مرة أخرى فرضت مشاكل عمال النظافة هيبتها على طاولة الساسة وقفزت إلى مقدمة هموم المواطن.. بل وجعلت من قضايا الانفلات الأمني وهموم الاقتصاد اليمني المتدهور مجرد قضايا هامشية. ليس أدل على ذلك إسقاط عمال النظافة لأمين عاصمة البلاد وفرض هيبتهم من خلال إضرابهم الذي أفضى إلى تغيير قيادة أمانة العاصمة، بعد أن استطاعت تلك الهيبة استصدار قرار جمهوري بهذا الشأن. فبعد يومين فقط من قرار تعيين أمين جديد للعاصمة شحذت همم مسئولي النظافة المحليين بل وقيادات السلطة المحلية في غير واحدة من المدن الرئيسية التي عانت من أكوام القمامة لنرى النظافة تعود بعد أسابيع من تكدس الأوساخ، ليؤكد عمال النظافة سطوتهم ويثبتوا لنا إننا لسنا بصدد الاستغناء عن خدماتهم أبداً. أوضاع النظافة في العاصمة والمدن الرئيسية في اليمن ألغت سطوة الهاجس الأمني – المنفلت أصلاً – وجعلت من النظافة التي افتقدتها شوارع وأحياء البلاد منذ أسابيع حديث تلك الشوارع والمجالس وطغت حتى على مشاكل الكهرباء في عدن وهموم المياه في تعز. عودة مشكلات النظافة إلى السطح وتربعها على قمة هرم القضايا اليمنية مرجعها الأساس حقوق عمال النظافة الضائعة – على الأقل من وجهة نظر العاملين – غير إن قيادات سياسية من بينها رئيس مجلس الوزراء محمد سالم باسندوة أشار في تصريحات إعلامية مؤخراً إلى وجود ما وصفه ب (المماحكات) من قبل (جهات) تعمل دون عودة عمال النظافة إلى استئناف أعمالهم.. الغريب في الأمر إن قيادات الدولة العليا تعي جيداً وتدرك أن ثمة من يحاول تعطيل مهام العاملين البسطاء، والاكتفاء ببعث رسائل إلى (جهات) غير معروفة دون القيام بمحاسبة تلك الجهات أو على الأقل الكشف عنهم وفضح أفعالهم. قيادات محلية في عدن – التي تعاني هي الأخرى من تراكم القمامة – أشارت في تصريحات ل (الجمهورية) إلى إن الإضراب عاود من جديد بسبب التأخر في صرف المستحقات من المركز في صنعاء، وهي المستحقات التي وعدت قيادات صندوق النظافة بعدن بصرفها للعاملين خلال أشهر، غير إن فترة الوعود طالت دون أن يتسلم عمال النظافة حقوقهم، ويبدو إن الأمر ذاته يتكرر في كل مدن اليمن. حتى الحلول الإسعافية في عدن مثلاً والتي انتهجتها القيادات المحلية كاستجلاب أو استئجار آليات ومعدات وعاملين للقيام بمهام العمال المضربين لم تستطع الوصول إلى مختلف المناطق التي تتراكم فيها القمامة، واقتصرت على أحياء المسئولين والحارات الراقية، وتركت المناطق الشعبية المزدحمة تواجه مصيرها ومعركتها مع العفونة والأوساخ. ورغم مبادرتهم في العام الماضي بتشكيل لجان شعبية في الأحياء لانتشال أكوام القمامة من الشوار إلأا إن مواطني عدن ما زالوا يحذرون من استمرار الوضع على ما هو عليه خاصة مع اقتراب شهر رمضان الكريم الذي تكثر فيه العادات الغذائية السيئة – رغم تناقضها مع غايات الصيام وروحانية الشهر – مذكرين بمشلكة العام الماضي التي لم يستطيعوا تجاوزها إلا من خلال أفكار ومبادرات اللجان الشعبية تعزز مسئولية المواطن تجاه وطنه ومجتمعه. سطوة النظافة وهيبتها والأكوام الملقاة على ضفاف الشوارع كادت تودي بقيادات محلية أخرى في محافظات عدة مسئولة مباشرةً عن استمرار هذا الوضع غير الحضاري إن لم يتم تدارك المشكلة التي لا تقل سوءاً عن القضايا المزمنة كالكهرباء والمياه والأمن المنفلت. القمامة تتكدس في العاصمة وفي كل أصقاع الوطن، قد يكون هناك من يقف خلف العاملين المضربين غير إننا لا نستطيع أن ننكر حقوقهم التي يبذلون من أجلها أسمى الأعمال.. يكفي إنهم ينظفون أوساخنا.