رغم تراجع القس الأمريكي تيري جونز عن دعوته المثيرة للجدل بحرق نسخ من القرآن الكريم، في ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر(ايلول)، إلا أن الدعوة نفسها فتحت باب المقارنة واسعا بين هذه الدعوة الموغلة في التطرف، والتي سار على نهجها عدد أخر من رجال الدين المسيحيين، وبين الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بضرورة التسامح الديني وفتح باب حوار الأديان. ففي وقت يصف فيه الغرب الإسلام بدين التعصب والتطرف، خرجت الدعوات المتطرفة من معقلهم، وحتى وإن استنكرت الغالبية العظمى من المسيحيين دعوات القس تيري جونز، راعي الكنيسة المغمورة في مدينة غرينسفيل بولاية فلوريدا. وكذلك دعوى القس الموغل في التطرف الديني فرد فيلبس، راعي كنيسة وستبورو بيتيس تيشرس الذي ينوي هو الآخر حرق نسخ من المصحف الشريف. ويؤكد عدد من علماء الدين على أن الفرق بات واضحا بين التسامح الديني الإسلامي، وبين التطرف الموغل في التعصب من الجانب المسيحي، حتى وإن حاولوا الظهور بمظهر الطيبة. ويشدد أستاذ الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، والداعية المعروف الدكتور عقيل العقيل، في حديثة ل"العربية.نت"، على أن دعوات بعض القساوسة لحرق نسخ من القرآن رداً على دعوات الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتسامح بين الأديان، هي أكبر برهان على أن الإسلام بريء من التطرف. ويقول "هي شهادة على عدلنا، وإدانة منهم لأنقسم.. فمن أصدر مثل هذه الدعوات يظهر العنصرية والتطرف التي يتهمون بها الإسلام"، ويؤكد على أن "الحق هو ما شهدت به الأعداء". مبدأ الوسطية ويشدد الدكتور عقيل على أهمية تمسك المسلمين بمبدأ الوسطية الذي يسيرون عليه، دون أن يردوا على دعوات التطرف المسيحي بالمثل. ويقول "علينا ألا نتخلى عن مبادئنا وننحاز للتطرف. بل أن نصدق على قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً). فعلى الرغم من سوء هذه الدعوات التي يطلقها بعض القساوسة لحرق القرآن الكريم ولكن لا نستطيع أن نحمّل جميع المسيحيين وزر هذا التصرف". ويرفض العقيل اتهام جميع المسيحيين بجريرة البعض منهم، حتى وإن كان الغرب حمل جميع المسلمين جريرة جرائم بعض المسلمين. ويقول "يحثنا ديننا على العدل.. لهذا لا يمكن أن نتهم الجميع بتصرف شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص، إلا إذا كان الأمر جماعيا. لم نعرف في الإسلام إلصاق تهمة الفرد بالجماعة. ينبغي ألا يدعونا هذا للتخلي عن مبادئنا كمسلمين نتمسك بالوسطية والتسامح. فعندما أخذنا بمبدأ الوسطية، لم يكن خيارا لنا بل واجب علينا، أملاه علينا الشارع. وهو ما يجب أن يكون عليه الإسلام والمسلمون. أما التطرف فهو مرفوض في الإسلام حتى ولو وجدنا منهم هذا التطرف. يجب أن نتميز عنهم فنحن لسنا أتباعا لغيرنا. وهذا التميز هو ما يجعل الناس يقبلون على الإسلام. وإن وجد مجموعة من القساوسة وتأمروا على الإسلام لا يجب أن تكون لدينا ردة فعل تخرجنا عن هذه الوسطية". متشددون ومتسامحون من جهته يؤكد إمام وخطيب جامع أحمد بن حنبل في الرياض الشيخ محمد المرزوق، ومدير مشروع الوسيط لراغبي الزواج، أن الجميع بات يعرف جيدا عمق التسامح الديني الإسلامي، رغم محاولات البعض إلصاق تهمة التعصب والتطرف به. ويقول في حديثه ل"العربية.نت" إن "مبادرة خادم الحرمين الشريفين للتسامح الديني والحوار بين الأديان واضحة للجميع. وأراد بها التسامح بين جميع الأديان، وهذا هو أصل الإسلام وقال به من هم أكثر علما مني. ولا أحد يمكن أن يشكك في هذا الأمر". ويتابع "الدعوة إلى حرق نسخ من القرآن موغلة في التعصب الديني. والله سبحانه وتعالى يقول (إن الدين عند الله الإسلام). ولا أحد يمكنه أن يشكك في ذلك..وما ظهر لنا من أكثر من ديانة، فهناك من هو متشدد ومن هو متسامح بغض النظر عنها. ولكن الله سبحانه وتعالى هو من يقدر هذه المشاكل بين المذاهب والأديان حتى قيام الساعة" الداعية الدكتور مريد الكلاب من جهته، يرى الداعية الدكتور مريد الكلاب، أن "الجميع بات يفرق دعوات التسامح الديني التي يطلقها المسلمون وبين التعصب الديني والتطرف الذي ينتهجه المسيحيون، وأكدوا عليه في أكثر من مناسبة كان أوضحها دعوات بعض القساوسة المسيحيين بحرق القرآن الكريم". ويقول "من يرصد الساحة العالمية، وما يجري في الواقع وبنظرة قريبة، يجد النصارى ومن خلال سياسييهم يغرقون في التطرف الديني تجاه المسلمين. وينشرون صورة دعائية سلبية تستعدي الإسلام ويلصقون فيه الإرهاب والعداء للجميع كمبرر للاستعداء للمسلمين". ويتابع "فيما يرسل الإسلام رسالة متسامحة، عبر عنها بأكثر من صورة، كان أبرزها دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتسامح الديني وحوار الأديان. ومنها ما هو موجود في نفس كل مسلم سوي عاقل يعرف الدين على حقيقته". ويشدد الكلاب على أن المسلم قادر على أن يتقبل جميع البشر لأنه ينطلق من دين التسامح والسلام. ويقول "المسلم السوي قادر على استيعاب ماهو سوي في العالم والتعامل معه"، معتبرا أن الغرب ظهر أكثر تطرفا ضد المسلمين. ويضيف: "ما يحدث في الدول الغربية من مناوشات حول الحاجب، أو حول حقوق المسلمين الموجودين في دولهم، ومن نقاش حول المساجد والمآذن وغيره، هو تكشير عن أنياب المفاضلة بين البشر والمساواة بينهم. مع أنهم يتهمون هذه الأمور بالجهل والتطرف. ولكن يمارسونه باستمرار دون مبرر. فالمرأة المحجبة في فرنسا لها ذات حقوق المرأة العارية والمتبرجة كإنسانة، ولكن لا تعطى المحجبة حقها، وهذا هو التطرف بعينة والمخالف لنظرتهم ورسالتهم التي يدعون". ويتابع "المفارقة واضحة بينا وبينهم.. فنحن نمارس التسامح لأننا نعرف أهميته وهو من منطلق ديني. فالإسلام دين سلام وتسامح ونقبل جميع الأديان ونحترم كل من يؤمن بالله سبحانه وتعالي". وتابع "مع أننا نعتبر أننا بيننا وبينهم قاسم مشترك وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما نؤمن بأننا لنا خصوصية هي أن الإسلام خاتم الأديان، إلا أننا نؤمن بأن هذا ليس مبررا لعداء الآخرين. وهذا منهج السلف الصالح رضي الله عنهم".