من حق الجميع أن يفرح، لكن منذ متى أصبح إزعاج الآخرين حقاً مشاعاً لا يقام العرس إلا به..فالعيش بهدوء ملك الجميع وليس على حساب الآخرين وسلب سكينتهم لكي نحيي أفراحنا..فهناك من يستمد راحته من السكينة بين جدران منزله..ولا يمتلك غيرها للترويح عن نفسه بعد ساعات العمل الطويلة.. كئيبة ما إن يصدح مكبر الصوت في عرس في محيط منزلي حتى تبيت لحظاتي الجميلة في زاوية مظلمة من الضيق والكدر يسترقها ذلك الضجيج؛ فبعد أن كانت ليلتي مفعمة بالسكون يزينها الصمت حتى تصاب ذاكرتي بالقلق ولا أستطيع حينها النوم ولا الجلوس ولا حتى إشغال وقتي بما يفيد..فمكبرات الصوت تحمل معها أغاني صاخبة مصحوبة بهتافات مكتظة بالحماس يشاركها تصفيقات حارة من بيت عرس قريب مدعومة بأكثر من ميكرفون ترسل أغانيها وولولتها فرحاً يصنع إزعاجاً ومعاناة للآخرين جعلتني أدرك أن عناصر الإزعاج دخلت في موسمها المنتظر...وحان الوداع لهدوء العيد حتى انتهاء العيد. لا فرق علي عبدالكريم هلّ علينا ضيفاً حملته ضوضاء مدينة تعز ليعيش لحظات هادئة بين سكون الريف في أعالي جبل صبر وأثناء وصوله أخذ نفساً عميقاً وقال: أنا ممن يعشقون هدوء الريف” ومع مرور أوقات قليلة من وقت مجيئه ليبدأ مقيله بابتسامات عريضة تزين وجهه..لحظات وتنفجر أصوات الإزعاج بعثرت تلك الابتسامات لتبعث نبرات أصوات خانقة متبوعة بابتسامة خفيفة معجونة على وجهه قائلاً: لا فرق بين ضجيج المدينة وضجيج الريف بل إن قرى الريف لا يوجد مكان هادئاً لنلجأ إليه. الحاجة زهور تبدأ صباحها “لاحول ولا قوة إلابالله” مبتهلة مما أصابها في الليالي الفائتة “لو كان ربي أخذ سمعي أفضل” لم يبق من جسدها النحيل ما يوحي بالصحة إلا السمع..بصرها في عصف متواصل..مقعدة لا تستطيع السير ومع ذلك لا تستطيع أن تنعم بما أبقاه الله لها من عمر...ومع اقتراب موسم الإزعاج بحلول عيد الأضحى المبارك لم تعد تسمع الأذان كلما أرادت الصلاة نسيت الفاتحة إلا أنها لا تنسى مع كل صلاة أن تدعو بالهداية لكل من تسبب في أذيتها..راجية من الله أن يسمع شكواها. أنا راحل محمد عبدالجليل ذلك الشاب الجامعي قدم استقالته من مكان إقامته بكلمات تملؤها أوتار الحزن “بقوله أنا راحل” سكون الريف من أجبرني على الجلوس والآن وبعد أن فقدت محاضراتي بسبب الضجيج الذي يمنحني إياه ضجيج الأعراس لا استطيع المساومة فيما تبقى لي من الوقت فالامتحانات تعلن إنذاراتها وصارت على الأبواب. ابتكارات للضوضاء من الغريب ومع الأزمة التي ولدت لدي الكثير من حياة المتاعب والمعاناة بسبب أزمة المشتقات النفطية لم نعد نسلم من الضجيج جراء الزحام على محطات الوقود كان ذلك مقدمة حديث الشاب هشام سلطان الذي استطرد: كنا في كل يوم مر ندعو بانطفاء الكهرباء لننعم بالهدوء وعندما تحققت لجأت إلى شراء مولدات لخلق جو مليء بالفوضى ما عادفيش راحة بال ..الناس تلملم ما تبقى لها لتعيش بعيداً عن الضجيج وهؤلاء يبتكرون وسائل ليعيشوا بالطريقة التي تعجبهم فأصبحنا لا كهرباء ..ولا جو هادىء. إزعاج * إزعاج مبارك العامري: أخذ دوره في قطار الزواج ويقول إن تلك المبالغة من الإزعاج التي كانت تستهويه قبل الزواج ...لتقلق سكينة الناس أصبحت اليوم لديه بمثابة لحظات ثأر حسب توصيفه اختزنها ممن سبقوه بالزواج. وعانى منهم ليرد لهم الموال عند زواجه. ويضيف أحد الموجودين- عمر مازن- بأنه كان غير راض عن تلك المكبرات التي كلفته الشيء الكثير وبسعر غير معقول إلا أن العادة وتقاليد أعراس اليوم حملته على ذلك. عادات دخيلة لقد خيم الجهل على عقول الكثيرين ليظل القليل بين صخب الإزعاج يحاولون إخماد تلك العادات الدخيلة التي قال عنها عفيف الطيب: حاولت المساهمة في الحد من التقليصات الجديدة في الأعراس واستئصال جذورها من عقول الناس إلا أن الكثير لم يعرني اهتماماً وباتوا يرسلون رسائلهم إلي جوالي “الله المستعان”...”ما كنت متوقع منك” وهكذا امتلأ جهازي برسائل اللوم والعتاب، لأغلق حينها هاتفي الجوال. وتساءلت: ما الذي يجنونه من صخب الأعراس غير الضجيج والدعوات المنهالة عليهم كالمطر ومع جميع تلك المحاولات التي بذلتها لتبرر موقفه تجاه تلك الإزعاجات غير الحضارية إلا أن عيونهم وألسنتهم ما زالت تتهمني بأني أحاول تكدير أفراحهم والسطو على حقوقهم. إلى من الشكوى؟ أصبحت شكوانا لا تسمع ونصائحنا مرمية في سلة المحذوفات حاول الكثير تعطيل حياة الإزعاج، لكن لا فائدة، لا يوجد ضمير يفهم أن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين فكم من معاناة يتجرعها المواطن عندما يقام عرس في محيط مسكنه ومع ذلك فالمشائخ والعقلاء يتفوهون بكلمة خير والجهات المسئولة نائمة في غفوتها عاما بعد عام وعلى البقية تحمل المأساة والتزام الصمت.