المدينة التي لن تركع    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    شرطة مأرب تضبط كمية من مادة الحشيش قادمة من مناطق المليشيا    تعزيزات مرتبات شهر يونيو 2025    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    السامعي: تعز ليست بحاجة لشعارات مذهبية    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    إعلان قضائي    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    ألغام في طريق الكرامة    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض المفكرين والعلماء الذين قدموا مراجعات جريئة لا تقل عن تلك التي قدمها بعض أهل السنة
أضواء على مراجعات فكرية معاصرة ..!!
نشر في الجمهورية يوم 09 - 03 - 2011

الآثار الإيجابية التي نتجت عن هذه المراجعة كانت واضحة،وأن المخاوف التي يبديها التيار المعارض لمفهوم المراجعة من قِبل هذه الفرق والمذاهب لا مبرر لها
هناك عشرات الأخطاء التي لم نتجاوزها حتى اليوم بسبب هذا التغيب لمفهوم المراجعة والتقييم لهذه التركة الثقيلة
لا يختلف الكثير حول إشكالية التعصب مثلاً، والتي ابتلي بها العالم الإسلامي كما ذكرنا سابقاً عندما غابت المبادئ والقيم وحضرت الأشخاص
هناك عدد من المشكلات التي حالت ولا زالت تحول دون أن يُحدث المسلمون مراجعة شاملة لذاكرتهم الجمعية
العقل آلة يناط بها مواجهة الواقع بما أودع الله فيه من عناية إلهية,وبما يكتسبه صاحبه من خلال التجارب الحياتية المعاشة والقراءات المتنوعة التي تغذي العقل وتقويه
هناك أنقاضُ فكرية واجتماعية وسياسية طمرت العقل العربي بفعل العادات والتقاليد التي تكومت نتيجة للزلزال المعرفي النقلي النصوصي الذي قاده الحنابلة بعد الانقلاب على العقل المعتزلي
يظل مفهوم المراجعة في الفكر الإسلامي من القضايا التي كثر الحديث عنها وشغلت الكثير من المفكرين والعلماء سواء الداعين لها المتحمسين لضرورتها وحتميتها، أو الرافضين المناوئين لهذا الفكرة من أصلها، وفي هذا السطور التي نحاول أن ننقل بعض هذه الاجتهادات والمراجعات لبعض الأشخاص من بين المذاهب الإسلامية بشكل فردي من جماعتي السنة والشيعة على وجه التحديد، ومع ما شهدته تلك المراجعات من ردة فعل عنيفة من أتباع المذاهب التي ينتمي إليها هؤلاء الفقهاء، إلا أن الآثار الإيجابية التي نتجت عن هذه المراجعة كانت واضحة،وأن المخاوف التي يبديها التيار المعارض لمفهوم المراجعة من قِبل هذه الفرق والمذاهب لا مبرر لها.!
ومن هنا فإن الدعوة إلى تفعيل المراجعة اليوم بعد هذه التجارب تعد من الحتمية التي لا تقبل التأخير لعدد من الاعتبارات التي لا يستطيع أن يتجاوزها الزمن أو يقلل من أهميتها، فما أفرزه الجمود والتقوقع على الماضي بكل ما فيه من حالة ومن تشظٍ يشهده الواقع المعاصر بكل وضوح، وكان أبرز مظاهره هو التراجع الحضاري الذي أعقب غلق باب الاجتهاد من بداية القرن الرابع الهجري وحتى اليوم.
هذه المراجعة التي نعيد التذكير بها على ضوء هذه الاجتهادات الجديدة هي لا تختلف تماماً عن ما يقوم به سائق السيارة الذي يستعد للسفر .. فهو ولا شك سوف يقوم بعمل فحص متكامل ودقيق يتأمل أجزاء السيارة ليقرر هل لا زالت قادرة على السير أم لا.! وإن كان هناك خلل أسرع لتوه محدداً مكان هذا الخلل وإصلاحه مباشرة، لأنه يدرك أن أي سير في سفر دون مراجعة وتفقد دقيق يعني ذلك ضمنياً السير في طريق التهور وجلب المخاطر والتي قد يكون الموت إحدى نتائجها الطبيعية. إن أي عاقل يرى عمل هذا السائق وسرعته في تفقد السيارة وفحصهاً فحصاً شديد وتحديد موقعها من عملية السفر هل لا زالت قادرة على أن تخوض الطريق أم لا سوف يدرك هذا السائق قد عمل بما يقتضيه المنطق السليم حفاظاً على نفسه وعلى الراكبين معه.
وما يجري على هذا الشخص مع سيارته يجري على الحضارات والأمم والفرق والجماعات والأحزاب وبالذات الأديان، فيجري على التركة الذاكرة الجمعية التي تتوارثها الأمم ومنها الأمة الإسلامية، ومن هنا فإن غالبية الحضارات والأمم المتحضرة تدرك أن الوقوف الدائم والمتكرر لفحص الأمتعة وتفقد أماكن النقص وأماكن القصور في سيرها وسير السابقين لها شيء في غاية الأهمية،لأنها تدرك أن استشراف المستقبل يكون بالاستفادة والوقوف على الماضي بإخفاقاته ونجاحاته، وأخذ العظة والعبرة ..
فالتاريخ يخبرنا عن عشرات الفلاسفة والمفكرين والعلماء تراجعوا عن أفكار سابقة لهم بحجة أن الواقع والعمل والبحث المتواصل نحو كل جديد شيء مهم، وأن متغيرات الواقع قد أضافت إلى معارفهم السابقة معارف جديدة أكثر دقة من ذي قبل، وعندما نتأمل ونتتبع سر قوة هذه الحضارات ونهضتها وخاصة في الوقت الحاضر سوف نتوصل بالتدرج المنطقي الى أن المراجعة للذاكرة الجمعية والتقييم للماضي والحاضر كانت هي المحك الأساسي لها..! فهناك سبر لأغوار وأماكن القصور وتتبع لمواطن الخلل وأماكن القوة والصلابة كل ذلك أعطتها دافع للنهوض والبقاء والاستمرار. ومن هنا يطرأ لنا سؤال مهم: أين تقع المراجعة والفحص والتثبت في تراثنا الفكري وذاكرتنا الجمعية لنا نحن المسلمين على مدى ألف عام تقريباً.؟! وهل معارفنا الدينية العقائدية منها والفكرية والعلمية بعيدة عن المراجعة والتقييم أم لا.؟ فلا شك أن هذا السؤال يبقى مشروعاً وملحاً على المفكرين اليوم للوقوف أمامه بكل جرأة ومصداقية.!!
وندرك في الوقت نفسه أن هناك عدداً من المشكلات التي حالت ولا زالت تحول دون أن يُحدث المسلمون مراجعة شاملة لهذه الذاكرة الجمعية والتراث الضخم الذي لا زال يتحكم بمسارنا ويرسم لنا الطريق القادم دون أن نساهم بشكل فاعل بأدواتنا المعرفية المعاصرة في رسم طريق المستقبل بعيداً عنه، ولهذا نجد أن هناك عشرات الأخطاء التي لم نتجاوزها حتى اليوم بسبب هذا التغيب لمفهوم المراجعة والتقييم لهذه التركة الثقيلة..
أهم هذه المشكلات على سبيل التقريب
أولاً: عدم التفريق بين النص المقدس والفكر الإسلامي الذي أحاط بهذا النص منذ نزوله وتفاعله مع المحيط الذي نزل فيه. حيث لا زال هناك الكثير من المسلمين من لا يدرك أهمية التفريق بين النص المقدس المعصوم وبين الأفهام البشرية التي دارت حول هذا النص.!
ثانياً: لم يتم الفصل والتفريق بشكل دقيق عبر التاريخ بين الأشخاص والمبادىء منذ بداية الخلافة الراشدة على وجه عام والدول التي قامت بعدها بشكل خاص، أفرز ذلك أن ظهرت العصبيات والمذاهب والفرق والجماعات التي جعلت الأشخاص فوق المبادىء وكان الحكم على المبادىء من خلال الأشخاص وليس العكس ونتائج ذلك باديةً للعيان لكل من له أدنى إطلاع على التاريخ الإسلامي.
ثالثاً:شيوع مبدأ خطير في الفكر السياسي الإسلامي على وجه التحديد هو التبرير لكل خطأ وتجاوز، وعدم الاعتراف الذي يعقبه بحث عن الصواب وأماكن الخطأ أو القصور، وظهرت مصطلحات تبريرية تسوّغ الوقوع في الخطأ وتشرعن التجاوز مهما كان حجمه ومدى كارثيته، وإن حصل اعتراف به كخطأ كان ذلك على استحياء دون أن يترتب عليه أي موقف من الدين نفسه.. فظهرت العصمة عند الشيعة تبرر كل شيء من شطحات ومقولات يمجها العقل المنطقي والدين السوي، وظهرت عدالة الصحابة عند السنة ترفعهم فوق سقف المساءلة وتجسدت مفاهيم أنهم يعني الصحابة مهما حصل بينهم من اقتتال شرس أو اختلاف مذموم أو تنازع غير عادل أو تغييب للمبادىء والقيم فكلهم مجتهدون مأجورون على ذلك بل هم مختلفون تماماً عن من بعدهم .!!
رابعاً:كان لداء التعصب الذي ابتليت به الأمة الإسلامية منذ الانقسام الأول أثر كبير في ترك المراجعة والتقييم جانباً ،إضافة إلى بروز فكرة أن المراجعة تضعف الشخص أو الفرقة أو الجماعة في نظر الخصم وتعطيه دليلاً على صدق ما كانت تدعيه عنه، ومن هنا لم تظهر في الجماعات والفرق مراجعات شاملة يمكن البناء عليها عبر التاريخ سوى شذرات قليلة لا تكاد تذكر مقابل هذه التركة الضخمة الباقية حتى اليوم .
خامساً: أن الجهود انصرفت عبر التاريخ تجاه نقد الآخرين سواء المخالف في المذهب أو الجماعة وغاب النقد الداخلي الجريء بل خلف لنا التاريخ الإسلامي مئات الكتب التي تهاجم وتنقد كل فرقة الطرف الآخر ولم تخلف لنا شيئاً يذكر في النقد الداخلي داخل المذاهب نفسها، وكثير من ذلك النقد بين الفرق غابت عنه الموضوعية بشكل أساسي وحضر فيه الأنا وتقوية الذات لاعتبارات مذهبية وشخصية صرفة.
مراجعات معاصرة ..
يكاد يتفق الكثير من المتابعين والمهتمين بالواقع والفكر الإسلامي من أنه يعاني من أمراض وعلل تشكلت وتجمعت عبر الأيام لأسباب ذكرنا بعضاً منها في بداية هذه السطور، ولولا حيوية هذا الدين وما يتمتع به من نقاط قوة ذاتية تكمن في جوهره لكان هذا الدين أثراً بعد عين .يقول الدكتور علي الوردي في كتابه «مهزلة العقل البشري » إن مشكلة المسلمين أنفسهم قد انعكست على الإسلام وأن زحف الإسلام بقيمه ومبادئه نحو المجتمع ليست ممنوعة بقرار من الخارج بل هي بإصرار من الداخل”
وهنا لا يختلف الكثير حول إشكالية التعصب مثلاً، والتي ابتلي بها العالم الإسلامي كما ذكرنا سابقاً عندما غابت المبادىء والقيم وحضرت الأشخاص، هذا التعصب كان أول ضحاياه هو الميزة الأساسية التي تميز بها الدين الإسلامي عن غيره من الأديان وهو الاجتهاد، غير أن داء التعصب لا يستسيغ الوقوع في الخطأ لأنه يجرؤ الخصم عليه ويحدث تجديداً وتأملاً على المفاهيم الموروثة القديمة والتي إذا سقطت تسقط شرعية كثير من المفاهيم والنظريات التي خلفها التعصب الأعمى عبر التاريخ وشرعن لقيام هذه الفرق كبديل عن العودة إلى الإسلام الذي يسع الجميع، ومن هنا ظهرت بعض المحاولات لفتح باب الاجتهاد والتقييم والمراجعة للمذاهب من الداخل بدأ بها أشخاص تحولت هذه المراجعات إلى وبال عليهم، مرة بأنهم خارجون من الإسلام ومرة بأنهم يعملون لصالح الطرف الأخر .
نماذج معاصرة..
حسن فرحان المالكي في كتابه(قراءة في كتب العقائد).مذهب أهل السنة .
يقدم المالكي في كتابه الشهير «قراءة في كتب العقائد» نموذجاً في المراجعة التي تناولت أخطر القضايا الشائكة في الفكر الإسلامي و كانت لها تداعيات سلبية حتى اليوم، فما قدمه المالكي يعد بمثابة هزة وزلزال عنيف فيقول إن “ الحل للمرحلة القادمة يتطلب مراجعات وقراءات جرئية تساهم في كشف أسرار هذا النزاع الدائم وهذه الكراهية الواسعة الانتشار بين المسلمين وبالتالي يستطيع أبناء الأمة الإسلامية أن يعرفوا متى اختلفوا ومن أين اختلفوا ولماذا اختلفوا وما نوع هذا الاختلاف وما هي أسس الاتفاق المهجورة أو كيف يتفقون”(29)قراءة في كتب العقائد .ويتحدث عن كتب العقائد فيقول “وكتب العقائد رغم ما فيها من حق قليل إلا أن فيها الكثير من الباطل بل هو الغالب عليها لما فيها من الأحاديث المكذوبة على النبي (صلى الله عليه وسلم) والإسرائيليات المشككة للمسلم والتكفير للمسلمين وزرع بذور الشقاق والتباغض والتنازع بين المسلمين “ في كل كتب العقائد عند الفرق الإسلامية.. (28) المصدر السابق.
ويتطرق في ثنايا هذا الكتاب لأخطر المشكلات التي مرت على المسلمين ابتداء من مفهوم العقيدة الذي ابتدعه السلف وتحول إلى سوط يجلد به ظهور المخالفين للمذهب فيقول إن هذا المصطلح مبتدع لم يرد في كتاب ولا سنة ولا عند الصحابة ولا التابعين” (32)-(38) المصدر السابق. ثم يتناول الجذور السياسية للخلاف بين المسلمين يوم السقيفة مروراً بعثمان ومقتله والمعارك التي حصلت بين المسلمين أنفسهم وخلافة علي ومقتله ثم شرعية الدولة الأموية ثم تأسيس الفرق والجماعات بأسلوب رصين يجمع بين النقد والتفكيك ومناقشة الروايات بأسلوب نقدي رائع وفق ضوابط صارمة وقد تناول المذهب الحنبلي في العقيدة فيرى«أن كتب العقائد لدى الحنابلة على كثير من العيوب الكبيرة من أبرزها التكفير والظلم والعلو في المشايخ والشتم والكذب والقسوة في المعاملة والذم بالمحاسن والأثر السيئ في الجرح والتعديل والتجسيم الصريح والتأويل الباطل وإرهاب المتسائلين وتفضيل الكفار على المسلمين وتفضيل الفسقة والظلمة على الصالحين ....الخ» (104)المصدر السابق. ثم سرد كل تلك المصطلحات التي استخدمها الحنابلة وأهل السنة عموماً في كتبهم التاريخية والمعاصرة في الكتاب نفسه..وسار على نفس المنهج بعض المؤرخين مثل طه حسين في كتاب الفتنة الكبرى و علي وبنواه، وفرج فوده في كتابه «الحقيقة الغائبة» وعلي الوردي في كتابيه «مهزلة العقل البشري»و «وعاظ السلاطين» ثم ما قدمه محمد الأمين الشنقيطي في كتابه «الخلافات السياسية بين الصحابة وآخرين».
ويرجع السبب في أهمية النقد الداخلي التي يراها مهمة في هذا العصر من وجهة نظره حيث يلخصها في أربع أشياء أولاً:المشاركة في تصحيح أخطاء المذهب ونقد الغلو فيه ولا يكون إلا من الداخل. وثانياً: عدم مجاراة الآخرين في التركيز على الفرق الأخرى . وثالثاً: أحياء النقد الذاتي ورابعاً: تعلم وتعليم الإنصاف.” (103) قراءة في كتب العقائد..
ومتابعة ما قدمه المؤلف في هذا الكتاب والكتب الأخرى له يتوصل القارىء العادي فضلاً عن المتخصص إلى كمية الحجم الكبير من التعصب والتجاوز والأخطاء التي تمارس غالباً باسم الدين ومورست عبر التاريخ تحت أغلفة ومسميات جنت إلى الفكر الإسلامي الكثير وكانت لها نتائج كثيرة لا زالت تداعياتها قائمة حتى اليوم،ثم يدرك القارىء على مقدار الخلط الواضح بين الدين الحقيقي وبين الفرق التي شرعنت لها مبادىء وقيم جانبت الصواب كثيراً، وفي كتابه « الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتقيد الشرعي» فهو يمثل خطوة أخرى في نفس الاتجاه وهو ما جعل المراجعة والنقد على المحك وتناول قضايا ظلت طوال التاريخ في زاوية الممنوع، واستطاع أن يكشف عن قضايا شائكة بأسلوبه الرائع.
يقول في كتابه الصحبة والصحابة “ إن الجميع بحاجة إلى حوار، وبحث طويل المدى، لا يكفي فيه مجرد الالتقاء ونقل التشويهات المتبادلة، وإنما يحتاج لبحث هادىء نزيه منصف، بعيد عن كل مصادرة للآراء الأخرى؛ ما دام أن تلك الآراء تدعي الالتزام بالمنهج العلمي” من مقدمة كتاب الصحبة والصحابة..
ومع أن النتائج التي خرج بها المالكي في هذين الكتابين وكثير من كتبه الأخرى نتفق معها أو نختلف إلا أننا نقرر مسبقاً أنه قد امتلك شجاعة قلّ أن توجد عند غيره في الدخول إلى بوابة المراجعة التي يحتاجها الواقع الإسلامي اليوم وأمتلك أدوات قل نضيرها عند غيره ، وليس التاريخ الإسلامي إلا إحدى هذه الحلقات التي تحتاج إلى جهد لا يقل عن جهد المالكي في كتبه وأبحاثه.
الإمام البرقعي في كتاب «كسر الصنم »والدكتور علي الوردي في كتابه «مهزلة العقل البشري»مذهب الشيعة الإمامية..
وظهر في الإتجاه الآخر عند الشيعة بعض المفكرين والعلماء الذين قدموا مراجعات جريئة لا تقل عن تلك التي قدمها بعض أهل السنة فقد خرج الآية العظمى الإمام البرقي بكتابه الشهير ( كسر الصنم ) ليضرب المذهب الإمامي في أهم عقيدة لديه وهي عقيدة الإمامة فيناقش الروايات التي قام عليها المذهب ألإمامي رواية ُ تلو أخرى على منهج المحدثين في قبول الروايات ليصل إلى نتيجة أن كل الروايات لا تقوى إلى أن يبنى عليها عقيدة مثل عقيدة الإمامة، وكل الأدلة التي يعتمد عليها الشيعة هي في دائرة الظن المنخفض وفي أدنى مراتبه،فيقول وهو يناقش ( باب الاضطرار إلى الحجة ) فيقول حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي لوجود عباس بن عمر الفَقيمي المجهول الحال .وأما متنه ففيه فقد سأل زنديق الإمامَ الصادق عن دليل لإثبات لزوم الأنبياء والرسل ، فأجابه الإمام ، ومما قال : ( ... لكيلا تخلُو أرض الله من حجة يكون معه علمٌ يَدلُّ على صدق مقالته وجواز عدالته ) ، وهنا أراد المجلسي في كتاب المرآة أن يستنتج من هذه الكلمات : « إثبات وجود الأوصياء والأئمة » وهذا الاستنتاج غير صحيح ، لأن الإمام ، أوّلاً ، يعيّن بهذه الكلمات إثبات الرسل وأن الأنبياء هم الحجة وحدهم ، وقال علي رضي الله عنه في نهج البلاغة في خطبة رقم 441 : « بعثَ رسُلَه بما خصّهم به من وحيه وجَعلهُم حجةً له على خلقِه لئلا تَجبَ الحجةُ لهم بتركِ الأعذار إليهم » ولا حجة بعد الرسل كما قال القرآن في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } . وهذا الاستنتاج مخالف كذلك لقول أمير المؤمنين حيث يقول في نهج البلاغة في خطبة رقم 09 : « تَمّت بنبينا محمد حجته » ، على كل حال ينبغي لهؤلاء أن يثبتوا حجة الإمام ولزومه بكلمات الله تعالى لأنها هي حجة ، ولما كان كلام الله ليس فيه شيء من هذا ، فهم يريدون أن يثبتوا ذلك بكلمات الإمام والروايات المسندة إليه مع أنه لا حجية في الكلمات والأخبار الآحاد عن الروايات. كتاب كسر الصنم ص 66.
في حديث عن رجال الدين المتعصبين الذين جعلوا الدين خلف ظهورهم وانتموا إلى المذاهب ودافعوا عنها أكثر من دفاعهم عن الإسلام يقول عن هذا الصنف “ حين يدافع الإنسان عن عقيدة من عقائده المذهبية يظن أنه إنما يفعل بذلك وجهه الله أو حب الحق والحقيقة وما درى أنه بهذا يخادع نفسه . إنه في الواقع قد أخذ عقيدته من بيئته التي نشأ فيها وهو ولو كان قد نشأ في بيئة أخرى لوجدناه يؤمن بعقائد تلك البيئة من غير تردد ثم يظن أنه يسعى وراء الحق والحقيقة « مهزلة العقل البشري» ص 41. .
يعقب الوردي على التعصب والانغلاق الذي تشهده المذاهب والفرق الإسلامية فيقول “لعلنا لا نخطئ إذا قلنا إن الإنسان كلما ازداد تجوالاًُ في الأفاق وإطلاعاً على مختلف الآراء والمذاهب انفرج عنه إطاره الفكري الذي نشأ فيه واستطاع أن يحرر تفكيره من القيود قليلاً أو كثيراً. وكلما كان الإنسان أكثر انعزالاً كان أكثر تعصباً وأضيق ذهناً والذي لا يفارق بيئته التي نشأ فيها ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة لا تنتظر منه أن يكون محايداً في الحكم على الأمور . إن معتقداته تلون تفكيره حتماً وتبعده عن جادة البحث الصحيح” مهزلة العقل البشري ص 47.
ويعد أحمد الكاتب مؤلف كتاب « تطور الفكر السياسي الشيعي » أحد رجال الشيعة الذين قدموا مراجعات مهمة وجريئة تناولت الفكر السياسي الشيعي على مدى ألف عام إضافة إلى عدد من المفكرين والعلماء الشيعة كحسن الصفار ومحمد حسن فضل الله وموسى الموسوي وغيرهم ثم علي الوردي في كتابيه وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري وكلها كتابات كانت عبارة عن مراجعة تحللت من التمذهب وانتمت إلى مربع الموضوعية والعقلية النقدية في التناول والتحليل وتجسيد أين يقف الدين المقدس من أفهام البشر الطارئة على النص ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.