لاتبتعد كثيراً عن العاصمة صنعاء.. فالطريق الاسفلتي المنبسط الذي لايخلو من المنعطفات طوى الزمن.. وزميلي منصور.. ابن المحويت لم يبخل بمعلوماته الجانبية عن القرى الهمدانية مبتدأً«بضلاع» حيث القات المميز.. وصولاً إلى«الأهجر» - بضم الجيم- محط الرحال ومقصد هذا الاستطلاع.. سيمفونية استقبال اتجهت السيارة بنا يميناً وحدد السائق مكاناً مناسباً لوقوفها.. بينما صوت الماء ينداح بقوة صانعاً شلالات صغيرة وكبيرة، متراصة عزفت سيمفونية استقبال رائعة صداها ملأ الكون.. بدت الأهجر جميلة يكسوها الاخضرار، ويعبق التاريخ من جنباتها ..بينما تركت الوجوه المبتسمة لأبنائها ذكرى طيبة سهلت روعة الاكتشاف. لم نكن وحدنا ونحن نتسلق الجبل الصخري«فوسط» الطريق المتعرج تخطينا عدداً من السياح الأجانب المشغولين في توثيق تفاصيل رحلتهم.. قلت في «خاطري كم هي جميلة بلادي!؟ كم هي الأهجر جميلة!؟ يأتي إليها السياح من كل حدب وصوب مفتونين مبهورين بجمالها الأخاذ» .. قطع زميل رحلتي “سرحاني” قائلاً: هؤلاء السياح يفضلون المشي على الأقدام بسياحة يسمونها«التريكنج» أي السفر على الأقدام حتى يصلوا إلى سطح هضبة كوكبان مروراً بالخلثبى من جعدان ،حيث تلقاهم السيارات هناك أو يحدث العكس نزولاً، والغرض من هذه الرحلة التعرف على الاخدود الطبيعى لوادي غزوان الذي يصب في الأهجر، وكذلك معرفة أقدم منطقة تحتوي منحدراتها على المقابر الصخرية ،التي لايمكن الوصول إليها بحكم كونها من المنحدرات الشاهقة.. وأضاف زميلي: إنهم في تجوالهم ذاك يتعرفون على عدد من القلاع والحصون القديمة في منطقة «بني الخياط»، ومنها العماش الجاهلي ببيت خلان وقرية بني النظير وحصن نعمان وقرى المحجر، وجميعها يرجع تاريخها إلى عصور مختلفة.. التشجيع مهم بعد أن اشتد بنا الجوع سألت زميلي كم سيكون أجمل لو شجعت الدولة الاستثمار في تلك الاماكن ،من توفير استراحات مناسبة ,تمد القادمين بما يحتاجونه من متطلبات ضرورية لا تعكر صفو تحليقهم.. وتعفي القادمين من مشقة حملها أو نقلها معهم أثناء ارتقاء ذلك الجبل الصلد! مسقط مائي ينحدر وادي الأهجر من شبام باتجاه جنوب غرب ،ويعد واحداً من أخصب المواقع الزراعية ،بفضل وجود الينابيع العذبة التي تعد بالعشرات ،والمتوارث من القول أنها 350غيلاً إلا أنها حسب تأكيدات بحثية ليست بهذا العدد. كما يصب في الأهجر وادي غزون - الذي ذكره زميلي آنفا- من ضلاع كوكبان من منطقة الخلثبى تحديدا. وشلال الأهجر يعد أقدم مسقط مائي لإدارة الطواحين في اليمن، تم اكتشافه قبل ثلاثة أعوام، ويعد واحداً من ثلاثة مساقط مائية هامة استغلت قديماً في مرحلة ما بين العصرين «السبئي والحميري» كاستفادة عظيمة فطن إليها أجدادنا.. باستغلال ذلك الشلال الذي تنهمر منه المياه بشكل قوي على مدار العام. مقابر صخرية المقابر الصخرية المعلقة من الشواهد التاريخية العتيقة على عظمة الإنسان اليمني، وهي عبارة عن غرف مختلفة الأحجام ومنحوتة من ذات الصخر، يرجع تاريخها إلى ما قبل 2300سنة على الأقل.. وهو نفس التاريخ الذي اكتشف فيه اليمنيون التحنيط بطريقة مغايرة عن إخواننا المصريين باستخدام مادة«الزنك». في العام 1983م عثرالباحثون الآثاريون على خمس جثث محنطة بالصدفة في«شبام غراس» القريبة من الأهجر ، إلا أنها نهبت دون أن يتم توثيقها .. بعدها وفي عام 1995م قامت بعثة فرنسية يمنية بإجراء مسح أثري لتلك المقابر. أما الاكتشاف الأبرز والموثق كان في 2006م بمنطقة «صيح» المحتوية على عدد من المقابر حيث عثر عدد من المواطنين على خمس جثث أخرى ،بعدها تم تشكيل لجنة من وزارة الثقافة لتوثيق تلك الموميات ،وحددت اللجنة أوصافها، إنها عبارة عن جثث آدمية مكفنة بالجلود المدبوغة، موجودة على هيئة جلسة «قرفصاء». وعن حال تلك الموميات وُجدت اثنتان منها بحالة سيئة، بسبب تعرضها للعبث والتكسير أثناء استخراجها. سلام السياحة صناعة بلا دخان، والأهجر بيئة جاهزة للسياحة إذا ما أحسن استثمارها، وخلق مناخ مناسب لاستغلالها.. ودعتها وأنا أستذكر كل تفاصيلها؛ لأنها بحق فاتنة تمنحك القدرة على التذكر والهيام.. مازلت أتذكر أولئك الشباب والأطفال، وهم يتمتعون بالأحواض الصخرية «البرك» الممتلئة بالمياه الصافية، بممارسة هواية السباحة وسط ضحكات وصيحات متناغمة، صداها مايزال بأذني ممزوجاً بخرير الماء.. وترنيمة الحارثي الرائعة «سلام ياروضة الأهجر وجنة بلادي » .