سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
للعيد في الريف مذاق خاص.. ونكهة عابقة تفوح عطراً ، أيامه حافلة بالفرح ، ولياليه زاهية بالوصل ، جلها أوقات سعيدة ليت الزمن عندها توقف.. وهو رغم ذلك لا يخلو من «غصة»..!!
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.. إنها تكبيرات العيد صداها يحاصر الأرجاء ،ونسائم الريف العليلة تأخذها لأبعد من ذلك.. تغذي القلب فينتشي سروراً وبهجة.. ومع انقضاء صلاة العيد يتجه الجميع لزيارة الأرحام والأقارب برفقة الأطفال “المتباهين” بملابسهم الجديدة و«عواداتهم » الطرية التي تتوارد طوال ذلك اليوم الحافل. موسم العودة باتت الأعياد السانحة الوحيدة لاستعادة شيء من دفء العلاقات الأسرية ،التي خف وهجها في لجة شواغل الحياة الحافلة باالتعقيدات والتغيرات المتسارعة.. يقول فارس محمد: العيد عندي فرصة للهروب من حياة المدينة القاسية من خلال العودة الموقتة إلى القرية ،لأنعم بشيء من الراحة وأستقبل العيد وسط لفيف من الأهل والاصدقاء. فارس- وهو الموظف بإحدى شركات القطاع الخاص ، سمى العيد بموسم العودة إلى الريف «وعرفها» بأنها هجرة عكسية مؤقتة يحكمها العيد فقط ، فهؤلاء العائدون إلى قراهم ليسوا من سكان المدينة أصلاً ،لكنهم جزء من ظاهرة الهجرة الداخلية التي تنامت خلال السنوات الماضية. ترويح عن النفس نتيجة لتلك العودة تشهد مواقف السيارات والفرزات ازدحاماً شديداً خلال اللحظات الأخيرة التي تسبق العيد.. أفواج العائدين يستقبلهم الريف ويضمهم بين أحضانه من بعد طول غياب.. محمد عبدالقادر الشجاع التقيته وتباشير الفرح تكاد تشع من وجهه، وبدوره كشف عن عظيم تلك الفرحة ..فالعيد حد وصفه فرصة للترويح عن النفس بعيداً عن أجواء المدينة الخانقة. لم يعد آمناً ماجد عبدالرحمن سعيد عائد لتوه من أمانة العاصمة صنعاء «مقر عمله» رجع والشوق يغذو خطاه ليقضي العيد بين أهله وأحبائه.. لكن! لكن ماذا بعد يا ماجد! أعداء السكينة والهدوء نغصوا عليه فرحته العارمة وأحالوا هدوء الريف الذي يعشقه إلى هالة من الفوضى. اليوم ياصاحبي قالها «ماجد» متبوعة بتنهيدة حراء شقت صدره.. «لم يعد الريف آمناً بعد أن اغتالت سكينته» مكبرات الأعراس التي «تولول» إزعاجاً وضجيجاً مبالغاً فيه.. فمنذ متى أصبح إزعاج الآخرين حقاً لايقام العرس إلا به..؟! مكتومة الأنفاس الصبح يصحو دون تغريد البلابل، وترتيل المهاجل ،والليل يأتي ذابلاً منكسراً ،بعد أن عكرت صفو نسائمه العليلة «ذبذبات شيطانية» لا ترحم المريض العاجز، ولا العجوز المقعد ،ولا الطفل الرضيع ،حتى الأحلام صارت كوابيس.. وتكبيرات العيد أضحت مكتومة الأنفاس. صبر وقدس عمرو محمد الصنوي بائع الدجاج المتجول بسيارته النقل.. سبق أن قابلته قبل العيد بأيام قلائل «غضبان أسفاً» يجر أذيال الخيبة بعد ركود بضاعته «المبقبقة». «أصيح أصيح وما أحدش يسمع» قالها بنبرة غضب ففوضى الأعراس حالت بينه وبين زبائنه ولم يعد «لمكرفونه» صدى. الصنوي الذي زار في نفس الفترة العدين وشرعب والدمنة وشمير والحجرية.. «لم يجد تلك الفوضى إلا في صبر وقدس». وقبل أن يهم بالمغادرة قالها بحرقة «الله يعينكم». من جهته توفيق أحمد ابراهيم حمل العدول والمشايخ والمجلس المحلي مسئولية ذلك ،فقد كان تفاعلهم - حد وصفه - سلبياً للغاية ، وكانت رسالة توفيق إليهم «أليس التعدي على السكينة العامة للمواطنين تعدياً على النظام والقانون»؟! كما تمنى توفيق أن يأتي العام القادم وقد انتهت تلك الظاهرة بعد أن تتضافر جميع الجهود الرسمية والشعبية لحلها. توفير وتكدير عيدا الفطروالأضحى في الريف حافلان بإشهار الأعراس الموسمية.. من باب التوفير والتكدير! ،وفي الاطار الاحتفائي ذاته ظهرت وراجت عادات دخيلة ما أنزل الله بها من سلطان، ولعل أبرزها وأخطرها على الإطلاق «عادة إطلاق الرصاص العشوائي إلى الجو» احتفاء بهذا العرس أو ذاك. وهو الأمر الذي يؤدي إلى كوارث في الأرواح وإصابات لا تشفى ولايمكن علاجها. - بمفهوم أبناء الريف.. حسب عبدالرؤوف محمد علي «العرس بدون قراح عيب».. وعرفه بأنه نتاج لثقافة قديمة صاغتها وبلورتها العادات والتقاليد مروراً بالهنجمة والقبيلة.. وبذلك وللأسف الشديد صارت أعراسنا ترتدي رداء التخلف بتمسكها بتلك العادات..وفي هذا دليل واضح على أن مجتمعاتنا الريفية لم تنصهر بشكل كامل مع معطيات العصر. وأضاف عبدالرؤوف: الحاصل أنه لا توجد ضوابط لهذه الظاهرة .. ومع ذلك يبقى الأمل معقوداً على التوعية وتكاتف الخيرين الذين هم أصل القدوة. ندم طيلة الحياة من جهته وصف فاروق أحمد عبدالولي تلك المعطيات السلبية – المكبرات وإطلاق الرصاص - أنها من الظواهر السيئة والمنكرة ؛ وذلك لما فيها من إسراف والإسراف مذموم قال تعالى « إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين» فهل يرضى أحدنا أن يرمي أمواله في الهواء.. وهي أيضاً «حسب فاروق » إيذاء للآخرين وإخافة للآمنين وكثيراً ما تثير الرعب في قلوب الناس وبخاصة النساء والأطفال ،وأشدها خطراً مايحصل من أخطاء وإصابات عند الإطلاق العشوائي للرصاص.. ربما أصابت بعض الحاضرين أو انطلقت إلى الآمنين فقتلت من قتلت وأعاقت من أعاقت .. وكم من أناس ندموا بسبب الرماية العشوائية . فرحة عابرة كم من أعراس تحولت إلى مآتم.. وفي العيد..؟! قالها رشاد عبدالهادي بتحسر متبوع بعديد من القصص والحكايات المؤلمة ضحاياها أناس أبرياء.. إما من أصحاب العرس نفسه ،أو معازيمهم ،أو عابرين في فلوات الله ،حتى سقطت رصاصة راجعة إما اخترقت رأس هذا أوكتف هذا والنتيجة في كلا الحالتين إما القبر أو إعاقة دائمة لفرحة عابرة.. وقليل من ينجو..! مشاوير تلك الأعراس حسب وصف فواز سلطان الحاج حرمته من راحة الإجازة وجعلت عيده «مشاوير في مشاوير» فالحاصل عشرات الأعراس «والعزائم ماتخلصش يوم هنا ويوم هناك وكما هي ثقيلة على الاقدام فإنها ثقيلة على الجيب أيضاً»!. تلك المشاوير من أحلى وأجمل لحظات العيد عند محمود محمد سعيد فيها نشارك العرسان أفراحهم ويلتقي الجميع بمكان واحد يحلو الحديث والتسامح.. وأضاف محمود: إنه من خلال العيد ولقاءاته الفرائحية يلتقي بأغلب زملائه من العيد إلى العيد.