شخصياً لا أحب النائب مُحمد الحزمي، وهذا انطباعٌ شخصي لم أكن لأفشيه لو لم يتغوَّل المذكور في الوصاية على حياتنا وطريقة عيشنا وتفكيرنا، ولو لم يستغفل عقولنا في محاولته فرض نفسه علينا كعالمٍ حُجَّة وقُطب من أقطاب الإسلام، الذي يعاملنا الشيخ الحزمي وأمثاله وكأننا جهلةٌ به أو عديمي المعرفة به، مع أنهُ دينُنا وديدنُنا، ديننا الذي ورثناهُ كابراً عن كابر، بالجينات وبالتعليم وبالتفقيه، وديدنُنا بالممارسة والسلوك والاستماع والتحدُّث والتعامُل في البيت والشارع والأسواق، حتى ضاعت قيمَةُ الإسلام في حياة المجتمع كقيمة روحانية وعقيدة خالصة لتصبح بضاعة استهلاكية مع كَثرة العاملين كسماسرة متدثرين بقداسة الدين، وبائعي آياتِ اللهِ بأثمانٍ قليلة أصلها “البروبجندا” والتربُّح وتحقيق المكاسب بمختلف المناحي من وراء التألي على الله في خلقه وفي دينه. لسنا جهلة بالدين ليتم تعريفنا به من أول وجديد، ولم نخرُج من سفوحِ الإسكيمو أو من أدغال أفريقيا أو من غابات الأزتك ليأتي الشيخ محمد الحزمي بدعواهُ إلينا للعودة إلى الإسلام وإلى أصول الدين، عُمرُ الإسلام في هذه البلاد يزيد عن ألفٍ وأربعمائة سنة، وهَل كان الإسلامُ غريباً قبل هذا التاريخ ليأتي الشيخ محمد الحزمي وليعرفنا به وليعيدنا إليه بعد أن ظللنا عَنه، وليتحدَّث بأسلوبٍ إقصائي استعلائي عما يجب وما لا يجِب؛ يقصِي أُمَّةً من الناس، ويرفض العِلم والطِب، ويرفض كل شيء ليتحدَّث – أدام الله ظلَّه – بالحقِّ المبين.. وليس علينا إلا السمع والطاعة..! لا.. هذا لن يحدُث أبداً.. كان حرياً بالشيخ الحزمي أن يعرف أن الإسلام دينُنا جميعاً، لنا فيه مثلُ ما لهُ فيه، وليسَ لهُ أن يفرضَ ذاته وطريقة تفكيره وعِناده وحروبه الدونكيشيوتية على حياتنا المُزحَمة والملخبطة أصلاً، وإذا كان يعُدُ نفسهُ عالماً من علماء الإسلام، فليفرِض نظرياته وأفكاره على من نصبوهُ عالِماً أو شيخَاً، وليسَ لهُ أن يقحم نفسه في حياة من لم يرتضوهُ ومن لم يقبلوا تفيقهه في الدين، لقد كانت معركة زواج الصغيرات، والتي أبى الحزمي إلا أن يجعلها مِحوَر حياة ونقاش كثيرٍ من الأفراد، وليفرضها في مجلس النواب حجباً لعشرات القضايا المصيرية في حياة البلد وساكنيه، فقط ليثبت انتصاراتٍ فجة، يجعلَ مِنها سُدَّةُ انتصاراتهِ لصالح الإسلام المُثخن والمنتهك أولاً وأخيراً من قبله ومن إليه.. كانت هذه المعركة فاصلَةً في انحيازها “للعلمانيين” و”عُملاء الغرب” وكانت مثارَ خيبة الحُزمي، الذي أُصيبَ على حينِ غرَّة بما لم ينتظره، لقد سقطت مزايدات الحزمي وتنظيراته وتفيقهاته أمام إلهام التي دفَعَت حياتها ثمناً لعقلياتٍ محشوَّة بما في عقلية الحَزمي من التعنت والجَهل العميد بفقه الحياة، وكانت فدائية رقم واحد في معركة بنات جنسها مع رجال الخُبث من ذئاب الطفولة. بعدها اختفى الحَزمي ليظهر إلينا بصورة جديدة لنج،... [ استدراك: لستُ ضدَّ البطولات، ولا ضِد الأشخاص لآخر الخطّ، فقد يبدو امرؤٌ ما عصياً على الفهم، لكنه يمتلكُ وجداناً صادقاً مع قضاياه، ولعلَّ في قضاياه هذه ما نلتقي معهُ مثلاً....] ، أكمل: ظهرَ لنا عبر إشاعاتٍ جمحَت هُنا وهُناك، حول تعارُك الشيخ المذكور مع جنود إسرائيليين، وقد ورد في موقع نيوز يمن الإخباري عن “مصدر فلسطيني” اتصل بنيوز يمن ليخبرهم بأنه رأى الشيخ الحزمي على إحدى شاشات التلفزيون الإسرائيلي وهو يتعارك مع بعض الجنود الإسرائيليين بيديه ويصرخ “الله أكبر”.. سبحان الله، لقد وصلت شُهرة الشيخ الحزمي وسمعته إلى إسرائيل..! يا إلهي.. كنتُ أحسبهُ شيخاً “محلِّياً” طلع شيخ “دولي” ومش أي شيخ..! ثم قليلٌ من الوقت تواردت الأخبار عن قيام الشيخ الحزمي بطعن مجموعة من الجنود الإسرائيليين، أضاف الأستاذ عبد الستار تسعة جنود إسرائيليين وواحد تركي من اللي معه..! ثم أخبار وأخبار، إصابة المسوري، احتجاز الحزمي، وتضامنات وما إلى ذلك... لم نغِب طبعاً عن حفلة الزار، فشاركنا في التضامُنات، مع قلقٍ شديد من عودة الحزمي المجيدة وما يمكن أن تجلبُه لنا – معشر العُملاء – من الأخ محمد الحزمي، خصوصاً وإنه الآن أصبح شيخ بدرجة “مُجاهد” و«سرحة أبونا» مما سيحيق بنا غير أنَّ عودة الحزمي لم تكُن كذلك، فإذا ما تجاهَلنا المشائخ والعامة التي استقبلت الحزمي ورفعته على الأعناق وأولئك الذين منحوهُ الجنابي – ويبدو أنهم في الجملة لا يقرأون الأخبار – سنجِد أن هُناك وجهاً آخر للحكاية رواها خبر عن الزميل موسى النمراني في موقع نيوز يمن نقلاً عن موقع “المشهد العربي” الإخباري والذي أفاد عن “مصدر مطلع من المتضامنين” – أي زملاء الحزمي - بأن السلطات الإسرائيلية قد تحفظت على الشيخ الحزمي بسبب بلاغ تقدم به مصور صحفي ضد الشيخ الحزمي اتهمه فيه بتهديده وذلك لكون المصوِّر التقط صورة للشيخ الحزمي وهو يحمل الجنبية ونشرها في صحيفة هآرتس على اعتبار أنها مشهد من هجوم له على جندي إسرائيلي ووصف الحزمي ب “اليساري” وهو ما أزعج الحزمي كثيراً..! – سبحان الله مع أنه مؤتلف حزبياً مع اليسار اليمني. إذاً – وبحسب الخبر الذي مصدره متضامنون من زملاء الشيخ الحزمي – فإن الشيخ لم يتعارك مع أحد ولم يطعن أحداً، ولو صحَّ هذا الخبر فإنهُ يفتح الباب على مصراعيه من التساؤلات عن “المصدر الفلسطيني” الذي اتصل بنيوز يمن ليخبرهم – كاذباً كما تبين من كلام الشيخين المسوري وبن شيهون – أنه رأى الشيخ الحزمي يتعارك مع جنود إسرائيليين، ويضعُ أسئلة أخرى عن النية الحقيقية وراء هذا العمل البطولي الذي قام بهِ الشيخ “مشاركته في أسطول الحرية” فيما إن كان الغرض منه التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني أو أنَّ لهُ أهدافاً أُخرى تعني في النهاية العودة بشحنَة جديدة من البروبجندا وهالة جديدة من الألقاب والتعظيم تمكنه من خوض معارك جديدة يكسب فيها المزيد من النقاط... احتمالٌ ليسَ إلا مرتبط بصدق تلك الرواية، ومدحوضٌ بكذبها.. ثم يأتي السؤال اللاحق، إذا افترضنا أن المصور الصحفي قد اتهم الشيخ الحزمي اعتباطاً فلماذا يسيء لسمعته كمصور صحفي قد يفقد وظيفته إذا ثبت تجنيه على الحزمي هل يقبلُ شخصٌ ما تهمة على نفسه، لا بُد أن الصحفي أراد الانتقام من تهديد الحزمي، ولكنّه لن يرضى أن يكون هذا الانتقام مؤذياً لذاته، إلا إذا كان من باب “عليّ وعلى أعدائي” وهذا الأغلب في الأمر. إذاً، علينا قبل الاحتفاءات الضخمة، وتوزيع الألقاب، وتسليم الرقاب، أن ننتبه كثيراً، ففي الحياة نقائض كثيرة، بحاجة لإعادة تمحيص وتبيين، وأتمنى أن يصدر عن الشيخ الحزمي ما يؤيد هذا الكلام أو ينفيه، كما أتمنى أن تكون مشاركته بأسطول الحرية تاريخاً مشرفاً يحافظ عليه ويحميه بأن يغدو أحد العلماء المجتهدين الذين لا يفرضون أنفسهم على الآخرين، ولا يتألون على الله، ولا يستغلونَ سلطتهم للتنكيل باسمه، وأن يحفظ ويرعى ذمَّة من رشحه وذمَّة أهل اليمن في نفسه، وفيما يحشُد ويعمدُ إليه من الأعمال، أتمنى لهُ السداد، وأن أوفقَ يوماً ما في قبوله وحُبه بعد أن يترك تمترسه وتعنته المفرط ضد الإنسانية. [email protected]