سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صنع الإسلام في بلاده حدائق فيحاء شهية المنظر والمتنفس، فجاء الاستبداد أشبه ما يكون بدخان البترول، ترسله آلة خربة ملأت الجو بغيومه الاستبداد .. العدو الأول للشعوب والأديان
يبذل المصلحون والعلماء والمفكرون عبر التاريخ جهوداً عظيمة لتبيين الرشد من الغي، والصواب من الخطأ، ولتمييز العدل من الجور، وفضح العقبات والهفوات التي تقف حجر عثرة أمام المسلمين، لكن ما يبعث على الحزن أن تلك الجهود قد تذهب سدى، بسبب وطأة الاستبداد، وكثير من بواكير الإصلاح أهيل عليها التراب قبل أن تنمو، فلحقها الموت في مهدها. قتل جمال الدين الأفغاني وهو يحارب استبداد الملوك على عهده، ومات عبد الرحمن الكواكبي منكمشاً بعدما صودرت وحوربت مدرسته، وتوفي محمد عبده وهو يحس بمرارة الهزيمة في حلقه.. والحق أن مصلحين كثيرين، ونهضات شتى، تعثرت ثم تلاشت، أمام ما بعثره الاستبداد السياسي من عوائق وسدود هنا وهناك. هذا خلاصة ما ذهب إليه الإمام محمد الغزالي –رحمه الله- في كتابه (الإسلام والاستبداد السياسي) قبل نصف قرن،ثم أخرج بشكل أفضل عام 1999م عن دار ريجانه للنشر والتوزيع في جمهورية الجزائر. ويعد كتاب (الإسلام والاستبداد السياسي) الثاني من نوعه بعد كتاب (طبائع الاستبداد) للكواكبي –رحمه الله-، وقد عانى الغزالي من ويلات الاستبداد، وزج به في السجن أكثر من مرة، ودفع ثمناً غالياً جراء آرائه وتوجهاته المناهضة لنظام الحكم في عصره،فأدخل السجن وتعرض للتعذيب والقهر،هو وكثيرون من أحرار الشعب المصري الذين رفضوا أن ينساقوا وراء نزوات وشهوات ملك منتهز يحيط به أعوان لا يخافون في الناس وأموال الأمة إلاً ولا ذمة. يقول الغزالي : “تذكرت ليلة أخرجت من سجن الدرب الأحمر وفي معصمي قيود الحديد، ووضعت مع عشرات من أمثالي في سيارة بضاعة، وكعوب البنادق تدق بين أكتافنا حتى لا تحدث جلبة يستيقظ عليها أهل القاهرة النائمون..كنت أكره الاستبداد قبلاً كرجل خلقه ربه حراً، فلما لعقت مرارة القلة والاستضعاف والاختطاف، ووجدت زمامي يلعب به السفهاء، كما كان صبية مكة يلعبون قديماً بالحبل الذي ربط فيه بلال بن رباح، رسبت مشاعر الحقد في أعماق قلبي، وفهمت كيف أن اندحار الأعداء يشفي صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم. هذه المعاناة كانت وراء تأليف هذا الكتاب والذي كان في الأصل خلاصة دروس ألقاها الغزالي على فريق من الذين اعتقلوا معه في منفى الطور منذ سنوات بعيدة. البقية.... الصفحة أكروبات