فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مصرع الابتسامة»
سقوط مشروع الدولة الإسلامية في اليمن «1938 – 1948م»
نشر في الجمهورية يوم 25 - 09 - 2012

في البداية كان ثمة سؤال، ثم انثالت أسئلة كثيرة بعد ذلك تبحث لها عن إجابات، لكن يظل الدافع الأول إلى ذلك هو إشباع رغبة المعرفة، لكنه يستحيل أخيراً إلى عزم على إجلاء الحقائق وإنصاف التاريخ من سطوة السياسة.. هكذا بدأ الكاتب المبدع والصحافي المتميّز الأستاذ حميد أحمد شحرة رحمه الله بسرد تفاصيل فكرة تأليفه كتاب «مصرع الابتسامة.. سقوط مشروع الدولة الإسلامية في اليمن 1938م – 1948م» والذي سوف نتناوله في ثنايا هذه السطور.
هذا الكتاب يسلّط الضوء على دور جماعة الإخوان المسلمين (بمصر) في الحركة الوطنية اليمنية في عهد الإمام يحيى، وصور دعمها للمعارضة اليمنية, وموقفها من الانقلاب الدستوري في 17 فبراير 1948م.
يحتوي الكتاب على 343 صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على ثمانية فصول تشمل الخاتمة والملاحق والوثائق والمراجع التي استند إليها المؤلف.
الأستاذ نصر طه مصطفى قدّم لهذا الكتاب يقول عنه:
«ليس سرّاً القول إنني رغم كل قراءاتي عن ثورة 17 فبراير 1948 ضد نظام الإمام يحيى فلم أكن أدرك عمق العلاقة بين حركة الأحرار اليمنيين وحركة الإخوان المسلمين في مصر، ولعل هذه ميزة الكتاب التي تجعل منه إضافة حقيقية للمكتبة اليمنية والمصرية؛ بل المكتبة العربية والإسلامية، فهو غير مسبوق بمادته البحثية والتوثيقية؛ إذ لم يسبق لأحد أن تناول موضوع تلك العلاقة التي غيّرت وجه اليمن بهذه الدقة وهذا القدر من التفاصيل التي أدرك يقيناً أنها ستفاجئ الكثيرين ممن سيطّلعون عليها.
وفي تقديري أن تخصيص دراسة وثائقية كاملة حول طبيعة العلاقة في حركة الإخوان المسلمين بمصر وحركة الأحرار اليمنيين لهو جدير بالجهد والبحث والتقصّي وليس فقط لأن ثورة 48م هزّت المنطقة العربية كلها، ولكن - إلى ذلك - فإن حركة الإخوان المسلمين استطاعت أن تحيي الفكرة الإسلامية وتجسدها إلى واقع بعد ركود طويل أصابها..».
إشارات
في ثلاث إشارات أشار الكاتب بداية إلى أن هذا الكتاب «مصرع الابتسامة» لا يؤرخ للحركة الوطنية اليمنية أو المعارضة اليمنية في عهد الإمام يحيى، فهناك العديد من الكتب والدراسات التي تناولت هذا الجانب، أما الكتاب الذي بين يديك فهو يسلّط الضوء على دور جماعة الإخوان المسلمين (بمصر) في الحركة الوطنية اليمنية في عهد الإمام يحيى، وصور دعمها للمعارضة اليمنية، وموقفها من الانقلاب الدستوري في 17 فبراير 1948م.
كما أشار إلى الجدل الذي ثار ويثور حول التسمية المناسبة للحدث الذي وقع في 17 فبراير 48م، هل هو انقلاب أم ثورة أم حركة؟!.
ويقول الكاتب: «شعرت أن من واجبي رفع الغبن والظلم التأريخي عن جماعة قدّر لها أن تخوض معركة مبكّرة مع التخلّف الضارب جذوره في وطني، في حين كان الآخرون يباركون هذا التخلف ويدعمونه».
ويعترف المؤلّف بخصوصية العلاقة التي تربطه بموضوع الكتاب؛ لكنه مع ذلك يقول: «حاولت الانحياز إلى الأمانة التاريخية، وأظنها نحازت إليّ؛ لأنه لا خيار أمامها إلا ذلك».
مدخل إلى مرحلة تاريخية
العنوان آنف الذكر هو الفصل الأول من الكتاب، استعرض فيه المؤلف حميد شحرة - رحمه الله - الإمامة والإمام في اليمن (1918 – 1948م) حيث تناول التسمية التاريخية لليمن آنذاك، وكيف تم تشطير اليمن إلى شطرين «شمال وجنوب».
موضحاً حالة الشعب اليمني في الشطر الشمالي في فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين، حيث يقول: «تراجعت البلاد تراجعاً مخيفاً في أحوالها العامة وخصوصاً مجالات التعليم، الصحة، المستوى المعيشي للمواطن».
كما تناول في هذا الفصل فلسفة الزيدية في الحكم، مشيداً بالعلماء المجدّدين المجتهدين الذين خرجوا من عباءة التعصّب والجمود ليعملوا على تنقية الدين من الشوائب وإعادته إلى صفائه وإلى عدالته ومناهضته للعنصرية والسلالية؛ وذلك بعد أن انحرف أئمة وفقهاء المذهب الزيدي عن جادة الصواب، ومن هؤلاء العلماء المجدّدين العلامة محمد بن ابراهيم الوزير – الإمام محمد بن اسماعيل الصنعاني – شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني – الشيخ صالح المقبلي... إلخ.
وفي ثلاث صفحات تقريباً استعرض حركة المعارضة اليمنية «1938 – 1948م» ذاكراً كيفية تشكيلها ومراحل تطوّرها، وأنها لم تظهر إلا في وقت متأخر وتحديداً في أواخر الثلاثينيات ومطلع الأربعينيات، وجاءت كنتيجة طبيعية لمقدّمات سبقتها إثر الهزيمة التي مُني بها النظام الإمامي على يد قوات الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1934.
وقد قسّم المؤلّف المعارضة إلى ثلاث قوى حسب دوافعها وثقافتها؛ الأولى مجموعة علماء ومثقفي المذهب الهادوي، الثانية مجموعة الشخصيات الهاشمية الطامحة إلى الحكم من الأسر والبيوت «بيت الوزير – بيت شرف الدين» والمجموعة الثالثة تتمثّل في عدد من الشباب المتعلّم والمثقّف وهم الأكثر استحقاقاً لتسمية "الأحرار اليمنيين" بحسب قوله.
وفي نفس الوقت يذكر أن قوى المعارضة الثلاث اتصلت بجماعة الإخوان المسلمين بصورة مباشرة وغير مباشرة.
ثم تناول بعد ذلك المؤلف في هذا الفصل جماعة الإخوان المسلمين (1928 – 1948م) منذ تأسيسها في شهر ذي القعدة 1347ه الموافق مارس 1928 مكوّنة من ستة أشخاص يقودهم شاب صغير السن اسمه حسن البناء (1906 – 1949) مستعرضاً عالمية الدعوة والحركة ومدى توسّعها وانتشارها في الأقطار العربية.
اكتشاف مملكة الإمام
بحكم أن الكتاب - كما ذكرنا سابقاً - يسلط الضوء على دور جماعة الإخوان المسلمين في الحركة الوطنية اليمنية، فإن المؤلف تعمّق أكثر وبدأ يسرد بالتفصيل دور الجماعة في ذلك، مستنداً إلى وثائق ومراجع جماعة الإخوان المسلمين، أيضاً اعتمد على العديد من الصحف والمؤلفات التي تناولت جماعة الإخوان بشكل عام ودورها في دعم المعارضة اليمنية بشكل خاص، حيث تناول بداية في هذا الفصل والمعنون «مع الحاكم والمحكوم» منطلق دعوة الإخوان في اليمن، ذاكراً - بحسب بيان للإخوان المسلمين - أن العلاقة بدأت بتعرُّف الأستاذ حسن البناء بالعلامة (محمد زبارة) أمير القصر السعيد، وكذلك الاهتمام الكبير الذي نال اليمن من قبل مؤسس الجماعة الأستاذ حسن البناء شخصياً وذلك من خلال اهتمامه بحصول أبنائه على التعليم والصحة الجيدة وغيرها من الخدمات والتي لن تتحقّق في ظل نظام إمامي قمعي متخلّف.
كما ذكر موقف الإخوان المسلمين من الحرب اليمنية - السعودية؛ وذلك من خلال ما تم تناوله من مواضيع تدعو إلى إصلاح ذات البين في المجلة الاسبوعية التابعة للجماعة.
ثم بدأ المؤلف يسرد كيفية اكتشاف مملكة الإمام من قبل جماعة الإخوان المسلمين، حيث يقول:
«ظلّ الإخوان المسلمون ينظرون إلى اليمن من بعيد نظرتهم إلى الدولة الإسلامية الوحيدة في الوطن العربي حتى مرّت هذه العلاقة بمنعطفات مهمة ساهمة بالتدرج في تغيير نظرتهم إلى مملكة الإمام يحيى، ومن ثم إعادة اكتشاف اليمن وتصحيح نظرتهم تجاه نظام الحكم فيها وتجاه إمامها وأمرائها وإلى الأوضاع السيئة التي يعاني ويلاتها أبناء الشعب اليمني».. ونستطيع إيجاز هذه المنعطفات في العناوين التالية:
يمانيون في المركز العام، ويقصد مركز الإخوان المسلمين في مصر الذي التحق به كثيرون من الطلاب اليمنيين الدارسين في مصر.
المؤتمر البرلماني لقضية فلسطين، حيث يقول المؤلف إن هذا المؤتمر كان ممثل اليمن فيه هو سيف الإسلام الحسين بن الإمام يحيى، وطلب هذا الأخير من الأستاذ حسن البناء أن يختار له سكرتيراً من الإخوان يرافقه في هذه المهمة.
رسائل من الشعب اليمني تشكر موقف جماعة الإخوان، وأيضاً لقاء البدر بالأستاذ حسن البناء، وتفويض الأحرار للأستاذ حسن البناء؛ وذلك ليكون الناطق باسم حركة الأحرار في جامعة الدول العربية.
نافذة في جدار الجهل
استعرض المؤلف أيضاً في هذا الفصل جملة من أوجه الدعم التي قدّمها الإخوان المسلمون لحركة الأحرار اليمنيين قبل انقلاب فبراير 48م كمحاولة للإجابة عن سؤال دور جماعة الإخوان في خدمة القضية اليمنية قبل انقلاب 1948م، وذلك من خلال تبنّي مطالب الأحرار في صحافة الإخوان المسلمين، حيث دعم الأستاذ حسن البناء المعارضة قبل قيام الثورة بالنقود للأغراض الإعلامية، لكن كما يقول إن حكومة الانقلاب لم تتمكّن من تسديدها لفشلها،أيضاً نصائح الأستاذ حسن البناء لحكام اليمن.. ويختتم ذلك بالقول: «كان إعداد الشعب اليمني وتأهيله لاستقبال أي انتقال قد يحدث على صعيد الإصلاحات السياسية أمراً بالغ الأهمية لم يوله الأحرار اليمنيون اهتماماً كافياً، فكان له نتائجه السلبية على خططهم ومستقبل حركتهم، أما الإخوان المسلمون فقد أولوا ذلك أهمية خاصة في إطار دعمهم قضية اليمن من خلال ابتعاث معلمين ومدرسين من الإخوان المسلمين في مصر إلى اليمن للقيام بالتعليم في مدارسها القليلة، وكانت أول دفعة وصلت إلى اليمن من أولئك المعلمين في يناير 1947م وتضم فيها عدداً من الإخوان المسلمين تم توزيعهم على ثلاث محافظات «صنعاءالحديدةتعز».
تأثُّر الأحرار بفكر الإخوان
في الفصل الثالث استعرض المؤلف الفكر والتنظيم لجماعة الإخوان المسلمين، وكيف أثّر ذلك الفكر على الطلاب اليمنيين في مصر آنذاك والذين أصبحوا فيما بعد هم الأحرار اليمنيين المقاومين لنظام الإمام يحيى «يظل برنامج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الوثيقة الأكثر تعبيراً عن تأثير جماعة الإخوان المسلمين في حركة الأحرار اليمنيين».
كما استعرض عملية تأثير فكر الجماعة على نهج الأحرار وسلوكهم وانتهاجهم المعارضة الإصلاحية التي كانت تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين.
صفحات من حياة مجاهد عظيم
خصّص الفصل الرابع من هذا الكتاب باسم «الفضيل الورتلاني» حيث تناول المؤلف هذا الرجل بالتفصيل، حيث بدأ بهذه الأسئلة:
- من هو هذا الرجل الذي غيّر مجرى التاريخ اليمني المعاصر، وما علاقته بحركة الأحرار اليمنيين، وما صلته بجماعة الإخوان المسلمين، وكيف جاء إلى اليمن، وما حقيقة الدور الذي لعبه في مسار الأحداث فيها وانتهت بثورة 1948م؟.
ثم بدأ بالإجابة عن كل تلك الأسئلة، مستعرضاً في ذات السياق قصة الميثاق الوطني المقدّس الذي كان الفضيل الورتلاني أحد المشاركين في صياغته، وقد لخّص دور الفضيل الورتلاني في اليمن بالآتي:
1 قام بتجميع معارضي بيت حميد الدين داخل المملكة المتوكلية وتوحيد قواهم.
2 استطاع إقناع المتردّدين من الشخصيات اليمنية البارزة من علماء ومشائخ وضباط بالانضمام إلى صف المعارضة.
3 كان همزة وصل بين المعارضين للإمام يحيى في أنحاء المملكة المتوكلية وبين الأحرار خارجها.
4 قام بتحديد المهام العاجلة للمعارضة، وتحديد الخطوات المطلوبة منها في تلك المرحلة.
5 أسهم بفاعلية في تحديد شكل الحكم المراد إقامته في اليمن من خلال الميثاق الوطني المقدّس.
الخطأ الذي صار ثورة
بعد أن استكمل المؤلف سرد تفاصيل دور جماعة الإخوان في دعم حركة الأحرار اليمنيين ودعم المعارضة اليمنية لنظام الإمام يحيى - كما ذكرنا سابقاً - بدأ يسرد تفاصيل نتائج ذلك الدور ابتداءً من الانقلاب الدستوري، وقصة مقتل أو موت الإمام يحيى قبل شهر تقريباً من الانقلاب الذي كان يخطّط له الأحرار والذي صار فيما بعد شائعة قضت على حلم الأحرار، وفي كل تلك الأحداث كان دور جماعة الإخوان واضحاً وجلياً؛ وهم على معرفة بكل تفاصيل القضية رغم أنهم كانوا ينفون أي دور لهم عن مخطّط الانقلاب وذلك عبر صحفهم.
في 14 يناير 1948م انطلقت شائعة تقول إن الإمام يحيى توفي، فكشف الأحرار كل أوراقهم وترتيباتهم ونشروها في صحيفتي «صوت اليمن» في عدن و«الإخوان المسلمون» في القاهرة.
ثم يقول المؤلف بعد ذلك: «لقد كانت تلك الشائعة هي الخطأ الأول الذي فتح الباب أمام الأخطاء الأخرى التي صنعت فشل الانتقال الدستوري في عام 1948م، وأصابت الحركة الوطنية اليمنية بمقتل، وخيّبت آمال جماعة الإخوان المسلمين في مصر».. ثم يتساءل المؤلف: «هل كان الإخوان المسلمون على علم بقرار اغتيال الإمام يحيى، وكيف تعاملوا مع خبر مصرعه في 17 فبراير 1948م؟».
ويجيب عن ذلك بالقول: «لقد نفى الإخوان المسلمون بعد فشل انقلاب 1948م أن تكون لهم علاقة بمقتل الإمام العجوز أو أن يكونوا على علم بما يخطّط له المعارضون، كما أنكروا أية صلة تنظيمية تربطهم بالفضيل الورتلاني، وتبرأّوا مما يكون قد أقدم عليه من أحداث اليمن».
وكمحاولة منه لمعرفة تلك التفاصيل بدقة ومدى مصداقية جماعة الإخوان المسلمين أثار سؤالاً آخر:
«هل كانت مواقف الإخوان هذه صادقة وصريحة، أم كانت محاولة لتبرئة أنفسهم من تهمة استخدام القوة والعنف وتهديد العروش والملوك؟!».
وهنا بدأ الإجابة عن هذا السؤال مستنداً إلى وثائق ومراجع لجماعة الإخوان، حيث يقول:
«ما نستخلصه من قراءة سريعة للأحداث والوثائق المتعلقة بتلك المرحلة تجعلنا نقرّر أن الإخوان المسلمين لم يكونوا وراء "الانقلاب الدستوري" لكنهم دعموا حركة الأحرار اليمنيين وأساهموا في قضية اليمن من أجل إنجاح الانتقال الدستوري، وبالتالي فقد فوجئوا بخبر موت الإمام يحيى مثلهم مثل غيرهم».
وفي جانب آخر يقول الكاتب عن صحافة الإخوان في المعركة:
«كانت صحافة الإخوان المسلمين هي الوسيلة الوحيدة الإعلامية التي انحازت إلى صف الانقلابيين، وعبّرت عن طموحاتهم وتطلعاتهم، فدافعت عن رجالات العهد الجديد، وهاجمت خصومهم، وقامت بالدعاية للحكومة الدستورية وكسب التأييد لها عند الرأي العام العربي، وتناولت بالنقد مساوئ العهد البائد».
طوال ثلاثة أسابيع هي كل عمر الانقلاب الدستوري كان الإخوان المسلمون هم القوة الوحيدة التي وقفت مع الحكومة الدستورية الجديدة في اليمن، ولم تغيّر موقفها حتى بعد سقوط صنعاء في أيدي القبائل الموالية للسيف أحمد، فقد ظل الإخوان يسجلون الموقف تلو الآخر تأييداً لحق الشعب اليمني في الحياة والحرية وحقه في العدل والمساواة.
قبل إسدال الستار
بعد أن سرد المؤلّف في الفصل السابق كيفية تفاصيل الانقلاب الدستوري الذي كان مخطّطاً له من قبل الأحرار اليمنيين وموقف جماعة الإخوان من ذلك والذي فشل لأسباب ربما كانت غير متوقعة ومدروسة بدقّة، يعرض المؤلّف في هذا الفصل الأخير من الكتاب قبل الخاتمة الفشل والنتائج لذلك الانقلاب، ويسرد جملة من تلك الأسباب التي حالت دون تحقيق حلم الأحرار في ثورة 17 فبراير 1948م، وانعكاس ذلك الفشل على حركة الأحرار، حيث سلّط الضوء على جملة من الأسباب والعراقيل والإخفاقات والتي كان لجماعة الإخوان المسلمين صلة بها بصورة مباشرة وغير مباشرة ومن تلك الأسباب:
1 نشر مخطّطات الانقلاب الدستوري عبر صحف جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال نشر خبر وفاة الإمام يحيى، ونشر أسماء أعضاء الحكومة الدستورية قبل قيام الانقلاب.
2 مقتل الإمام يحيى، وردود الأفعال عليه لدى جماعة الإخوان.
3 مساهمة الفضيل الورتلاني في صناعة "الفشل" وذلك بعدم احتفاظه بسرية تحركاته، وأيضاً لم يتحفظ من جواسيس ولي العهد.
4 سوء تقدير الموقف من قبل جماعة الإخوان، وكما يقول "يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية في عدم تقديرهم الموقف الحساس ودرجة خطورته على الحكومة الدستورية".
5 دعم الإخوان المباشر للانقلاب.
كانت تلك بعض أسباب فشل انقلاب ثورة 17 فبراير 1948م ضد نظام الإمام يحيى كما ذكرها المؤلف، أما بخصوص نتائج ذلك الفشل فيقول: «في 21 فبراير 1948م اعترف بالإمام أحمد حميد الدين الملقّب ب«الناصر لدين الله» إماماً على اليمن، ومن حينها بدأت الأوامر تصدر منه بقطع رقاب قادة الانقلاب وذلك من مقر إقامته في مدينة حجة، وكانت الحصيلة استشهاد تسعة وعشرين شهيداً من خيرة أبناء اليمن ضرباً بالسيف في صنعاء وحجة وتعز، كما فقدت جماعة الإخوان المسلمين عدداً من أنصارها».. وبعد ذلك يقول المؤلف: «وبسقوط الانقلاب وتشرُّد وإعدام أنصار الإخوان في اليمن انتهى أي وجود للإخوان المسلمين داخل المملكة المتوكلية اليمنية طوال عهد الإمام أحمد حميد الدين (1948م 1962م) ولم يتمكن الإخوان المسلمون من العودة إلى اليمن إلا بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م من خلال عودة بعض الطلاب اليمنيين الدارسين في القاهرة».. وينتهي المؤلف من هذا الفصل بالقول: «بانتهاء الأحداث على هذه الصورة المؤلمة وبهذه النتائج، اعتبر الإخوان المسلمون قضية اليمن قضية خاسرة كلّفتهم كثيراً، وفتحت عليهم جبهات أكثر، ووضعت حركاتهم تحت المراقبة؛ الأمر الذي حصرهم في زاوية ضيقة وجعلهم عرضة للعراقيل والعوائق».. ولا شك أن الأستاذ حسن البناء كان أكثر الإخوان المسلمين شعوراً بالخيبة والهزيمة وأكثرهم إدراكاً للخطر الذي يتربّص بجماعته بسبب قضية اليمن.
الخاتمة
في أقل من صفحتين اختتم المؤلّف كتابه بخاتمة ذكر فيها موقف جماعة الإخوان المسلمين ودعمهم، ليس لقضية اليمن فحسب، ولكن العديد من القضايا التي استحوذت على اهتمام الإخوان منها القضية الفلسطينية والتي ضحّوا من أجلها بعدد من أبناء الجماعة - كما يقول.
كما تناول في هذه الخاتمة التوقيت الذي لقي فيه أحرار اليمن مصرعهم على يد الإمام أحمد، وفي ذات الوقت تمّت عملية اغتيال الأستاذ حسن البناء في 12 فبراير 1949م ما جعل جماعة الإخوان المسلمين مصدر قلق للقصر الملكي وللإنجليز وكذلك الأحزاب المصرية العميلة للقصر آنذاك، أما باقي الكتاب فقد خصّصه المؤلف للملاحق والوثائق والمراجع التي استند عليها.
أخيراً
حاولنا جاهدين وبقدر المستطاع أن نعمل على عرض هذا الكتاب «مصرع الابتسامة وسقوط مشروع الدولة الإسلامية في اليمن 1938م 1948م» للأستاذ حميد شحرة - رحمه الله.. وبذلك نعترف أننا لم نعطِ الكتاب حقّه، فالكتاب على أهميته - وكذلك المؤلف أكبر مما قدّمناه - فإن أحسنّا فمن الله، وإن أسأنا فمن أنفسنا والشيطان، وهو كتاب جدير بالقراءة، ونطلب المعذرة من القراء على التقصير.
«أنا راقبت دفن فرحتنا الكبرى
وشاهدت مصرع الابتسامة
ورأيت الشعب الذي نزع القيد
وأبقى جذوره في الإمامة
نحن شئنا قيامة لفخار
فأراه الطغاة هول القيامة»
الشهيد/محمد محمود الزبيري
«ثورة الشعر»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.