قيادي حوثي يواصل احتجاز طفل صحفي ويشترط مبادلته بأسرى حوثيين    وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمييزالاجتماعي
نشر في الجمهورية يوم 23 - 06 - 2010

ثالثاً: خطأ الانتماء السلالي في اليمن وحقيقته السياسية
إن ما يؤكد خطأ الدعاوى الأثنية وظلم آل البيت أو من بقى منهم إفتراضاً والإساءة إليهم ويمثل دعاوى الفتنة بين المسلمين هو ما يمكن إثباته بالنسبة لأهلنا وإخواننا ممن يسمون بالهاشميين أو السادة في اليمن، سواء منهم من ارتبط ذكرهم بمجيء محمد بن عيسى المهاجر في حضرموت، أو الهادي ابن الحسين في صعدة في نهاية القرن الثاني الهجري، وما صار يشاع بأن عددهم يتجاوز اليوم الأربعة مليون نسمة وتقديم الأدلة العقلية والموضوعية والمنطقية على خطأ وخطورة الإصرار على التمسك بمثل هذه الفكرة الفتنة سواءً بالنسبة لليمن أو غير اليمن مما سبق تحليله لأن الثابت بالنسبة لليمن هو الآتي:
1 - اليمن طاردة وليست جاذبة للهجرات.
أن ما لا يستطيع أحد القول بخلافه هو أن اليمن ليست قط بلداً جاذباً للهجرات إليه، بل هو طارد لها منه إلى الخارج عبر التاريخ، لأسباب اقتصادية واجتماعية موضوعية، وأن مجيء الهادي والمهاجر إلى اليمن وانتسابهم لآل البيت إن صح هذا الافتراض أو لم يصح ليس هذا هو المهم، قد كان مجيئاً فردياً مع قلة من الأتباع الذين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، ومن المسلمين غير العرب كالديلمي وابن إسحاق من فقهاء طبرستان الذين رافقوا الهادي كرجال دين، هروباً من بطش سلطة الخلافة الأموية في دمشق أو العباسية في بغداد، وطمعاً في الحصول على مأمن من جهة ترويج أفكارهم المعارضة للخلافة في اليمن من جهة أخرى، بل وبدعوة من اليمنيين أنفسهم لحمايتهم والإفادة من ثقافتهم الدينية، ولا يمكن لحالات فردية كهذه أن تتحول إلى ظاهرة عامة لهوية أثنية وسلالية بهذا الحجم، هذا أولاً، ناهيك عن خطأ الفكرة من أساسها ديناً وعقلاً وعلماً وإنسانية في ضوء كل ما سبق تحليله وتفنيده على النطاق العربي والإسلامي العام.
2 - اليمن كمأمن للمعارضة ومنطلق لها .
والحقيقة الثانية هي أن اليمن التي كانت هي المأمن الذي يلجأ إليه كل المعارضين كأشخاص ودعاة ، والمتضررين من بطش سلطة الخلافة في دمشق أو بغداد أو القاهرة، من سنة وشيعة وخوارج ومعتزلة وقرامطة وزيدية وإسماعيلية وغيرهم، لا لمجرد الحصول على الأمان كأشخاص وأفكار، بل والانطلاق من خلال اليمن واليمنيين وبهم لا بغيرهم نحو تطوير أفكار وحركات المعارضة الراديكالية الثورية ضد مركز الخلافة انطلاقاً من اليمن، بل وتأسيس نماذج سياسية لها في اليمن تمهيداً للانطلاق نحو مركز الخلافة، استناداً إلى مقولة سياسية ودينية شهيرة في التاريخ والثقافة الإسلامية ما تزال ثابتة حتى اليوم هي “أن ما صلح به الأمر في أوله لن يصلح ما فسد منه إلا به في آخره” وهي المقولة المحمولة على اليمن وأهل اليمن الذين انتصروا للإسلام وصلح بهم في أوله ولن يصلح ما لحق به من فساد وخراب إلا انطلاقاً من نفس الأصل والمكان، حيث لم توجد حركة معارضة سياسية أو دينية واحدة في التاريخ العربي الإسلامي إلا ولجأت إلى اليمن واحتضنها اليمنيون وأقاموا لهم تجربة فكرية أو نظاماً سياسياً فيه، وذلك لا لمجرد بعد اليمن عن مركز تحكم الخلافة فحسب بل ولأن بروز نزعة الندية والرفض للتسلط المركزي والقهر السياسي واستعصاء مكان اليمن الجغرافي وأهله على ذلك هي سمة وخصوصية تاريخية واجتماعية قديمة وثابتة في اليمن وأهل اليمن ولأسباب اقتصادية وموضوعية تتعلق بالمكان وطبيعة مصادر العيش فيه ، والذي ينتمي لمناطق إنتاج الفائض الأقل بجهد اكبر والذي يفرز وجود سياسي واجتماعي يتميز بمساواة أكثر واستبداد اقل بالضرورة(1)
3 - الهادي أتى إلى اليمن بمفردة لاجئاً لا فاتحاً .
إن مجيء الهادي من جبل الرس مع عدد محدود من فقهاء بلاد ما وراء النهر من بلاد فارس لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة بعد سقوط التجربة الأولى لإقامة أول دولة شيعة زيدية في طبرستان على يد العباسيين،لم تكن إلا واحدة من تلك التجارب السياسية والدينية التي احتضنتها اليمن بصدر رحب، لكنها ما لبثت أن تحولت أو تحرفت على الأصح من تيار فكري عقلاني اعتزالي منصف يرى الإمامة والسلطة في الإصلاح من المسلمين على يد الإمام المؤسس زيد بن علي رضي الله عنه الذي دفع حياته ثمناً لكلمة الحق هذه أمام غلاة الشيعة والسنة على السواء في العراق( 2) تحولت إلى نزعة إثنية سلالية على يد الهادي ومن سار على منواله من الأئمة في اليمن، باعتبار السلطة هي حق إلهي مقدس لأسرة أو سلالة بعينها ، وبذلك لم تكن هذه الدعوى الباطلة انقلاباً على معروف أهل اليمن في الهادي ومن جاء معه والمناصرين له من اليمنيين عن حق، بل وعلى جوهر الفكر الاعتزالي الزيدي المستنير للإمام زيد نفسه، ناهيك عن خروجه على كل القيم الدينية الحقة والعقلية والموضوعية والإنسانية بالمطلق، والتي لا تجيز التمييز الاجتماعي والإثني بين الإنسان وأخيه الإنسان، وترتب حقوق وامتيازات عرقية سياسية ودينية بناءً عليها.
ومن اللافت للنظر والانتباه أن كل من كان قد وصل إلى اليمن لاجئاً أو داعية أو حتى حاكماً من قبل مركز الخلافة في دمشق أوبغداد أو القاهرة وحتى المدينة المنورة قبل ذلك كأشخاص وليس كهجرات من امويين وعباسيين وخوارج وشيعة وسنة من كل نوع وحتى الاتراك والبرتغاليين والانجليز وحتى الاحباش والفرس كغزاة قبل كل هذا وذاك قبل الإسلام فإن كل منهم قد عاد من حيث اتى رضاءً أو كرهاً ، أما قلة من استقر منهم فقد ذاب واندمج في البنية الاجتماعية الوطنية للمجتمع اليمني المفتوحة بسهولة وصاروا جزءاً لا يتجزأ منها طبقاً لقاعدة العلم الاجتماعي التي تقضي بذوبان الفرع في الأصل والأتي في المقيم، ما عدى شرذمة الهادي هذه التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والتي كانت ولا تزال بنزوتها العرقية والعنصرية تصر لا على عزل نفسها عنصرياً وقلب حقائق الواقع والعقل والعلم والدين والإنسانية رأساً على عقب فحسب، بل وتعنصر غيرها بدون حق، وتسيئ بذلك إلى نفسها أكثر من غيرها .
4- خطأ اجتهاد الحق الإلهي في السلطة مقدمة أوهام النقاء السلالي .
إن المشكلة لم تتوقف عند اجتهاد الهادي غير المحق ومن يليه من أئمة الظلم والجور بعد تمكنهم من السلطة في اليمن أو على أجزاء منها بحكم وجودهم في السلطة من دون الناس، بقدر ما أن المشكلة الأعقد وفي ظروف استفحال الظلم والجهل والتخلف الثقافي والفكري وانحطاطه قد تمثلت في أن كل من جارى الأئمة في رأيهم هذا وقولهم به من المنتفعين معهم في السلطة أو الطامعين في المشاركة فيها تحت مظلة التشيع ومحبة آل البيت المبرئين من كل ما جرى ويجري باسمهم، قد تحولت روابطهم السياسية والمصلحية بمرور الوقت إلى دعاوى وهمية للرابطة الإثنية والسلالية بآل البيت ممن صاروا يعرفون اليوم بالسادة أو الهاشميين، وعلى غرار ما حدث في شتى مناطق العالم العربي والإسلامي كما سبقت الإشارة إليه، أما من اجازهم على ذلك جهلاً أو خوفاً من عامة الناس فقد كانوا شيعة هادوية من الدرجة الثانية من زيود القبائل والعامة من الناس الداخلين في خسارة الاعتقاد الخاطئ الخارجين من مكسب السلطة،أما من لم يجاريهم في ذلك أو ناصبهم الحجة في بطلانه من ذوي الرأي والمذاهب الأخرى فقد كانوا في نظرهم مجرد “نصبة” وخارجين عن دينهم العنصري هذا الذي ما أنزل الله به من سلطان، وأن الله- في رأيهم- سوف لن يعاقبهم على ما يمكن أن يلحقوه من أذى بمن يخالفهم الرأي والمعتقد المشوهة هذا من سوء، أو يأخذونه منهم من حق، بل سيعاقبهم على ما لم يفعلوه بهم من السوء والأذى، أو يتركونه لهم من حق، وتلك أمور مثبتة في أدبيات التعصب الإمامي الظالم في اليمن وغير اليمن.
5 - تحويل رابطة التشيع السياسي إلى وهم للرابطة العرقية
إن من أقوى ثوابت الأدلة القاطعة المانعة على كل ما سبق من خطأ دعاوى الانتماء الإثني والسلالي المضرة بدعاتها أكثر من غيرهم في اليمن وعلى يمنيتهم الأصيلة بالدرجة الأولى هو أن الأسرة الواحدة في المنطقة الواحدة بل والقرية أو البيت الواحد أو المهنة الواحدة التي عادة ما ترتبط فيها الكنية بالمكان أو المهنة عبر التاريخ قد كانت تنقسم إلى قسمين، منهم من تشيع وغالى في تشيعه طمعاً في الجاه والسلطة فأصبح سيداً أو هاشمياً، ومنهم من لم يفعل فظل على حاله خارج السلطة وخارج الانتماء الأثني، رغم احتفاظهم جميعاً بأصل كنيتهم التاريخية والاجتماعية الواحدة كمسمى اجتماعي ومكاني حقيقي قديم قدم المجتمع والمكان نفسه، بحيث أنقسم المسمى الواحد مكاناً وإنساناً وأسرةً إلى سادة وغير سادة، حيث نلاحظ أن الانتماء إلى كنية المكان أو المهنة في اليمن هو الغالب عبر التاريخ وليس العرق أو السلالة، فحوث والحيمة والوشل وجرموز وكحلان والمحاقرة وشهارة وهلم جرا كمسميات يمنية مكانية شهيرة، قد انقسم الأهل والعشيرة والأسرة في كل منها إلى سادة وغير سادة، فهناك حوثي سيد وحوثي غير سيد وحيمي سيد وحيمي غير سيد أو “قبيلي مقطع” وجرموزي سيد وجرموزي غير سيد ووشلي سيد ووشلي غير سيد وكحلاني سيد وكحلاني غير سيد وشهاري سيد وشهاري غير سيد وشامي سيد وشامي غير سيد وهلم جرا، ذلك أن الانتماء الأصيل والمشترك والتسمية الحقيقية والمشتركة قد ظلت على أصلها أو حالها، وهي الأصل والحقيقة الاجتماعية للانتماء الاجتماعي المشترك للمكان والمهنة والوطن،وليس العرق والسلالة المصطنعة سياسياً، لأنه لو صح الانتماء الأثني المميز لنفسه فوق الآخرين لما احتاج بل ولما قبل من يدعي لنفسه الانتماء لآل البيت أن ينسب نفسه إلى حوث أو شهارة أو جرموز أو غيرها من الأماكن، واستبدال ما هو أعلى بما هو أدنى في رأيهم، ولكن العكس هو الصحيح،وهكذا صارت الحقيقة معكوسة على رأسها وآن لها أن تستقيم .
6 - غلو التشيع للإمامة هو الطريق الوحيد للمشاركة في السلطة .
إن التفسير الاجتماعي والموضوعي السليم لهذه الثنائية الشائعة جداً هو أن الأهل والعشيرة بل والأسرة الواحدة في المكان الواحد قد انقسموا في الرأي تجاه الدعوة الإمامية الهادوية المخرفة والمتطرفة ، فمنهم من أجاز الأئمة على ما قالوه فيما لا أساس له من سنة أو كتاب وغالوا فيه إلى حد إدعاء انتمائهم السلالي لآل البيت وصاروا سادة وهاشميون، ليس حباً في آل البيت الذين ذهبوا في أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، بل طمعاً في مشاركة الأئمة الوافدين على قلتهم مزايا السلطة والثروة التي أصبحت حكراً لسلالة المدعين بهذه الدعوى التي ما أنزل الله بها من سلطان، أما من أجازهم وسكت عنهم على مضض أو ناصبهم الحجة بالخطأ والبطلان فهم إما محب منافق أو ناصبي مارق كما سبقت الإشارة، رغم إن الكل ينتمون لأصل ووجود اجتماعي ومكاني واحد، بل وقرابة واحدة في معظم الأسر والعائلات، إنها باختصار فتنة السياسة والصراع على السلطة والثروة التي كثيراً ما تمتطي صهوة الدين بالباطل وتخرج به إلى ما يتنافى وجوهره ومقاصده الإنسانية العادلة من هذا القبيل المتعلق بدعاوى التمييز الاجتماعي بين الإنسان وأخيه الإنسان، ناهيك عن المسلم والمسلم والعربي والعربي على أساس أثني وسلالي عنصري مقيت.
7 - الأصل في الانتماء هو المكان والمهنة وليس العرق أو السلالة في اليمن.
وطمعاً في الوصول إلى جوهر الحقيقة أو الاقتراب إلى أقرب مسافة منها على الأقل دعونا مع الرأي الآخر نفترض ما لا يحتمل افتراضه ونقر بثبوت ما لا يمكن إثباته بأن كل من يدعون الهاشمية بكل حقوقها غير المحقة في اليمن أو غير اليمن هم من آل البيت لحماً ودماً كما يقولون، وأن الهادي ابن الحسين ومن أتى معه من فقهاء طبرستان بما فيهم كاتب كتاب شرح الأزهار والذين صاروا بفعل غلو التشيع من أجل أهل البيت هم الذين أنجبوا وحدهم ما يقارب الأربعة مليون نسمة حتى اليوم في اليمن كما يشاع من أهل البيت وأن هجرات أخرى قد قدمت لاحقاً إلى اليمن من الشمال أو الشرق أو الغرب أومن أي كوكب آخر من آل البيت، فإن الحقيقة الوحيدة التي نحتاج إلى فهمها وتفسيرها هي لماذا غيرت هذه الجموع المميزة لحماً ودماً عن غيرها من البشر من مسمياتها وكناها السماوية والنبوية والسلالية المقدسة وارتبطت بمسميات أسر وأماكن اليمن واليمنيين في حوث والوشل والموشك وجرموز وشهارة والحيمة والمحاقرة وضوران وبيت الحداد وبيت السقاف والوزير والوجيه...الخ؟، والحقيقة أنها لم تغير بل إنه الأصل الذي لم يتغير وهو الانتماء الاجتماعي والوطني للمكان أو المهنة، وما تغير هو النصف الآخر من الحقيقة بعبثية الانتماء المزدوج بنصف الحقيقة إلى المهنة والمكان من جهة ونصف الوهم السلالي من جهة أخرى، وهي البلية المضحكة المبكية وشر البلية ما يضحك.
8 - كل ضحايا الوهم السلالي هم يمنيو الأصل مكاناً وتاريخاً ومهنة .
وفي ضوء ما سبق تتأكد حقيقة أن كل من سقطوا ضحايا الأوهام العرقية السلالية الممقوتة عقلاً وعلماً وديناً وإنسانية في اليمن هم في الأصل وبالاستناد إلى يقين الحقيقة الموضوعية يمنيون أولاً وقبل كل شيء مكاناً وزماناً وتاريخاً ومهنة وحضارة ، ناهيك عن أن العلم الاجتماعي يؤكد ذوبان من قد يأتي كفرع من الخارج في قوام الأصل الاجتماعي لمجتمع وأمة الداخل وليس العكس ، وعلى أساس اجتماعي لا تمييز عنصري وتأكيداً للحقيقة السابقة ودحضاً لأوهام الباطل عن دعاته قبل غيرهم هو أن الموروث الحضاري والتاريخي العريق لليمن يؤكد من خلال نصوص الوثائق المسندية بأن الكثير من الكَناء والمسميات الاجتماعية والمكانية والمهنية السابقة قد وردت كمسميات سبائية وحميرية وقتبانية قديمة، منها على سبيل المثال منطقة “الكبس” في خولان و”آل كبس” المكنى اسمهم باسم المنطقة، حيث يتحدث مطهر الإرياني في تفسير نص مسندي مطول في كتابه المعروف “في تاريخ اليمن” عن “آل كبسمم في خولنم ومراعيهم ووديانهم وحصونهم...الخ” والطريف في الأمر أن مدينة أو قرية الكبس هذه تكاد تكون المنطقة الوحيدة التي لا يوجد بين أهلها ثنائية لكبسي سيد وكبسي غير سيد كما لاحظنا في كل المناطق الأخرى، بل الشائع أنهم جميعاً سادة بمنطق السياسة السلالية الخاطئة، وسبائيون وحميريون بمنطق الحقيقة والواقع والتاريخ، إلا أن اتخاذ هذه المنطقة واحداً من أهم مرتكزات النشاط الإمامي المتطرف قد فعل فعله في تغيير الانتماء الوطني الحق لليمن في الداخل إلى الانتماء الإثني والسلالي المغلوط والقادم من الخارج للكبس والكباسية جميعاً، وهو الأمر الذي ينطبق على بعض المناطق الأخرى التي اتخذت منها الإمامة مرتكزات لدعوتها كشهارة وصعدة وذمار إلى حدٍ ما، مع العلم بأن الأصل في الكنسية والهوية في المجتمع اليمني القديم والحديث قد ارتبط بالمكان والعمل أو المهنة بالدرجة الأولى وليس بالحسب والنسب فالانتماء ( خولاني ، عودي، شهاري،حضرمي،يافعي، ...الخ)، أو المهنة ( الحداد، النجار، الراعي، الفقيه، ...الخ)، قد كان وما يزال هو مقياس احترام الفرد وتحديد هويته الاجتماعية قبل حسبة ونسبة السلالي، حيث يذكر المؤرخ محمد يحيى الحداد نقلاً عن المؤرخ الألماني نيكلوس قوله: ( إن أساس تكوين القبيلة أو الشعب في اليمن القديم هي روابط العمل لا أواصر القرابة والدم، وأنه حتى القبيلة الحاكمة فإنها مكلفة بالعمل ، أي أنها لم تخرج عن اعتبار رابطة العمل هي أساس تكوينها (3) إلا أن ثقافة الانحطاط والتخلف والإمامة الظالمة نموذجها قد عكست كل المفاهيم والحقائق رأساً على عقب ، فهل آن للعقل أن يسترد رشده والحقيقة قوامها في وجه الخرافة والوهم المدمر لوحدة الأهل والوطن والمخزي في الدنيا والآخرة.
9- ما كل من يرفض الخطأ ويجرم أسبابه كمن ينتفع به ويصر عليه!
وحتى لا نقع في دائرة التعميم المطلق وغير المراعي للقواعد النسبية فيما يتعلق بخطأ وخطيئة كل أشكال التمييز الاجتماعي بين الإنسان وأخيه الإنسان بصفة عامة وما يتعلق بما نحن بصدده بشأن ما يعرف بالسادة أو الهاشميين بصفة خاصة في اليمن أو غير اليمن ، فإنه لا يمكن القول بأن كل من يعرفون بالسادة أو الهاشميين يؤمنون أو يعتقدون خطأ بكل ماسبق الحديث عنه من دعاوى النقاء السلالي وما يترتب عليه من حقوق مقدسة في امتلاك السلطة والوصاية على الدين ، بقدر ما أن المسألة نسبية إلى حد كبير ، فالغالبية ممن يسمون بالسادة أو الهاشميين لا يقولون قط بالحق المقدس في السلطة والوصاية على الدين والعقيدة لا لهم ولا لأي آخرغيرهم من البشر، لأن القول الفصل في السلطة أنها شورى بين المسلمين لقولة تعالى[ وأمرهم شورى بينهم] وأن الدين لله وعلاقة مباشرة بين العبد وربه دونما وصاية أو ولاية من أحد على ضمائر ومعتقدات الخلق دون الخالق أونيابة عنه، يؤكد ذلك أن الغالبية العظمى من هذه الفئة يعيشون في أمن وسلام مع بقية المجتمع دونما ادعى بأي من هذا أو ذاك من غير الطائفة الزيدية، بل الأكثر من ذلك أن الكثيرين من شرفاء وعقلاء من يسمون سادة وهاشمى الزيود أنفسهم قد وقفوا في وجه مثل هذه الدعاوى الباطلة وثاروا ضدها بكل الوسائل، ويكفي دليلاً على ذلك أن اغلب المناضلين ضد الإمامة التي كرست مثل هذه الدعاوى الباطلة هم من نفس الوسط الاجتماعي نفسه ، كما أن الكثير والكثير ممن وجدوا أنفسهم في هذا الوسط بحكم مولدهم ووهم سلالتهم التي تربوا عليها صغاراً قد رفضوها كباراً، وكثيراً ما يعانون من هذا الوهم الواقع عليهم والذين وجدوا أنفسهم فيه غير مختارين ويحملون وزر ما لا ذنب لهم فيه وهم غير مقتنعين به ، خصوصاً بعد أن أصبح التمييز ضدهم بعد الثورة ، بعد أن كان من اجلهم قبلها، ولا يجدون مخرجاً من هذه المحنة التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل ،والذين نأمل أن يجدوا في مثل هذا الجهد ما يعينهم على الخروج من محنتهم .
أما القلة المصرة على المضي في هذا الخطأ والخطيئة منهم ، فهم محترفو السياسة والإمساك بالسلطة والثروة والاستئثار بهما من دون الناس والذين مثلت الإمامة والأئمة نموذجهم الأبرز قبل الثورة ، والباحثين عنها بنفس الوسائل والدعاوى السلالية والعنصرية المتخلفة بعد الثورة وحتى اليوم ، ككلمات باطل يراد بها ما هو أبطل.
ولذلك فإن على كل الأبرياء من كل تلك الدعاوى الباطلة والمبطلة للعلم والعقل والدين وحقوق الإنسان أن يتجاوزوا دائرة الحيرة والصمت أو مجرد الهمس على استحياء في وجه هذه المحنة القديمة الجديدة إلى دائرة الضوء والصوت المرتفع في مواجهة هذه المحنة التي لم يبقَ منها إلا القليل ، لا لمجرد خلاص أنفسهم منها أمام الله والناس بل وخلاص المجتمع كله من خزيها وعارها وتبعاتها الخطيرة التي لا تحد « فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، » وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» صدق الله العظيم
10 - أنها نخبة سياسية تتميز بدنياً وليس اقليه مميزة سلالياً .
وأخيراً أين يمكن وضع هذه الجماعة المتميزة اجتماعياً- كما نرى – وليس المميزة عرقياً وسلالياًً- كما تدعي لنفسها خطأً-وكيف يمكن تصنيفها في البيئة الاجتماعية للمجتمع اليمني بالذات ؟
وللإجابة على هذا التساؤل البالغ الأهمية يمكن القول – بعد أن اثبتنا يمنيتها هويةً وتاريخاً- انه إذا ما تجاوزت هذه الجماعة كل الدعاوى السلالية المغلوطة والمطالب الحقوقية السياسية والدينية غير المشروعة المترتبة على الدعوى السلالية والسابق شرح وتحليل كل ذلك فإن من أسهل الأمور بل وأكثرها نفعاً وفائدة لهم ولغيرهم أن ينظر إلى هذه الجماعة باعتبارها عن حق وموضوعية هي أقرب إلى النخبة الاجتماعية والسياسية والثقافية المدنية المتطورة المتميزة إيجابياً بعدم الارتباط بالكثير من مكونات المجتمع الأكثر تخلفاً والأقل حداثة ومدنية كالقبلية والمناطقية...الخ
أنها نخبه سياسية مدنية من الطراز الأول وقد اكسبها تعاملها الطويل مع السلطة قبل الثورة بصورة مباشرة وبعد الثورة وحتى الآن بصورة مباشرة وغير مباشرة وما تتمتع به من فرص أفضل للتعليم واستقرار أكثر في الوظائف العامة ومن موقع صناعة واتخاذ القرار أكثر من غيرهم بلا منازع .. اكسبها كل ذلك خبرات كثيرة ومتنوعة ليس في التعايش مع كل المراحل والتكيف مع كل المتغيرات يميناً ويساراً واعتدالاً وتطرفاً، وتجاوزها لكل أزمات الصراعات السياسية الدموية على مدى نصف قرن منذ قيام الثورة وحتى الآن فحسب بل ولقد كانت هي المايسترو الذي يمتطي صهوة كل المراحل ويديرها عن قرب أو بعد، فهي رأس اليمين ورأس اليسار ورمز الاعتدال ومصدر التطرف وظل قرارات الصراعات السياسية الدامية وموقع إدارتها والأقرب إلى الانتفاع بها والأبعد عن خسائرها، أنها النخبة السياسية الأكثر احترافاَ وحضوراً في كل المتغيرات السياسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. يؤكد كل ما سبق القراءة المتأنية لكل الأحداث والمتغيرات السياسية منذ قيام الثورة وحتى الآن فإذا ما استثنينا ما حدث في الأيام الأولى من الثورة من توجيه ضربة عنف موجعة لهذه الفئة مع غيرها رؤوس النظام الإمامي ثم لا شيء تقريباً بعد ذلك حتى اليوم، بدأً بالحرب الملكية الجمهورية التي كان الشعب وقودها من الطرفين، مروراً بالصراعات والحروب الشطرية وداخل كل شطر على حدة بين الإخوة الأعداء ،وصولاً إلى الدعاوى الإمامية والانفصالية المعززة بالعنف في الوقت الراهن ، حيث نلاحظ كيف أن الإخوة الأعداء من شركاء مسيرة الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية قد أمعنوا في تصفية بعضهم البعض سياسياً وعسكرياً ، وأضعفوا بذلك مسيرة الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية بمعدل خسائر سياسية وعسكرية ووطنية فادحة وأكثر بكثير من معدل العمل على تعزيز وحماية هذه المسيرة حتى الآن ، بدءاً بالحروب الشطرية الباردة والساخنة بين الإخوة الأعداء على مدى ربع قرن من عمر الثورة والاستقلال ، مروراً بأحداث أغسطس 1968م و15 أكتوبر..... و13 يناير1985م في كلاً من المحافظات الشمالية والجنوبية على حدة قبل الوحدة وحتى حرب انتحار 1994م بعد الوحدة ، ولم يكن الحاضر والمستقبل المنظور على الأقل بأقل خطورة وإضماراً لصراعات وحروب الأخوة الأعداء في المستقبل مما حدث في الماضي ان لم يكن أخطر مع الأسف، في حين أن هذه النخبة السياسية المحترفة لم تكن هي مجرد الطرف الداخل في كل مكسب والخارج من أي خسارة في كل ذلك فحسب ،بل ومصدر صنع وتنفيذ القرارات الخاسرة والمضرة بمسيرة الثورة والجمهورية والوحدة تلك بصورة مباشرة وغير مباشرة، فهم اليمين وهم اليسار وهم الاعتدال وهم التطرف وهم السلطة وهم المعارضة ...الخ، ولغرض ما في نفس يعقوب ، وتطبيقاً لمبدأ “مالم يكن لي فعليا وعلى أعدائي” مع الأسف الشديد وأنا أجزم عن يقين اجتماعياً وبعيداً عن أي تعصب بالمحبة وحرصاً على خير الجميع بأن هذه النخبة لو استطاعت التخلص من عقدة السلالة والحق الإلهي وهي العقدة المرضية القاتلة بالنسبة لهم أكثر من غيرهم ووظفت قدراتها ومهاراتها السياسية المميزة وحضورها المدني المتطورفي ماهو مفيد ووطني عام بدلاً مما هو سلبي وانفتحت على التكوين الاجتماعي العام للمجتمع اليمني وأندمجت فيه بحق لكانت هي مع كل النخب المدنية الحديثة التي أفرزتها مسيرة الثورة والجمهورية والوحدة هي الأقدر على حسم كل مواقع الصراع مع موروث التخلف القبلي والمناطقي والمذهبي والرجعي وتحقيق المجتمع المدني الحديث والمتطور والمزدهر وحتى لا تظل فاقدة لمصداقية الانتماء الوطني الصادق مهما أدعت لنفسها ذلك وعملت من أجله يحق ما لم تعلن خلاصها من هذه العقدة المرضية القاتلة بالنسبة لها قبل غيرها وحتى لاتظل في نظر الآخرين موضع شك وعدم استحقاق للثقة مهما بلغ صدقها الوطني وجدارتها السياسية والقيادية ،بل وحتى لا تتحول من فئة تميز نفسها سلالياً ودينياً وسياسياً بدون حق كما في الماضي وحتى الوقت الحاضر إلى فئة مهمشة يتم التمييز ضدها بدون حق أيضاً فهل تقوى هذه الفئة النخبة على الخروج بنفسها من عقدة الوهم الخاطئة والقاتلة إلى رحاب الحقيقة المشرقة لتفوز بما هي جديرة به وأكثر مما تحلم به عن حق وبحق؟ ذلك ما ندعوها إليه ونتمناه لها ولنا جميعاً ، [ إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ] صدق الله العظيم
الملاحظة الأهم والختامية في هذا الصدد.
أما آخر الملاحظات والحقائق الاجتماعية الخطيرة والمتعلقة بالمستقبل أكثر من الماضي وخاتمتها فهي أن الأمر لم يعد تمييزاً أثنياً خاطئاً لفئة حاكمة عليا في قمة الهرم الاجتماعي كما كانت عليه الحال قبل الثورة، لأن الثورة المباركة قد وضعت حداً لهذا التمييز السياسي والأثني الخاطئ، والذي كان للغالبية من أوساط هذه الفئة نفسها من الهاشميين شرف النضال ضد الإمامة وتمييزها وظلمها السياسي والاجتماعي والانتصار للثورة والجمهورية كما سبق وأن أشرنا في موضع سابق، وتكاد المشكلة اليوم أن تتحول إلى مفهوم عكسي تماماً، فبدلاً من التمييز الأثني الخاطئ لصالح هذه الفئة صعوداً في قمة الهرم الاجتماعي في الماضي يكاد يتحول اليوم إلى تمييز أكثر خطأ ضدها في قاع المجتمع، بفعل ما يتسبب به البعض من بقايا مرضى النفوس منهم ممن لا يزالون يتشبثون بأوهام الماضي المظلم، وردود الفعل المضاد بنفس الطريقة من قبل البعض في الجانب الآخر، والذي لا يقل سوءاً وخطورة وإضراراً بالوحدة الوطنية بالأهل والوطن والدين والدنيا من سابقه، وما فعل فئة ما صار يعرف اليوم ب “الحوثيين” والذين بدلاً من أن يستكملوا تطهير نفوسهم من بقايا الإرث الإمامي السيء وإصلاح ما لحق من أذى وتشويه بأكثر تيارات الفكر الإسلامي عقلانيةً واستنارةً للإمام زيد والزيدية ذات الأصول الاعتزالية،ولكن بدلاً من كل ذلك انزلقوا إلى ما هو أسوأ نحو الارتهان السياسي والعقائدي الأكثر لغلاةً الشيعة الجعفرية وأكثرها تطرفاً، بحثاً عن تجارة الدين بالدنيا أو تجارة الدنيا بالدين، كما أن ردود الفعل العكسية في الاتجاه الآخر المختلف عنه في الوسيلة والمساوي له في النتيجة عنا ببعيد، والذي انعكس كل ذلك على فئات وأناس آخرين لا ناقة لهم ولا جمل فيما جرى أو ما يجري وهي في الأخير والأهم دعوة وطنية ودينية وعلمية وإنسانية صادقة لكل العقلاء والشرفاء من أهل هذا الوطن لأن يربوا بأنفسهم عن مثل هذه المتاهات والأوهام والمخازي وأن ندفع معاً بعجلة التغيير والتطور نحو آفاق الحقوق المدنية والإنسانية المتساوية والمتكافئة بين البشر التي هي حقيقة ديننا الإسلامي وحقيقة عالم اليوم وشعاره الأول، وليس الوقوف ضدها عبثاً أو العودة بها إلى الخلف غباوة وحماقة، لأنه إذا كان أسوأ ما في تاريخ الإنسانية من بشاعة التمييز العرقي والعنصري في أمريكا والذي ذهب ضحيته ملايين البشر من الأفريقيين وغيرهم في تجارة العبيد قد ولا وتجاوز العبد وسيده خزيهم التاريخي في الماضي غير البعيد إلى فخر الأخ وأخيه بحياة المواطنة المتساوية والتي لم تعد تفرق بين “بوش” الأنجلوسكسوني الأصل “ وأوباما حسين” الأفريقي الأصل أيضاً في حكم الولايات المتحدة الأمريكية التي تستحق اليوم لذلك وبسببه أن تكون ما هي عليه من قوة وازدهار وتسيد عالمي، في حين أننا ما نزال نفتش عن عفن التاريخ، لا في أنظمة السلالات العرقية والعائلية في السلطة للأنظمة الجمهورية قبل الملكية والسلاطينية فحسب بل وحتى في من يحق لهم أن نزوجهم من بناتنا ممن لا يحق لهم ذلك، ومن يرتدي العمة الفارسية و”التوزه” ممن يرتدي عكوة القبيلي في حفل العرس، ومن ينتمي لقبيلة أو طائفة أو عائلة أو منطقة “س” أو “ص” من الناس ليتم في ضوء ذلك وبمقتضاه توزيع الحقوق السياسية والاجتماعية على كل المستويات، بدءاً من موقع اتخاذ القرار وحتى قضاء أبسط المعاملات الإدارية، بدلاً من حقوق المواطنة المتساوية وأولوية الأهلية والجدارة وتكافؤ الفرص تحت مظلة القانون والنظام، ولأننا لا نؤمن ولا نعمل بأي من ذلك رغم أننا كنا الأسبق إليه في الماضي “ ديناً وحضارة “والأولى به في الحاضر تقدماً وازدهاراً ووحدة صرنا فيما نحن فيه من التخلف واستحققينا ما نحن عليه من المهانة والهوان بين الأمم، ولأنهم آمنوا بكل ذلك وعملوا به استحقوا ما هم فيه من تقدم وازدهار وما هم عليه من عزة ووحدة وقوة، ونحن بخلاف ذلك أو العكس منه استحققيناً ما نحن فيه، ولن يتغير حالنا إلا حينما نعير أنفسنا أولاً، لقوله تعالى.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ... كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }
صدق الله العظيم
الهوامش:
(1) انظر تفاصيل أكثر في هذا الشأن في حمود العودي ، الهوية الثقافية الوطنية في اليمن ، الناشر مركز منارات للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل 2007م .
( 2) حينما ذهب الإمام زيد من المدينة – إلى جنوب العراق استجابةً لدعوة المتذمرين من السلطة بهدف قيادة الثورة والخروج على الظلم تصالح والي العراق مع المتذمرين من شيعة وسنة على بعض المال والنفوذ قبل وصول زيد بن علي وخوفاً من تأثيره، وبعد وصوله احتار المتذمرون في كيفية الخروج من الورطة ووجدوا مخرجهم في سؤاله عن إمامة الشيخين أبي بكر وعمر، وكانوا يعرفون بأنه لا ينكرها عليهم لأنه هو صاحب الرأي بإمامة الفاضل رغم وجود الأفضل وهو علي، فلما سألوه أجاب بقوله “أخ كريم وابن أخ كريم، فقالوا له إذن لست من آل البيت ولا نصرة لك عندنا، وتركوه ضحية بطش الوالي وجنده وقتل مع من بقي معه، إذا لم يكونوا قد اشتركوا في قتله، وهكذا دفع الإمام زيد حياته ثمناً لكلمة حق في وجه باطل التعصب الأثني والسلالي الممقوت .
(3) انظر حمود العودي: الهوية الثقافية الوطنية في اليمن أبعادها النظرية ودلالاتها الموضوعية ، الناشر مركز “منارات” للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل 2007: مطابع الشؤون العامة والتوجيه المعنوي.
- وانظر في ذلك أيضاً . محمد يحيى الحداد :تاريخ اليمن السياسي ص124 ،ص125. مع ملاحظة أن كلمة جماعة ترد باسم قبيلة وهي ترجمة خاطئة للكلمة الأصلية الثابتة في الخطوط المسندية وهي كلمة “شعب” وليس قبيلة إشارة إلى المجتمع المحلي،كشعب إم خولنم وشعب إم بعدنم وشعب إم حشددم ...إلخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.