ليست الحكاية استثنائية..إنها تتكرر في كل مأساة..تبوح بنبرة فاجعة عن (ريح عاتية) تعصف بكل شيء جميل..من بين الضحايا المجهولين كان بلال علي سعيد وزملاء له آخرون..دخلوا عمق تنظيم القاعدة،فخرجوا بتفاصيل صغيرة (استثنائية)..كل شيء فيها يستحق أن يطلع عليه الجميع.. والذئب على غنمه - في صيف العام الماضي كان بلال وسبعة جنود من أبناء قواتنا المسلحة والأمن يمرون بطقمهم الجنودي فوق الخط الإسفلتي الموصل بين صنعاء وحضرموت ، لا يخافون إلا الله استبشاراً بحديث صحيح قاله الرسول الأعظم محمد صلوات الله وسلامه عليه. فجأة غيب أعداء الله وجند الشيطان هذه البشرى..حين انقض حشد من تنظيمهم الإرهابي على أولئك الجنود..ليستلم بلال وزملاؤه الذين صارواستة فقد أسفرت المناوشات التي حدثت عن استشهاد أحد الجنود بعد أن اخترقت رصاصة التطرف عمق رأسه. همسات مُفجعة - أوقات عصيبة عاشها بلال وزملاؤه في غياهب الأسر...فالاعتقاد الجازم الذي عشعش في مخيلتهم من الوهلة الأولى،أنهم ميتون لا محالة. ثلاثة أيام بلياليها قضوها في منزل طين قديم على سفح وادي عبيدة –محافظة مأرب- دون أكل شيء من ماء قليل،لم يتهاو إلى مسامعهم إلا أصوات التكبير والخطب الرنانة ومضخة ماء..وأحياناً همسات قريبة تتسلل بين الفينة والأخرى لتقض مضاجعهم كانت جميعها استفسارات خافتة عن موعد “ذبحهم “. المعركة الكبرى - جميع التفاصيل المرتبطة بتلك الواقعة، أعدت في سياق عصري في فيلم مدته (18)دقيقة امتلأت به نوافذ مواقع الإرهابيين الإلكترونية..كما امتلأ ذات الفيلم بقبح فتاواهم وهشاشة تبريراتهم التي تثير الضحك والبكاء. - كان أولئك الجنود المخطوفون أصل الانتصار ومحور التناول،والأُغرب حين جاء التشبيه بأن القدر قاد هؤلاء المخطوفين إلى الخاطفين لرفع معنوياتهم الجهادية في مسار معركتهم الكبرى ضد الاحتلال الصليبي بقيادة أمريكا. - من خلال الفيلم كان بادياً على الجنود التعب الجسدي والإرهاق النفسي خاصة بعد أن تبادر إلى أذهان غالبيتهم، مقاطع مشابهة يذبح فيها أمثالهم في “الخطف” مثل النعاج. أسئلة صعبة - الفيلم”المذيل” بمعركة مأرب سبق وأن شاهدته ولكن هذه المرة قررت الإيغال في التفاصيل من خلال المخطوفين أنفسهم خاصة بعد أن تعرفت على أحدهم في ذات الفيلم ..وهو كما يشاركني نفس الاسم، يشاركني أيضاً المنطقة في قرية مجاورة لقريتي في أعالي جبل صبر الأشم. بلال ..قال: إن التحقيقات ابتدأت معهم من بعد اليوم الأول وفي ذات المنزل وإن أعضاء التنظيم الذين كان يترددون عليهم ليسوا يمنيين وحسب بل فيهم أفراد من جنسيات أخرى. وأضاف بلال: إن نظرات التنقص والازدراء كانت تحاصرهم من الجميع متبوعة بأسئلة وشعارات لم يفهموها ولم يستطيعوا الإجابة عنها. الفاتحة - من منكم يتكلم العربية..؟! إنه السؤال الفاجعة (فاتحة) الإرهابيين- لاستجواب بلال وزملائه..سؤال تافه خارج عن كل التوقعات..أليس كذلك؟! لأن كل شيء في أجساد هؤلاء الجنود،سحنات وجوههم، هيئة أجسادهم وميض عيونهم نبض قلوبهم يقول”أنا يمني..أنا عربي...” يالله! أي حماقة يمارسها هؤلاء!؟ أي سفه وطيش يفاخرون به!؟ في البدء جردوا الجنود من أميتهم،ثم من دينهم..والآن بكل سهولة جردوهم من يمانيتهم ومن لغتهم لغة القرآن الكريم. يالله! كل هذا العبث يتم من قبل سفاحين تناسوا أنك قلت وقولك الحق( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) وقلت أيضاً:( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) تترقب الأسوأ ماذا يحدث وماذا يريد هؤلاء!؟ إنهم يسيئون لعقيدتنا، لقيمنا،لأخلاقنا إنهم يسيئون لوطننا لتاريخنا، لحضارتنا ..إنهم يشوهون صورة اليمن النقية الزاهية”بلد الإيمان والحكمة” إنهم يشوهون صورة الإنسان اليمني المكافح المسالم”الأرق قلوباً والألين أفئدة”لقد جعلوا حياتنا ملبدة بالخوف، وأيامنا تترقب الأسوأ... سكين الجزار - أن ينجو المرء من موت محقق أمر فيه دهاء وحيلة وتدخل إلهي خارج عن كل التوقعات وما قام به بلال وزملاؤه سوى أن تقمصوا شخصية التائب العائد إلى الحق، المعترف بذنبه أنه كان يقاتل في صفوف أعداء الإسلام ..!! - هي التوبة الخادعة التي فطنوا إليها وألهمهم إياها القدر بعد أن أدركوا أنهم يقفون أمام حشد من المرضى نفسياً وفكرياً لا يجيدون سوى لغة الدم والموت. - يقول بلال:لم نكن في تلك اللحظات العصيبة نفكر بشيء سوى كيف ننجو من الموت”بسكين الجزار” وقد بدأ هذا الكابوس المرعب ينزاح من مخيلتنا بعد أن وجدناهم خدعوا بتلك التمثيلية التي قمنا بها فتحول خطابهم الجاف إلى عبارات فيها شيء من الرقة، وأننا جنود الله والجنة في انتظارنا،وكأن هذه الجنة سلعة يباع ويشترى بها. الأمر حسب بلال لم يتوقف عند ذلك الحد فقد أفرجوا عنهم بشرط أن يأتوا بزملاء لهم آخرين يبحثون عن الموت في سبيل الشيطان وانحصرت الأوامر بأن يقوم كل جندي بعمليته الجهادية في المنطقة التي يقطن فيها باستهداف أي مرفق حكومي..والأدهى والأمر أن المهمة الموكلة إلى بلال تتمثل بتفجير”الباب الكبير بمدينة تعز! وهنا أقول: لا شك أن كلاً يخدع الآخر إلا أن خداع أخواننا الجنود فيه النجاة من بطش أعداء الحياة ..أما خداع أولئك المتطرفين، فلا يوجد ما هو أقبح منه..فيه المهلكة في الدنيا والعذاب في الآخرة الدرك الأسفل - بلال ذو الثقافة المحدودة..لا يعرف سوى القشور عن هذه القاعدة ربما بنفس الصورة التي لم تتعداها ثقافة العوام ..كغيره من المفتونين”الغلابى” الباحثين في أغوار المستجدات عن وميض نصر قادم يُعيد للأمة الذي كان . - أستمع كثيراً إلى أسامة بن لادن ونائبه الظواهري عبر الفضائيات المختلفة وهم يتلون على الأمة بيانات التكفير والتشهير والإلغاء..غير مدرك أقصد بلال أن هؤلاء يقودوننا إلى الدرك الأسفل من الهزيمة الإنسانية. - حين وجد بلال نفسه في الجهة الأخرى في خانة الأعداء ممثلاً للضد الداخلي الذي هلاكه سيمهد للانتصارات الكبيرة!!!أدرك تلك الحقيقة التي ذهبنا إليها آنفاً فالإسلام دين شامل يتسع للجميع وليس حكراً على هذه الجماعة أو تلك. دين ثان! بلال الجنودي البسيط.. الذي نهل منذ نعومة أظفاره الإسلام من منبعه العذب بتعاليمه السمحة البسيطة.. عرف ما عليه من عبادات وأداها دون تلكؤ، وترجمها أخلاقاً تمشي على الأرض قدوته في ذلك النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم. اليوم - حد وصفه - وجد في معايشة هؤلاء “القاعديين الإرهابيين” إسلاماً آخر.. هكذا قال بالحرف الواحد.. دينهم ثان , دينهم معقد!. إنها الحقيقة التي بات يدركها الكثير فديننا الإسلامي دين خالد يتعاطى مع الفطرة الإنسانية السليمة، أليس الله سبحانه وتعالى خاطب نبيه الكريم بقرآنه المجيد “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وغيرها من الأدلة الدامغة المعززة لشمولية الإسلام وسماحته. وأنا في هذا السياق وأمام هذه التناقضات التي يندى لها الجبين.. أجدني ملزماً بطرح هذا السؤال.. هل هؤلاء مسلمون!؟ حديث شائك قبل أن أتعمق في تفاصيل إجابة هذا السؤال في “الموضوع التالي” أنقل هنا إجابة بلال.. نفسه فهو يعتقد أن هؤلاء الإرهابيين ليسوا يمنيين أو مسلمين، فهم - حد وصفه - جواسيس مدفوعون من أعداء الإسلام من أجل تشويه صورة الإسلام الزاهية.. ليجعلونا بنظر الإنسانية إرهابيين بلا رحمة أو ضمير. وما يجهله بلال وغيره كثيرون أن هؤلاء المتطرفين من أبناء جلدتنا يتباهون بجرائمهم وقدرتهم على إيلامنا.. والحديث عنهم محفوف بالغموض، ومن هذا المنطلق يمكننا وصفهم بأنهم أناس بلا هوية ولا قضية.