كلنا يعرف أنه اذا انزعج الناس من ضوضاء المدينة لجأوا إلى الريف حيث السكينة والهدوء التام.. والآن يحدث العكس فضوضاء المدينة ليست شيئاً أمام تلك الطفرة المزعجة لأرباب الأعراس الريفية الموسمية التي عادة ما تكون بالتزامن مع عيد الأضحى من باب التوفير والتكدير. لم يعد الريف آمناً من هذا المنطلق الريف لم يعد آمناً هذه الأيام بعد أن اغتالت سكينته مكبرات الصوت بدعوى الفرح فرحنا ومن قرح يقرح..!! عبدالله سعيد ذاك العامل المجهد ينهي نهاره في تلهف لمساء يجد فيه راحته.. الا أن ذلك المساء انقلب عنده إلى ليل موحش ب«الزعيق والنعيق» حسب تعبيره فقد أصبحت ساعات عمله في المدينة راحة لا يجدها في بيته الريفي. يشاركه المعاناة جاره توفيق ع.م مراجع الحسابات في أحد المرافق الحكومية بمدينة تعز.. الذي أكد كثرة غلطاته الحسابية هذه الأيام والسبب اعتياده مراجعة الكثير من تلك الحسابات في فترة مقيله. أكثر من خمسين يوماً منذ متى أصبح ازعاج الآخرين حقاً لا يقام العرس إلا به؟! بهذا التساؤل ابتدأ الأخ أحمد الشامي حديثه بالقول: إن هذه العادة السيئة تعشعشت وذاع صيتها ومامن عام يأتي إلا ويكون أسوأ من قبله.. انها بحق عادة دخيلة.. ما كان يرضاها آباؤنا وأجدادنا ويتعجب أحمد.. من صاحب العرس المعدم المحتاج للريال الواحد الذي يستلف ايجار مكبر الصوت في وهم خادع يعوض به نقص ما يعيشه. ويختتم أحمد حديثه: ان فتح مكبرات الصوت في منطقته «وتير» القابعة في إطار مديرية المسراخ كان قبل شهر من الآن وبالتحديد أواخر شهر شوال أي قبل اعلان العرس بأكثر من خمسين يوماً. أجواء مكدرة ويضيف زميله محمد مقبل: نحن مستعدون لتحمل ازعاج الأعراس يوماً، يومين، ثلاثة، خمسة أيام لكن أن نتحملها شهرين متتابعين وفي النهار والليل ومن عشرات الأعراس هذا فيه ظلم كبير علينا نحن أبناء الريف نسأل الله أن يلهمنا الصبر ويعيننا وأن يوفق الجهات المسئولة في سرعة حلها.. وإعادة السكينة إلى أجوائنا المكدرة. ينفر البقر الطريف ما أدلى به الشاب أكرم الحماطي حيث قال: يعجنبي الطرب الصاخب ومايجرى في أعراس هذه الأيام من إزعاج مفرط.. ليس طرباً بل فوضى.. وتحدي أكرم كل متذوقي الفن الافحاح في اكتشاف وتحديد كلمات الأغنية واسم الفنان في ظل تلك الفوضى، فالحاصل حسب اعتقاده أصوات مختلفة ومعازف متنوعة وصرير يصم الآذان لعدم ضبط تلك الأجهزة والنتيجة، كوكتيل فوضى، ينفر البقر قبل البشر. أنقذونا مالك الوجيه.. ذلك الشاب الجامعي المنتظر لدوره في قطار الزواج قال: ان أعداء السكينة شوهوا في ذهنه زفة أيوب طارش وأهازيج منى علي.. فقد غابت عنه نشوة الفرح العارمة وأحلام الليل الصامتة بسبب ذلك التشويه المقيت.. وختم مالك حديثه بصرخة مدوية صداها لم يفارق أذني.. بكلمة واحدة فقط «انقذونا» تشبه إلى حد ما صرخة الممثل المصري «نور الشريف» حين سرقت كليته في الفيلم المصري الشهير «أنقذونا». وهنا أتساءل ما الفرق بين سرقة الكلية وسرقة الراحة والسكينة.. الا أنه في الأخير المتضررون كثر؟ كلما صيحنا صيحوا..! الصبح يصحو دون تغريد البلابل وترتيل المهاجل.. والليل يأتي ذابلاً منكسراً بعد أن عكر صفو نسائمه العليلة ذبذبات شيطانية مزعجة لا ترحم المريض العاجز ولا العجوز المقعد ولا الطفل الرضيع.. حتى الأحلام صارت كوابيس .. قالها أحد الشباب بحسرة وألم واضعاً كل اللوم على العقال والمشائخ الذين تساهلوا مع الكارثة حال وقوعها والآن بعد أن تفشت كسرطان يعصف بالسكينة العامة صعب ايقافها. ماجد الحميري قال: ان أنّات جده المريض باتت تؤرقه وتهدد مضجعه.. وأضاف ان هذا الازعاج العشوائي مرض جديد يعصف بصحة جده المتهالكة والمؤلم في قصة ماجد أن دموع جده وأنينه المكلوم لم يشفع له عند جيرانه المزعجين.. فهل انعدمت القيم؟! ثم أردف : كلما صيّحنا صيّحوا ولم يزدادوا الا عتواً ونفوراً حتى الصلاة ....والله أعيد الفرض أكثر من مرة لأني مش عارف عدد الركعات اللي أديتها.. كيف الحل أين نروح .. مانش داري؟!! لا ضرر ولا ضرار ديننا الإسلامي الحنيف ينهى عن الإيذاء والإضرار بشكل عام وفي ذلك حديث شريف.. عدّ «من القواعد الشرعية.. يقول الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه: لا ضرر ولا ضرار». ويضيف الشيخ محمد سعيد سالم: إن مايجرى في أعراس هذه الأيام يدخل في هذا الضرر لأنه يعصف بمجتمع متقارب متجانس مجتمع تكتمل فيه أواصر القربى والجوار. وفي الحديث الشريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن والله لا يؤمن.. قلنا من يا رسول الله..؟ «قال: من لا يأمن جاره بوائقه». وفي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». وما يحدث في بعض أرياف محافظة تعز حرام حرام خاصة وأن البيوت متلاصقة والوديان تضاعف صدى الأصوات. صحيح ان كل انسان حر في بيته ولكن في حدود فلماذا الازعاج والتعدي على سكينة الآخرين؟! وتساءل الشيخ: أين دور المرشدين والوعاظ في تلك المناطق وأين دور المشائخ والعدول أين دور المجلس المحلي والجهات الأمنية.. أليس التعدي على السكينة العامة تعدياً على النظام والقانون. رسالة كما تعددت المشاكل يبقى الحل واحداً على لسان من التقيناهم فهم ومن خلال هذا الاستطلاع قدموا مناشدة محفوفة بالألم والحسرة باسمهم وباسم كل المتضررين إلى الأخ محافظ المحافظة رئيس المجلس المحلي والأخ مدير أمن المحافظة بسرعة انهاء تلك الفوضى العارمة، ومعاقبة أولئك الغوغائيين المزعجين.. لتعود السكينة والهدوء كما كانت.. ويخرس الشيطان وأعوانه من مكبرات الصوت.