إلى خلق أثر وإجراء تعديل وترميم في الاتجاهات الفردية والمجتمعية على اختلاف أبعادها..... إن إصدار قانون؛ لأجل تسوية تصرف، أو تهذيب سلوك من نوع ما ؛ ففي حالة جهل السالك بحقيقة سلوكه ومترتباته إضافة إلى قناعته بما هو عليه ، يستمر جاهلاً غافلاً وما القانون حينها إلا أداةً لمعاقبة الغافل - في ذلك يُطرح السؤال: ما هي العقوبات المحتملة والإجراءات الممكن اتخاذها حيال مخالفة أو خرق قانون تحديد سن زواج الفتيات بأسلوب أو بآخر؟ من المؤكد أن الإجابة عن السؤال مشوبة بالكثير من الغموض وخاصة عند غير المشتغلين والمختصين في سلك القانون، ولكني ومثلي كثيرون ممن لا صلة لهم بدائرة التشريع ولا حق لهم في الاجتهاد والإفتاء قد لا نحتمل أو نتوقع الإجابة عن السؤال تبعد عن الإملاءات التالية ومنها يكون لكل مخالفة العقاب الذي ينساق والخطوة التي تم اتخاذها من قبل المخالفين أو المنتهكين لحرمة القانون متى كان: إبطال عقد الزواج إيقاف العرس بأمر من النيابة أو الجهة المختصة، مالم يُحال الأمر إلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر- طبعاً بعد أن يصبح القانون خيارهم الحتمي-. ترحيل ليلة الدخلة إلى حين استيفاء الشروط ومطابقة المعايير الواردة في القانون. إعادة العروس إلى أهلها وأما العريس فيلحق بولاة الأمور لإجراء التحقيقات ودفع الغرامات المادية إضافة إلى السجن للفترة التي قد ينص عليها القانون. تسعفنا ثقافتنا القانونية بعين الصواب فلا أرى بأننا قد ذهبنا بعيداً ، ومن يدري؟ لعلنا قد اخطنا وأصبنا وبالمناسبة فإن كان ثمة من يرى أن في الغرامات المادية ما يقلل من تفشي الظاهرة ، فقد لا يكون ذلك صحيحاً إطلاقاً في حين تكون النقود هي المحدد وليس ثمة من صلة بالقناعات والقيم والدوافع السلوكية النابعة من صميم المجتمع وعمقه الثقافي الواعي. ومن ناحية أخرى قد ينفع القانون في شق المعدمين إلا أنه لا يسجل حضوراً لدى الميسور الذي يجد القدرة على تهيئة نفسه للزواج على خلاف القانون مستعيناً سلفاً بالمبلغ المغري الذي يفك شفرة القانون ويسكت صليله كما أسكت أهل عروسه وذهب بعقولهم وأبصارهم . لستُ مع الزواج بالقاصرات ، كما لست ضد القانون المذكور، ولكني لا أوافق عليه في مثل هكذا ظرفاً مجتمعياً معقداً يصعب السيطرة عليه وتطويعه لخدمة القانون وإن كنت مع شيء فأنا مع كل تصرف وسلوك وإتجاه أولي وأهم من كل أولٍ ومهم. كثيراً ما يكون استحداث تغير في سياق النمطية المعهودة في السوق أو المجتمع المستهدف من الأمور التي لا تنسجم ولا يأبه المخصوصون بها إليها مادامت غير مسبوقة بالتهيئة والإعداد الهادف إلى تمرير المراد بالقدر من المقبول ولو على نطاقات محدودة ، فالتمهيد عموماً مما لا يمكن التنازل عنه لمن يحرص على ترجمة وتقرير متغير ما في حياة الشعوب والمجتمعات. وأما عن علاقة المشروع- زواج الصغيرات – بالحلال والحرام ، والكفر والإيمان ، والمشايخ والرعايا ، والفقه والفقهاء ، وعن شأن المرأة في دخولها وخروجها من وإلى ..بطن أمها ..بيت زوجها،المقبرة فإن النهج يبدو أكثر من جلي على مستوى مدارك العامة ذات الطابع العقائدي أو التشريعي..، وفي هذا لا أجد ميلاً لتفنيد أو رصد هفوات..أخطاء الآخر بناء على النظر من زاوية أو أخرى، تماماً على غير ما يستبد بالمهووسين من شعور يجرفهم إلى التعليق على أقوال وأفعال من كان مفكراً أو عالماً أو شيخاً أو فقيهاً أو حزباً أو طائفة أو ما عدا ذلك وأكبر وأصغر.. وحيث ما ينبغي أن يقوم به الفرد باعتباره كاتباً ، قارئاً ،ناقداً ،شاعراً ،الخ تجنيد لسانه ويراعه وفكره وغيره لما يخدم توجهه ،قناعته،ويعزز من رؤيته على نحو يجسد من رفضه لبناء صروحاته على حساب الآخر متكئاً أو رافعاً القواعد من على أساس الحطام الذي يراه في شأن من يخالفه المنطوق ..، فبذاته يجب أن يعتز الفرد بماهيته ، غير مسلم لعقدة النقص ولا مستسلمٍ لدونٍ ملك عليه لبه، ودفع به للترويج لشعاراته وعرضها على يافطات من اكتفوا بذواتهم وما عادت تقلقهم وقوقات الصيصان ...، إن في الاندفاع الطائش والتوجه الأحمق الأخرق للنهش أو الرغبة في التقليل من فلسفة الخصوم لا يقود فاعله لأكثر من الضعف والانحسار والركود، ليصدق فيه قول الشاعر: إذا أراد الله نشر فضيلةٍ طويت أتاح لها لسان حسود لولا احتراق النار فيما جاورت ما كان يُعرف طيب عرف العود وإن لم تكن للخصم رائحة العود ولا في المندفع صبغة الحسد ، فليحرص من كان على ألا يزيد في ذيوع رائحة خصمه قدر الممكن، حتى يمكن للمجتمع إعفاؤه من تهمة التسلق على أكتاف من لا يرى فيهم نفعاً .... وبالعودة إلى قانون تحديد سن زواج الفتيات فقد نوّه الصديق الغالي بكيل عفيف باعتباره واحداً من الحاذين على ذات الصراط بمعنى قوله” هناك من الفقهاء والمفكرين والعلماء لا يرون أو لا يجدون مانعاً في الإسلام من تحديد سن زواج الفتيات ، ومنها أخذت المملكة العربية السعودية رخصتها في إصدار القانون وتطبيقه...” . وفي هذا ما كان لصديقي أن يقف عند هذا المجال مفتوحاً لرأي آخر وهو أنه ثمة من العلماء والفقهاء والمفكرين من لا يرون مانعاً أيضاً في عدم تحديد سن زواج الفتيات ، وكلتا الرؤيتين واردة، و لذا ظلت بعض الدول دون قانون بالخصوص، بمعنى أن الاتجاه اختيارياً أكثر من كونه إجبارياً في هذا المنحى...، والله سبحانه وتعالى أعلم من خلقه وأرحم بهم من أنفسهم أكانوا رجالاً أو نساءً ، غلماناً أو فتيات..وفي كلٍ يبقى الإنسان على نفسه بصيراً ولن يكون له أو عليه أكثر مما يراه لنفسه وخاصة في كل مالم يحظى بتشريع واضح وصريح لا يتأتى بالجهد أو الاجتهاد والمطالعة وغيرها... وختاماً : يا أهل الخير والرحمة والشفقة والحريصين على منفعة المجتمع دعوا خلق الله على الله ..اتركوا للنساء شأنهن فهن أدرى وأخبر بما فيه النفع أو الضرر ..، ولا أدري إلى متى سنمضي متحدثين بالنيابة كما لو أن المرأة لن ترقى بعد لاستيعاب مثل هكذا قضية..؟ إذا كان ثمة من يرى أن زواج القاصرات يقود المجتمع إلى ما لا يحمد عقباه بناءً على معايير صحية متعلقة بالأضرار الجسدية والنفسية والتربوية وغيرها من الوخائم الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بشكل عام.فتلك مسلمات لا خلاف عليها ، إنما مكافحتها والوقاية منها لا تختزل في إصدار قانون أولاً وأخيراً..، بل لا بد من المدخلات التمهيدية والإجراءات المصاحبة ما ينبغي الانصراف إليها وكما أُسلف الذكر. مقترحات قانون تحديد سن العنوسة: لا يسمح النظر إلى الفتاة باعتبار العانسة مالم يمض عليها أكثر من ثلاثين عاماً اعتباراً من تاريخ ميلادها، ويعد كل فرد مسؤول عن تصحيح رؤيته وإعادة قولبتها بشكل يؤهل فتيات ما بعد العشرين ويعيدهن إلى قائمة الاختيار والممكن. يعمل به من تاريخ صدوره وكل في حيثه ملزم بترجمة المنظور إلى سلوك يجسد قناعته ويعبر عن ارتقاء مدركاته. قانون تحديد سن زواج الفتيات: المادة(1) على كل مشتغل ومتنور في إطار حلقات التوعية والتثقيف أن يكرس جهوده في سبيل توعية وتثقيف القاصرات بالزواج ومتعلقاته، بما يكفل لهن الوافر من العلم والمعرفة وبالقدر الذي يجعلهن قادرات على التفرد بآرائهن عند أقرب نقطة تماس لهن مع فرضية الزواج. مادة(2): إلى جانب التأكيد على دور وسائل التوعية والتثقيف في مسألة تبصير الإناث منذ سن مبكرة، يكون استهداف شريحة الأباء بالقدر الذي يجتث من أدمغتهم فكرة الإكراه، ويجردهم من الاستبداد بكل مظاهره وأحجامه. مادة(3) يحظر على المجندين ملكاتهم في صفوف إنصاف المرأة وتقرير حقوقها إهدار الوقت في وحول موضوع قانون تحديد سن الزواج للفتيات ما دمن بعد أقل من أن يستوعبن حقيقة ما يدور غالباً. ملحوظة: لا تزال المقترحات مطروحة للنقاش وقابلة للشطب والإضافة والتحوير والتدوير لما يحقق المنافع المرجوة. [email protected]