فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمييز الاجتماعي
نشر في الجمهورية يوم 24 - 03 - 2010

والقاسم المشترك بين كل هذه الفئات الإثنية أوالسلالية مجتمعة هي المعاناة من حالة العزل الإثني الحاد لهم من قبل المجتمع من حيث التزاوج بالدرجة الأولى، ومن حيث القبول بالمكانة الاجتماعية والدور الاجتماعي المتكافئ لهم مع غيرهم من بقية الفئات الاجتماعية الأخرى على الصعيد الاجتماعي والسياسي بالدرجة الثانية إلا فيما ندر حتى الآن
4 الفئات الهامشية الأخرى في قاع المجتمع (الجزارين،المزاينة الأخضور،الدواشين...الخ)
الجزارون هم الفئة الاجتماعية المشتغلة بأعمال ذبح وسلخ وبيع لحوم الحيوانات من الأبقار والأغنام لأنفسهم ولصالح الغير، والمزاينة هم المشتغلون بأعمال الحلاقة والطباخة المنزلية في الأعراس والمآتم ودق الطبول في الأفراح والمناسبات العامة والخاصة، والأخضور هم الفئة المشتغلة بزراعة محاصيل البقوليات تحديداً من البصل والثوم والبقل والكراث ونحوها في أراضٍ يملكونها أو يستأجرونها من كبار الملاك غالباًِ ويبيعونها في القرى والأسواق، أما الدواشن فهي الفئة الاجتماعية الإثنية أو السلالية أيضاً التي يتوقف عملها على نقل الأخبار والرسائل والإشادة بخطابات مفوهة بعلية القوم وأصحاب المواقف في الأعراس والمناسبات العامة والخاصة وتحقير الخصوم وأصحاب السوابق المذمومة، إنهم أداة الإعلام التقليدية القديمة العامة والخاصة وبكل ما تعنية هذه الكلمة من معنى ووسائل الاتصال الرئيسية في ظروف الحرب والسلم على السواء بين المتحاربين والمتحاورين ، ورغم كل ما قد منيت به هذه الوظيفة والدور الهام لهذه الفئة من تراجع في الحاضر قياساً بما كان عليه في الماضي، أمام ثورة المعلومات والاتصالات التقنية الحديثة إلا أن واقعهم الاجتماعي كفئة هامشية أثنية في قاع المجتمع لم يتغير كثيراً حتى الآن.
والقاسم المشترك بين كل هذه الفئات الإثنية أوالسلالية مجتمعة هي المعاناة من حالة العزل الإثني الحاد لهم من قبل المجتمع من حيث التزاوج بالدرجة الأولى، ومن حيث القبول بالمكانة الاجتماعية والدور الاجتماعي المتكافئ لهم مع غيرهم من بقية الفئات الاجتماعية الأخرى على الصعيد الاجتماعي والسياسي بالدرجة الثانية إلا فيما ندر حتى الآن، أما على الصعيد الاقتصادي ونمط الحياة المعيشية وحتى المستوى الثقافي والتعليمي وحتى المشاركة السياسية فإن هذه الفئات ومن منطلق رفضها لحالة التهميش والعمل الدؤوب من أجل تجاوز هذه الحالة قد قطعت شوطاً كبيراً على هذا الطريق إلى حد التميز، فهم من أفضل الناس دخلاً ومعيشة، وأكثر اهتماماً بتغيير حياتهم نحو الأفضل، والقضاء على ما تبقى من حلقات العزل الأثنية المستعصية فيما يتعلق بالتزاوج مع الغير بالدرجة الأولى، والدور والمكانة الاجتماعية التي ما يزال يمارسها المجتمع على المستوى الشعبي وبمعزل عن أي إقرار أو تقنين رسمي مباشر أو غير مباشر بعد الثورة كما كان علية الحال قبلها.
5 السادة كفئة هامشية في قمة المجتمع بصورة مباشرة في الماضي وغير مباشرة في الحاضر
وفي مقابل التهميش السابق في قاع المجتمع يأتي التهميش العكسي في قمته ممثلاً بفئة السادة أو من يعرفون ويسمون بالهاشميين، وهم فئة واسعة وبارزة في المجتمع اليمني كما أنهم فئة مهمشة أو هامشية على الأصح ولكن في قمة المجتمع وليس في قاعدته أو خارجه، والذين لا تستند هويتهم الإثنية على أي أساس مهني أو نمط معيشي كما هو الحال بالنسبة للفئات الإثنية السابقة (الأخدام، الجزارين، المزاينة، الأخضور والدواشين) بقدر ما تستند هذه الهوية إلى فكرة الانتماء السلالي المفترضة لآل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام وابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وزوجها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابنيهما الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً وما انحدر عنهم، وإشكالية هذه الفئة الإثنية أو السلالية الأكثر تعقيداً في اليمن وغير اليمن لا تكمن في الإصرار على الانتماء العرقي أو السلالي المفترض بصرف النظر عن مدى صحته من عدمه بقدر ما تكمن فيما رتب المنتمون لهذه الفئة لأنفسهم من حقوق ومزايا سياسية واقتصادية ودينية كبيرة بالنسبة لغيرهم، والتي لا تتوقف عند حدود التمييز الاجتماعي لأنفسهم ضد الغير على الأساس الإثني والسلالي غير القابل للتغيير أو التغير والذي يرقى في كثير من جوانبه إلى التمييز العنصري الذي يبدأ بدعوى الحق الإلهي المطلق في السلطة، إذ لا إمامة إلا لهم، مروراً بالقوامة على الدين والدنيا، فلا جمعة ولا جماعة إلا بهم، ولا تساق الواجبات الزكوية إلا إليهم، ولا تقام الحدود أو تبرم العقود إلا على أيديهم، وانتهاءً بتمييز أنفسهم بوجوب تحقير الآخرين لأنفسهم طاعة وتعظيماً لهم، ناهيك عن حظر تزوج الغير من بناتهم، وحقهم بالزواج من بنات الغير، وأن من أنكر أو تنكر لشيء من ذلك فهو إما على غير دين محمد الصحيح وآل بيته-حسب رأيهم- أو لا دين له، وكل ذلك هو ما لم ينزل الله به من سلطان ولا يقربه عقل أو علم أو منطق.
وهذه الإشكالية لا تتعلق باليمن بقدر ما هي إشكالية عامة عبر العالم العربي والإسلامي، وممتدة من أعماق الماضي إلى صميم الحاضر، وقد تكون اليمن هي الأهون شراً من غيرها في هذه المحنة إذا ما قورنت بما هي عليه الحال في العراق وإيران ولبنان والهند وباكستان في هذا الصدد ماضياً وحاضراً، كما أنها لم تكن مشكلة المميز ضدهم من غير دعاة آل البيت وغلاة الشيعة على اختلاف مشاربهم بقدر ما هي مشكلة القطاع الأوسع ممن وجدوا أنفسهم في هذا الوسط غير مختارين، إما بحكم المولد أو العصبية الطائفية والمذهبية، والذي يفرض عليهم انتماءً وتعصباً ما لا يؤمنون به ويرفضونه عقلاً ومنطقاً وديناً كما يرفضه كل عقل ومنطق ودين حق.
ولليمن تجربة رائدة وعظيمة في التعامل مع هذه الإشكالية المتعلقة بالتمييز الاجتماعي الإثني والسلالي خلال القرن المنصرم، ففي مقابل نخبة الإمامة السلالية والطائفية والعنصرية باسم الدين الذي ما أنزل الله به من سلطان ومحاولاتها المستميتة ومن موقع السلطة في تكريس كل ما سبقت إليه الإشارة من الحقوق السياسية والدينية والاجتماعية بغير حق على غيرهم من عامة الناس، كان الناس كل الناس بما فيهم القطاع الأوسع من العقلاء والمستنيري والشرفاء ممن وجدوا أنفسهم هكذا سادة أو هاشميين دونما حجة كانوا يرفضون مع عامة الشعب هذا التمييز وهذه الحقوق غير المشروعة لنخبة الإمامة وبطانتها الكهنوتية الظالمة والمستبدة، وأعظم دليل على ذلك هو أن معظم الرؤوس التي اجتزت ومواكب التضحيات التي قدمت على درب النضال الوطني ضد الظلم والاستبداد الإمامي ودعاويه السلالية والعنصرية هذه كانت تتساوى فيها كل الفئات اليمنية من أفراد ومناضلي مسيرة الثورة اليمنية سواء ممن عرفوا بالهاشميين أوالسادة أوغيرهم، من الزبيري والنعمان إلى الموشكي والوريث والكبسي وحتى القردعي والحسيني وغيرهم،ولافرق في ذلك بين القاضي المثقف أو الهاشمي وشيخ القبيلة أو الجندي والفلاح الوطني، بل إن ما يقرب من %60 من تنظيم الضباط الأحرار الذي حسم المعركة النهائية مع ظلم الأئمة والإمامة السلالية والعنصرية الظالمة في السادس والعشرين من سبتمبر المجيد عام 1962م هم ممن عرفوا بالانتماء لنفس الفئة السلالية والمذهبية الهاشمية افتراضاً والبريئون منها قولاً وفعلاً وواقعاً.
وإذا كانت الثورة والجمهورية قد وضعت حداً نهائياً للسلالية والعنصرية كسلطة إلا أنه بقي منها في بعض النفوس المريضة التي ما تزال تحلم عبثاً برد عجلة التاريخ إلى الوراء، والذين لم يكن حسين الحوثي هو أولهم ولن يكون هو آخرهم ممن لا يزالون يحدثون أنفسهم بأوهام كلمة باطلة يراد بها ما هو أبطل في زمن المفاهيم والحقائق الإنسانية والمعرفية المطلقة زمن تلاشي أبعاد الزمان والمكان وفوارق ما بين الإنسان وأخيه الإنسان ليس في اليمن والوطن العربي والإسلامي فحسب بل و في قرية عالم اليوم الصغيرة والمشتركة بين كل البشر دون تمييز، والتي لا مكان فيها إلا لمن يعمل لنفسه بنفسه لا من يبحث عن أوهام عرقه وسلالته ليفرض نفسه على الآخرين.
خامساً: الأبعاد والدلالات السياسية للتمييز السلالي
ويبقى في الأخير وفي هذا السياق النظري العام للتمييز الاجتماعي في اليمن وغير اليمن أن نطرح السؤال الأهم.. لماذا التمييز الاجتماعي بشكل عام والإثني السلالي منه أو العنصري على وجه التحديد؟ وفرضية الإجابة الأولية على هذا التساؤل الكبير والمفتوح هي الدفاع عن المصالح السياسية والاقتصادية القائمة بالنسبة للمتمتعين بها، أو البحث عنها بالنسبة للمحرومين منها، وما عدا ذلك هي مجرد تخريجات وذرائع جانبية للدفاع عن السلطة والثروة أو البحث عنهما مهما تعددت أشكالها ومسمياتها، فما تاريخ الرق والعبودية، وشن الحروب وإبادة الأمم والشعوب وعلاقة الأبيض بالأسود والحاكم بالمحكوم والشريف بالوضيع إلا ضرب من جذر هذه الحقيقة المتعلقة بالدفاع عن السلطة والثروة أو البحث عنهما لا أكثر ولا أقل يؤكد كل ذلك ويثبته مايأتي:-
1- أصل التمييز في السلطة والمكانة وليس في العرق أو السلالة.
وعودة مما هو عام إلى ما هو خاص في هذا الشأن ومتصل بصميم موضوعنا يمكن القول بأنه إذا كان التمييز الاجتماعي الإثني ضد فئة الأخدام في اليمن قد ارتبط أصلاً بالبعد السياسي المتعلق بهزيمة الأحباش بعد غزوهم لليمن قبل الإسلام، وتحول من بقى منهم في اليمن ممن يعرفون اليوم بالأخدام من حكام إلى محكومين، بل وفئة شبه منبوذة سياسياً واجتماعياً طبقاً لمعادلة المنتصر والمهزوم في إطار الصراع بحثاً عن السلطة والثروة، فإن الفئات المماثلة الأخرى من الجزارين والمزاينة والأخضور والقشامين والدواشين السابق شرحها قد رغب الفائزون بالسلطة والمكانة الاجتماعية بالحصول على خدماتهم التي لا غنى لهم عنها، ولكن بشرط أن لا ينازعوهم السلطة والثروة والجاه والمكانة والدور العام، ومن هنا جاءت تخريجة العزل الإثني لكل من يمارس مثل هذه الأعمال والمهن، وتكريس دونيتهم وعدم أحقيتهم في السلطة والمكانة الاجتماعية، وطبقاً لحكاية تاريخية أقرب إلى الأسطورة بأن المشتغلين بهذه المهن هم من بقايا أسرى الحروب والفتوحات التاريخية اليمنية القديمة للشعوب الأخرى، والذين عادوا معهم إلى اليمن واشترطوا عليهم القيام بمثل هذه المهن لصالح المجتمع مقابل إعطائهم خمس ما تنتج الأرض الزراعية، وعلى أن لا يكون لهم حق في سلطة أو ملكية أو مكانة، ولذلك سموا بأهل الخمس، وإن كانت متغيرات الزمان والمكان قد فعلت فعلها وفصلت ما بين الأسباب والنتائج وصار كل شيء قابل للتغيير وتبادل الأدوار، ولكن في إطار المعادلة السياسية الحديثة والمتطوره لصراع المصالح والدفاع عن السلطة والثروة أو البحث عنها بهذه الوسيلة أو تلك وحتمية التغيير نحو الأفضل ولا صلة لأي من هذا أو ذاك بالجنس أو السلالة لا من قبيل الضحك على الذقون بكلمات باطلة القبيلة والعرق والسلالة بهدف الوصول إلى ما هو أبطل.
ذلك بالنسبة للفئات الإثنية المميز لصالحها أوضدها في قاع أو قمته، المجتمع في الماضي البعيد والقريب، والأكثر تغيراً في الحاضر والمستقبل من خلال تغيير نظرة المجتمع الخاطئة إلى مثل تلك المهن والحرف وهو الأغلب والأعم، وتغيير نظرة أصحابها لها ولأنفسهم أو الاشتغال بمهن وحرف سياسية واجتماعية أخرى أكثر قبولاً في المجتمع، في مقابل إمكانية التغيير الأقل والنادر بالنسبة للفئة الأثنية الأعقد في المجتمع ممن يعرفون بالسادة أو الهاشميين فإن لهم قصة سياسية أخرى نوجزها في البند الآتي:
2 خطأ الاعتقاد الإثني والحق الإلهي في السلطة
إذا كان من السهل علينا إثبات ما هو مثبت من دعاوى الحقوق المطلقة في السلطة لنخب أو فئات اجتماعية وعائلية محددة على أساس ديني أو أثني سلالي أو هما معاً في التاريخ الإنساني بشكل عام والتاريخ العربي والإسلامي بشكل خاص كمقولة الإمامة في قريش عند السنة وفي آل البيت حصراً عند الشيعة، فإن الأسهل من ذلك هو تبرئة الدين الإسلامي الحنيف من مثل هذه الافتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل وعلى العكس من ذلك يقرر الحق عز وجل بأن السلطة هي حق لعامة الناس بلا استثناء، وليس لفرد أو عرق بذاته، وحكمها الأول والأخير في الإسلام هو قوله تعالى جل شأنه «وأمرهم شورى بينهم» وقول الرسول عليه الصلاة والسلام «الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى كلكم لآدم وآدم من تراب».
أما الأقل سهولة بل والأكثر صعوبة وربما الأكثر عبثية فهو القول بثبوت فكرة الانتماء الأثني لشعب أو أمة أو حتى جماعة بعينها لأصل فردي واحد كقحطان جد كل عرب الجنوب، أو عدنان جد كل عرب الشمال، أو براهما أصل كل الهنود والبشر جميعاً..الخ، إذا ما استثنينا الخلق الأول لأبينا آدم عليه السلام المسلم به إيماناً، وبصرف النظر عن كل ما يترتب على ذلك من دعاوى الحقوق السياسية والاقتصادية المطلقة في السلطة والثروة من دون الناس، وهي الدعاوى التي تشكل الجذر الجبري للفكرة الأثنية المتخلفة وغير المطلوبة بحد ذاتها إلا باعتبارها وسيلة أو مطية للوصول إلى الجذر الجبري للمسألة المتعلقة بالدفاع عن السلطة والثروة بالنسبة للمستحوذين عليها من دون بقية الناس، أو البحث عنها والظفر بها بالنسبة للمحرومين منها، وإذا كان من حق الناس جميعاً بل ومن طبيعتهم أن يتجادلوا ويتحاوروا ويختلفوا حول كيفية إدارة وتقاسم السلطة والثروة، باعتبار ذلك هو حقهم وشأنهم بمقتضى قوله تعالى: “وأمرهم شورى بينهم” فإن ذلك هو ما يضمن أقصى حد ممكن من عدالة السلطة وتوزيع الثروة وتكافؤ الفرص واختيار الأكفأ من الناس للقيام بهذه المهمة لصالحهم لا لصالحه هو، وذلك هو أس المقاصد الشرعية السماوية بشكل عام والشرع الإسلامي على وجه الخصوص، كما هو أس المقاصد الشرعية الوضعية المتطورة حديثاً بدءاً بالاشتراكية والديمقراطية، وانتهاءً بإعلان حقوق الإنسان المتساوية، بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو مكانه على سطح الأرض، لأن السلطة والثروة إذا كانت هي حق لعامة الناس وشأن من شئونهم بمقتضى كل الشرائع السماوية والوضعية العادلة فإن الناس حينما يمارسون هذا الحق عن حق لا يمكن لهم أن يجمعوا على خطأ من ظلم أو باطل، وذلك هو ما جرت به الوقائع التاريخية الأكثر إشراقاً في حياة الرسول محمد علي الصلاة والسلام والجدل الحواري الخلاق في يوم السقيفة بعد وفاته وما قام به الصحابة والتابعين بعد ذلك وهو ما يتجه نحوه ويقترب منه عالم اليوم الاشتراكي والديمقراطي المتطور.
أما خطأ الأخطاء الذي لا يغتفر في هذا الشأن المتعلق بالسلطة والثروة فهو مصادرة حق الناس في ذلك قولاً وعملاً من قبل البعض والاستئثار به دونهم تحت وطأة القوة والقهر والاستعباد، أو دعاوى الحقوق الدينية واللاهوتية التي ما أنزل الله بها من سلطان، أو العرقية والسلالية العنصرية المغلفة بالدين والأكثر مقتاً عند الله وخلقه، أو المركب المقيت من كل هذا وذاك، وهو ما ابتلى به ديننا وماضينا وحاضرنا العربي والإسلامي والبشرية جمعاء حتى اليوم، والذي لم ينج من الإساءة منه حتى رسول الأمة والبشرية جمعاء وآل بيته الأطهار وصحابته وتابعيه الأخيار الذين حملوا من أوزار هذا البلاء أكثر من غيرهم، وعلى رأس هذا البلاء دعاوى الانتماء العرقي والسلالي إلى الرسول وآل بيته، كادعاء باطل للوصول من خلاله إلى ما هو أبطل من حقوق لاهوتية مطلقة في السلطة والثروة لقلة مريضة من دون كل الناس، لقوله تعالى «ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.