الأكثر استقامة: هذي هي العلامة الثانية من علامات الصلابة الفكرية. وجوهر الاستقامة هو الامتداد، والخط المستقيم في الهندسة هو “أقصر مسافة بين نقطتين”. والطريق المستقيم الذي تحثنا عليه سورة الفاتحة كل يوم هو _ على مستوى الفكر _ أقصر مسافة بين فكرتين، أو أقصر مسافة بين الفكرة والفطرة!. ويمكننا اعتبار ذلك قانوناً في مجال الاستدلال. لكن لماذا يمثل الخط المستقيم معادلاً رمزياً وموضوعياً للصواب والحق؟. دعني أكرر السؤال: لماذا تكون أقصر مسافة بين نقطتين معادلاً رمزياً وموضوعياً للصواب والحق؟ الجواب: إن من معاني المسافة القصيرة “الوضوح” والبساطة، ومن معاني المسافة الطويلة الغموض والتركيب. وبتعبير آخر فإنه كلما ابتعدت الفكرة عن الوضوح والبساطة، واتجهت إلى الغموض والغرابة، ابتعدت عن الاستقامة. وهكذا يبدو مفهوم الاستقامة مرادفاً لمفهوم آخر في الأدبيات الدينية هو مفهوم الفطرة. ففطرة الله التي فطر الناس عليها، هي تلك الاستعدادات العقلية والروحية الكامنة في الإنسان. استعدادات يعرف بها المعروف وينكر بها المنكر. والقرآن الكريم بصمته عن تعريف مفهوم الصراط المستقيم، يقدم الدليل على أن هذا المفهوم ليس غريباً عن الفطرة الإنسانية، ولا غريباً عن طبيعة العقل الإنساني. لكن الفطرة أحياناً قد تتعرض للتشويش من قبل مدخلات الثقافة والأيديولوجيا، ويكون منشأ الغرابة حينئذ هو الثقافة الملوثة لا الفطرة نفسها. وهنا يتقدم العقل ليتحمل مسؤوليته الطبيعية، فيضع الموازين والقوانين الضابطة للحكم. مزيداً من التفاصيل