كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    عاجل..وفد الحوثيين يفشل مفاوضات اطلاق الاسرى في الأردن ويختلق ذرائع واشتراطات    مليشيا الحوثي تعمم صورة المطلوب (رقم 1) في صنعاء بعد اصطياد قيادي بارز    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد الوطني في اليمن
خلفياته مستجداتهافاقه المستقبلية
نشر في الجمهورية يوم 09 - 01 - 2012


(رسائل مفتوحة )
حينما سُئل أحد القادة العسكريين الأمريكيين في حرب الخليج الثانية إثر إحتلال صدام حسين للكويت عام 1990م ما الذي أتى بكم من آخر الدنيا إلى هنا..؟ فرد ببساطة .. نحن هنا لتصحيح خارطة العالم !! فأضاف السائل مندهشاً لم أفهم! وضّح: فقال الجنرال إن موقع جغرافيا منطقة الخليج العربي هنا، وعلى بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات البرية والبحرية كان “خطأ” ينبغي تصحيحه , فكرر السائل.. كيف؟؟ فأضاف الجنرال..
إن المفترض هو أن يكون هذا الخليج جزء لا يتجزأ من فناء حديقة البيت الأبيض, ونحن هنا لننقل الخليج إلى حديقة البيت أو ننقل البيت إلى الخليج, لأن البيت الأبيض لا يعني شيئا بدون الخليج, وحتى لا يكون الخليج شيئا آخر بدون البيت الأبيض.
بمضمون هذه القصة القصيرة المستندة إلى واقعة صحفية حقيقية كان قد تلخص فيها وقتها جوهر فلسفة الإدارة الأمريكية القديمة الجديدة لإيجاد “شرق أوسط أمريكي صهيوني جديد” يقوم على تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ, منذ “بوش” الأب حتى “بوش” الابن، ولأجله خُطط ونُفذ لحروب الخليج الثلاثة, بدءا من حرب العراق وإيران من عام 1980م إلى عام 1988م مروراً بحرب احتلال الكويت عام 1990م وحتى حرب احتلال العراق عام 2003م التي ظنها “بوش الإبن” الفاصلة من أجل تحقيق “شرقه الأمريكي الصهيوني” الجديد، إلا أن كف المقاومة العراقية الوطنية القوي، وحذاء “الزيدي النظيف” في وجهه قد كان هو الرد المناسب الذي وضع حداً نهائياً لمشروع الشرق الأوسط الأمريكي الصهيوني الجديد الذي أصبح قديماً من جهة، وفتح الباب واسعاً أمام شرق أوسط “عربي ثوري جديد بحق” يستأصل ما أفسده القديم ويوحد ما جزأه، إنه الشرق العربي الثوري الجديد بحق والذي تبلور من خلال ربيع الثورة العربية, بدءاً من عربة بوعزيزي في تونس وميدان تحرير مصر، مروراً بساحة شهداء ليبيا ودرعا سوريا، وحتى ساحات تغيير وتحرير اليمن، والبقية آتية عن يقين، في الوقت الذي أمسى فيه مشروع الشرق الأمريكي الصهيوني القديم اليوم تحديداً يجرجر آخر أذيال هزيمته من بغداد العروبة والصمود والتحدي.
والسؤال المهم في هذا الصدد هو كيف تتم قراءة هذا المشهد والتعامل معه من قبل أطرافه الأساسية الثلاثة، أصحاب مشروع الشرق الأوسط العربي الثوري الجديد من جهة, وأصحاب مشروع الشرق الأمريكي الصهيوني القديم من جهة ثانية، وبقايا حكام النظام السياسي العربي الرديء من جهة ثالثة؟؟ لقد حسم الطرف الأول رؤيته وفعله بخيار تاريخي عبقري غير مسبوق هو ثورة التغيير الوطني الديمقراطي السلمي الشامل، وأدرك الثاني فشل وهزيمة مشروعه القديم,لكنه استطاع أن يتكيف مع زخم مشروع الشرق الوطني والثوري الجديد الذي “يعطيه اليوم من طرف اللسان حلاوة -كما يقول الشاعر- ويروم منه ما يروم الثعلب”، مكراً وخداعاً وتآمر, أما الطرف الثالث من بقايا النظام السياسي العربي الرديء فهو الأصم الأبكم الذي ظل يجيد السمسرة والدعارة لعقود طويلة أكثر مما يجيد القراءة والكتابة للواقع والتاريخ، ويّصر على حتف عنقه بيده، ولهم عذرهم في ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وما نود التركيز عليه أكثر في هذا الجهد هو تقديم قراءة سياسية واجتماعية معمقة لخلفيات وواقع ثلاثي المشهد السابق في اليمن كنموذج “للثورة والسلطة والآخر” الثورة المدنية السلمية التي كانت هي الأولى في البدء ممثلة بالحراك السلمي في المحافظات الجنوبية منذ أكثر من ثلاثة سنوات, وحتى ساحات التغيير والحرية في صنعاء وتعز وعموم الجمهورية الصامدة منذ ما يقارب عام كامل, ولكن لماذا كانت اليمن هي الأولى في البدء ولم تكن كذلك في الحسم، وحتى لا تكون الأخيرة أو الغائبة لا سمح الله في النهاية؟ أما السلطة في اليمن فإنها وإن كانت هي الأخطر في المناورة والمكر إلا إنها لم تكن هي الأسوأ قط في ممارسة العنف الشامل في تقديرنا على الأقل، إلا أنها الأخطر في القدرة على ممارسة لعبة “البيضة والحجر” والأكثر غباء وتفريطاً في التقاط لحظات الحسم وفرص الخروج بسلام وأمان واحترام من أقرب الطرق وبأقل الخسائر، تشبثا منها بوهم ما كان ممكنا في الماضي من إجادة لعبة “الجزرة والعصا” و “البيضة والحجر” لتجديد وتمديد عمرها وتوريثه، وهو الأمر الذي لم يعد ممكناً بل أصبح مستحيلاً، وأما قراءة الآخر في المحيط العربي والدولي فإنه لا يعنيه فينا أو منا أكثر من خدمة مصالحه وتأمينها والمبنية على خسائرنا في الغالب الأعم.
إنها قراءة مستخلصة من معاناة وهموم الناس وحوارات موسعة ومعمقة لمنظمات المجتمع المدني وقطاعات واسعة من إئتلافات شباب الثورة والشخصيات الوطنية العامة وإمتداد لكل ما قد سبق من أدبيات مجلس تنسيق منظمات المجتمع المدني ومركز منارات ومركز دال بدءاً بوثيقته الأولى قبل ثورة فبراير مروراً بوثيقة نداء الوطن، وبرنامج التحالف المدني العام، وحتى هذه القراءة المقدمة في شكل رسائل مفتوحة لأهم وأبرز مكونات المشهد الوطني السياسية والاجتماعية، بدءاً بالإخوة الأعداء في القبيلة المصطنعة، الواقفين على رأس السلطة والمعارضة، ورفاق وأمميو الأمس قرويوا اليوم، والإسلام السياسي الذي نشأ تابعاً لبقايا القبيلة وشب عاجزاً تحت رحمتها وحتى تجار الدين بالدنيا في سوق السياسة، مروراً بثورة الشباب بين لعبة السلطة وانتهازية المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني ككلمة حق يراد بها باطل والأغلبية الصامتة الخاسر الأول والغائب الأخير, وصولاً من خلال كل هذا وذاك إلى محاولة المساهمة برؤية جادة و مسئولة لقراءة هذا المشهد في اليمن، والتي من شأنها المساعدة على الحد من وطأة العتمة المخيفة وخلط الأوراق والألوان المريب الذي تسبب فيه الخطاب الإعلامي والفعل السياسي والأمني غير المسئول للسلطة والمعارضة على السواء بصرف النظر عما قد تم التوصل إليه اليوم من تقاسم النظام بدلاً من تغييره وما قد يتم التراجع عنه غداً كما هي العادة.
وها قد اجتهدنا بهدوء ومسئولية في عمق المحنة وصخب الفتنة المهددة للوحدة الوطنية والمعيقة لمسيرة ثورة التغيير الوطني الديمقراطي السلمي الشامل وبناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة، فإن أصبنا فلنا أجر صوابنا وإن أخطأنا فلنا أجر اجتهادنا عملاً بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: “ من أجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر اجتهاده”.
والله من وراء القصد،،
الرسالة الأولى
إلى الأخوة الأعداء في القبيلة “المصطنعة”:
لأن تتفقوا علينا أهون من اقتتالكم بنا.
أولا: القبيلة “المصطنعة” لماذا؟
الأخوة الأعداء هم رؤوس السلطة والمعارضة من القبيلة “المصطنعة” تحديدا ونقول “القبيلة المصطنعة” بكل تأكيد، لأن القبيلة اليوم في اليمن هي مجرد صنعة سياسية بإمتياز، ولم تعد قط ظاهرة إجتماعية عامة، بل ولم تكن كذلك هوية وطنية لليمن في يوم من الأيام عبر التاريخ، بقدر ما هي في المنظور الإجتماعي العلمي الدقيق مجرد ظاهرة إستثنائية على هامش مجتمع الدولة, الذي يمثل الهوية والمكون الأصل للمجتمع اليمني عبر التاريخ، وشتّان بين المفهوم والخواص الإجتماعية لمجتمع القبيلة ومجتمع الدولة، فهما ضدان لا يلتقيان في دولة القبيلة أو قبيلة الدولة كما يظن ويروج الكثيرون.
وإذا سلمنا بالبديهة الاجتماعية العلمية المتفق عليها بأن القبيلة هي مرحلة سابقة على الدولة في التاريخ البشري كله، والدولة هي ارتقاء بمجتمع القبيلة إلى مجتمع الدولة, فإن اليمن هو مجتمع دولة بل وحضارة عظيمة بالدرجة الأولى عبر التاريخ, ودون أن يلغي ذلك تأثره وتأثيره بمجتمع القبيلة والبداوة المحيط في جزيرة العرب ، والتعرف على خواص مجتمع القبيلة ومجتمع الدولة كفيل بدحض أكذوبة أن اليمن مجتمع قبلي ككلمة باطل يراد بها ما هو أبطل.
1.خواص مجتمع القبيلة في مقابل مجتمع الدولة:
فخواص مجتمع القبيلة تتلخص بالتنقل وعدم الاستقرار في المكان, والاعتماد على اقتصاد القوت اليومي أو الموسمي من الرعي أو الصيد والالتقاط لاأكثر من جهة, ووهم الانتماء لأصل رجل أو جد واحد من جهة ثانية, وغياب المسئولية الفردية بتماهي الفرد في الجماعة والجماعة في الفرد من جهة ثالثة, وعدم الانقسام إلى بناء فوقي وبناء تحتي (أغنياء وفقراء, حكام ومحكومين, ريف وحضر....الخ) من جهة رابعة, وذلك في مقابل مجتمع الدولة النقيض الذي يبدأ بمفهوم “الشعب والأمة”, ويقوم على الاستقرار في المكان (زراعة, صناعة, قرى, مدن)، واقتصاد فائض الريع والربح إلى جانب القوت, ومبدأ المواطنة والمسئولية الفردية, والانقسام إلى بناء فوقي وبناء تحتي (حكام ومحكومين, ريف وحضر, أغنياء وفقراء, صناع وتجار, عمال وفلاحين...الخ)، وإلى ما لا يتسع المجال لحصره من نقائض خواص مجتمع القبيلة قياساً بمجتمع الدولة سواءً بالنسبة لليمن أو غير اليمن.
2. اليمن مجتمع دولة وليس قبيلة.
فالمجتمع اليمني في ضوء ذلك هو مجتمع دولة بالدرجة الأولى, لأنه “شعب” في أمة أو أمة في شعب وليس قبيلة في صحراء أو بادية من الأعراب, لا لمجرد انطباق خواص مجتمع الدولة السابقة عليه إلى حدٍ كبير وانتفاء خواص القبيلة عنه فحسبّ بل ولأن ما يزيد على ستة آلاف نص من نصوص كتابات المسند مما تم اكتشافه وتحقيقه حتى اليوم قد نصت في مسميات المناطق والجماعات المحلية على كلمة ومفهوم “شعب” وليس قبيلة قط مثل “شعب أم بعد نم, شعب أم حشدم, شعب أم خولنهم، شعب إم عودم...الخ”، ولم ترد كلمة قبيلة قط في نصوص خط المسند إلا عند الحديث عن الجماعات الهامشية المغيرة على أطراف الدولة من الأعراب “الأشد كفرا ونفاقاً” كما وصفهم القرآن الكريم, حيث قام المستشرقون بترجمة كلمة “شعب” إلى “قبيلة” لغرض ما في نفس يعقوب, ونقل عنهم “بغباء” مؤرخونا ومثقفونا وساستنا مع الأسف حتى اليوم ككلمة باطل يراد بها ومنها ما هو أبطل.
3.علاقة مجتمع الدولة بمجتمع القبيلة في اليمن:
أما العلاقة التي تحكم صله مجتمع الدولة الأصل والثابت في اليمن بمجتمع القبيلة والبداوة الهامشية والمتغيرة تأثيرا وتأثرا فتتلخص في أن مجتمع الدولة يتأثر بمجتمع القبيلة “جزراً” أمام “مد” القبيلة في ظروف ضعفه أو تخلفه النسبي، كما في تحول جنتي دولة سبأ في وادي “ذنه” بمأرب في الماضي البعيد إلى رَبْع قبيلة من أثل وخمط وشيءً من سدر قليل، وكما في حالة الهيمنة الإستعمارية والإستبداد الإمامي المتخلف في الماضي القريب, أو يؤثر “مداً” باتجاه القبيلة الهامشية في ظروف قوة وازدهار مجتمع الدولة الأصل ونهوضه بمجتمع القبيلة المتخلف إلى عمق مجتمع الدولة المتطور، كما في كل مراحل الازدهار والتوحد والنهوض، ومنها المرحلة الراهنة لمسيرة الثورة والجمهورية والوحدة اليوم، وحيث ينتصب بناء سد مأرب الجديد وتبدد مشاعل سواري صناعات إستخراج النفط والغاز ظلمةِ ليل الصحراء ووحشة نهارها في صافر، وجهل وعزلة القبيلة هناك، وحيث يدور الصراع بين من يمد خطوط الكهرباء وأنابيب النفط من دعاة تمدد الدولة للنهوض بالقبيلة وبين من يدمرها من بقايا عقلية القبيلة النقيض للدولة والمضرة بمصالحها أكثر من غيرها, وحيث يدور اليوم الصراع السياسي والعسكري على كل المستويات بين رجعية “قَبْيَلة” الدولة المستحيل والمدمر وثورة “دَيْوَلة” ما تبقى من القبيلة الممكن والمفيد لها قبل غيرها وللجميع.
فعلى ما تبقى من عقلية القبيلة الهامشية والمصطنعة أن تنهض بنفسها وتستجيب لمنطق وقوانين مجتمع الدولة الصاعد ولصالحها لا أن تحلم عبثا باقتياده إلى حظيرتها المتخلفة، تسليما بحقيقة الواقع وإستجابة لمنطق الزمان والمكان ومتغيراته التي لا تقهر من جهة, ودعوة الإسلام كثورة من جهة ثانية والذي ميز بوضوح بين مفهوم الشعب والأمة ومفهوم القبيلة والعصبية وانحيازه بقوة لمفهوم الشعب والأمة ضد العصبية والقبلية، فقال عز من قائل: “كنتم خير أمة أخرجت للناس” وليس خير قبيلة أو عصبية، إذ لا عصبية في الإسلام, والذين وصفهم بالأعراب الأشد كفراً ونفاق. وإذا كان التاريخ يعيد نفسه أحياناً، كما يقال، إلا أنه لا يمشي إلى الخلف قط.
ثانيا: من العلم الإجتماعي عن القبيلة والدولة إلى العلم السياسي فيهما.
في ضوء كل ما سبق وما نستهدف الوصول إليه ... ما الذي يمكن أن تحمله مثل هذه الرسالة المفتوحة الموجهة باسم خمسة وعشرين مليون إنسان إلى ما لا يتجاوز خمسة أشخاص لا أكثر من رؤوس القبيلة “المصطنعة” في السلطة والمعارضة من اللون الأحمر و ممن يحترفون إدارة الفساد والعنف المدمرة أكثر مما يحسنون أبجديات الدولة والسياسة والسلطة المدنية وحتى التجارة المرتبطة بعلم ومتغيرات منطق العصر المعمرة, وعلى مدى نصف قرن مضى منذ انبلاج فجر الثورة وحتى اليوم وليس 33عاما فقط, كما قد يظن البعض, مع قلة من الأتباع والمنتفعين معهم بآلية العنف وسياسة الفساد, والذين بدأت قصتهم بتجارة الحرب الموازية للصراع الملكي الجمهوري, وحتى إنقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي أسس لسلطة القبيلة “المصطنعة” ككلمة باطل يراد بها ما هو أبطل في شمال الوطن, مروراً بحروب التشطير وصراعاتها الأيدلوجية بين دولة الثورة المتطرفة في الجنوب ودولة القبيلة “المصطنعة” في الشمال على مسرح المناطق الوسطى, وانتهاءً بحرب الإنتصار الو... للوحدة عسكرياً وهزيمتها الحقيقية سياسياً عام 1994م وحروب صعده والقاعدة, وصولاً إلى مذابح ساحات التغيير والحرية ودار الرئاسة, وحتى شبح الآتي المثقل بما هو أخطر مما يُبيتّ له اليوم من حروب وصراعات قبلية وأهلية دامية تزيد من تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ الذي تجاوز الشمال والجنوب والمحافظات والمديريات إلى الشوارع والحارات وحتى حرمة البيوت والعائلات, كي ينعم الخمسة (أهل الكساء)، ومن لهم بالفضل سادساً، بحزن من يموت قتلاً وجوع من يبقى حياً أو شبه حي، لا لشيء إلا طمعاً في إختصار خمستهم في واحد- كما يرى كبيرهم- أو إستبدال واحداً بواحد كما -يرى صغارهم- في تقاسم العنف والفساد لا أقل ولا أكثر، وذلك ما تطغى من أجله اليوم طبول الحرب والفتنة على نداءات التغيير والسلام, لكل ذلك فإن جلل الخطب يصبح أكبر ونذر المحنة على الأب والأبناء من الشعب وأبناءه من جراء جرم وسفاهة الأخوة الأعداء قد أصبحت أخطر, بصرف النظر عما يقال من أنهم قد اتفقوا أو لم يتفقوا, لأنهم إن اتفقوا “أكلونا” وإن اختلفوا “قتلونا”.
لقد إحتمل الشعب وأبناؤه كل الأشقاء من رضاعة العنف والفساد قرابة نصف قرن من الزمن مع كل من لف لفّهم طمعا أو خوفاً, والذين لم يكتفوا بعد من سلطة فاسدة تحكمنا, ولم يشبعوا بعد من نهب مال حرام يخصّنا, ولم يكفّوا عن القتل والعنف ضدنا وفيما بيننا طوال نصف قرن مضى، بدءاً من حروب التشطير وحتى مذابح ساحات التغيير وهم متفقون علينا، أما أن ينفرط عقد إتفاقهم المشئوم ذاك وهو أهون شرورهم علينا ويصروا اليوم بدلاً من ذلك على الإقتتال فيما بينهم بنا لا بأنفسهم, كي تُختزل حقوق العنف والفساد في واحد, أو استبدال واحد بواحد إلى الأبد, ثم يقال بأنهم قد اتفقوا على تقاسمنا ليأكلونا حتى يختلفوا علينا بعد حين ليقتلونا أو يقتتلوا بنا كما هي العادة بلانهاية فذلك ما لا يبدو صعباً وكبيراً على أي منهم فحسب، بقدر ما هو خزي وعار علينا وعليهم أيضاً بعد نصف قرن من مسيرة الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية ورياح ثورة الربيع العربي بل والعالمي على الظلم والإستغلال والذي يملئ الآفاق والساحات وعلى الأبواب, وهي ثورة التاريخ التي لا تقاوم ولا رجعة عنها في اليمن وغير اليمن.
فهل آن للأخوة الأعداء من رضاعة العنف والجهل والفساد السياسي والاجتماعي أن يشكروا الله على ما قد أمدهم به من سلطه مديدة وثروة كبيرة، فينفضوا عن كاهلهم ما تبقى من أكذوبة القبيلة التي لم يعدلها في ظل كل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية الكبيرة لمسيرة الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والحداثة أكثر من مجرد كلمة باطل في وعيهم المزيف يراد بها ما هو أبطل من حقوق ومقدّرات المجتمع المدني القائم والدولة المدنية المنشودة بغير حق، ويرتقوا بأنفسهم ويندمجوا بوعيهم وسلوكهم في مجتمع الدولة كما هم مندمجين فيه بثرواتهم وتجارتهم وحتى سفهاتهم, ويعلنوا “دَيْوَلة” ما تبقى من القبيلة في ظنونهم بدلاً من وهم “قَبْيَلة” الدولة، لأن حتمية التطور تقتضي إرتقاء مجتمع القبيلة وتطوره إلى مجتمع الدولة ولمصلحته وليس العكس، وهل لكم أيها الأخوة الأعداء أيضاً من المنظور السياسي، أن تحسنوا إختيار مآلكم ومآلنا معكم من أقرب الطرق وبأقل الخسائر أمام ما لا يقاوم ولا رجعة عنه من رياح ثورة التغيير بأن تصدقوا ولو مرة واحدة في حياتكم
وتفعلوا ما تقولون من أنكم لا تعملون إلا من أجل الشعب ومستعدين للتنازل عن السلطة بل وعن أي شيء من أجله، بدلاً من الإستمرار في أن تقولوا ما لا تفعلون, مادام في الوقت متسع وفي العمر بقية, ومن أجلكم بالدرجة الأولى, فتتركوا هذا الشعب وشأنه وترحلوا جميعاً بسلام وهو يترككم وشأنكم, وإلى هنا وكفى, وعفا الله عما سلف وكفى الله المؤمنين شر القتال, والعاقل من إتعظ بغيره، وأنتم لم تتعظوا بعد لا بغيركم ولا بأنفسكم حتى الآن, وكبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، وحتى لا تندموا ونندم جميعاً حيث لا ينفع الندم.
أما وقد أتفقتم مؤخراً على تقاسم النظام بدلا من إسقاطه أو تغييره وهو إتفاق علينا وليس من أجلنا على كل حال, وللمرة العاشرة فإن اتفاقكم علينا هذا إن صدقتم(لأن الصدق في حياتكم تهمة تبرؤون منها) هو أهون من اقتتالكم بنا عملاً بالحكمة القائلة “بعض الشر أهون من كله” ونحن لن نقول بأنكم تكذبون كما هي العادة بل نتحداكم أن تصدقوا وأن لايكون هذا الاتفاق هو مجرد حلقة من مسلسل لعبة “البيضة والحجر أو الجزرة والعصا”واستمرار الفعل بعكس القول والنكث بالعهد كما في كل مرة، لأن في صدقكم_ إن صح_ كف لبعض الشر وتجاوز خلط الأوراق وفرز للألوان وتمكين ثورة التغيير الشبابية الشعبية من التعامل معكم بوضوح إن خير فخير وإن شر فشر ، والأيام بيننا.
يتبع
أستاذ علم الاجتماع- جامعة صنعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.