طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    "نوخان شبوة" تُسقط شبكة مخدرات: 60 كيلو حشيش في قبضة الأمن    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    انفجار مقذوف من مخلفات الحوثي في 3 أطفال في قعطبة    الحوثيون والبحر الأحمر.. خطر جديد على كابلات الأعماق مميز    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    تأجيل مباريات الخميس في بطولة كرة السلة لأندية حضرموت    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    عن العلامة اليماني الذي أسس مدرسة الحديث النبوي في الأندلس - قصص رائعة وتفاصيل مدهشة    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الأغنية في النضال الوطني
الفنان محمد مرشد ناجي: لأول مرة أقدم أغنية وطنية بعنوان «يا ظالم»
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2012

إذاعة عدن أوقعتني في فخ احتراف الغناء
هذه هي حكاية أغنية نشوان
لايبدو مهماً انتقاء وصف متميز لتقديم حديث الذكريات هذا مع الفنان القدير محمد مرشد ناجي، فضيفنا غني عن أي تعريف أو وصف، فهو فنان متألق ومخضرم ذاع صيته وانتشر اسمه منذ خمسينيات القرن الماضي ليصل إلى مختلف مناطق الوطن اليمني وأقطار الجزيرة والخليج والوطن العربي ككل وحيثما يحل أو يرحل يجد له من عشاق فنه والمعجبين بصوته الشعبي ما يجعله يحاول إخفاء وجهه عن الحضور خشية أن يضبط أحدهم دمعة فرح خجلى تتدحرج من عينيه الواسعتين.
ولأن الحديث عن الفنان والشاعر والملحن المرشدي حديث ذو شجون ليس هنا متسع له فقد حاولنا اقتفاء بعض آثار حياته منذ الولادة وحتى زمن نشوان، معترفين بأن ما لم نأت به في هذا الحديث هو الشيء الأجزل في حياة فنان يشارف على عقده الثامن ومازال فيه من روح وإبداع الشباب ما يجعلنا نتمنى عليه أن يمنحنا من عطائه الفني وإبداعه الراقي ما يمنحنا أكبر التفاؤل بأننا مازلنا نحيا في وطن فيه من العباقرة ولو شخص واحد.
وأجدر بالحكومة ممثلةً بوزارة الثقافة أن تلتفت إلى هذا العملاق والقامة الفنية السامقة الذي يعاني من المرض، وفاءً لدوره الوطني الفني الكبير.
الميلاد
يقول الفنان القدير محمد مرشد ناجي: أنا من مواليد 4 جمادى الآخرة 1348ه الموافق 6 نوفمبر 1929م في مدينة الشيخ عثمان من أم صومالية الأصل واسمها عورلاعبدي وفرعها الصومالي كما يقال عريق وأصيل، إذ إنها من قبيلة يقال إن جذورها عربية وتدعى مجيرتين .. لم تعلمنا أمي - أنا وإخوتي - اللغة الصومالية وكانت حتى إذا تحدث إليها نساء أو رجال من الصومال ترد عليهم بلغة مختلطة من العربية والصومالية، أما أبي فيعود إلى منطقة معافر “الشويفة” قال إنه ترك قريته هرباً من عذاب الإمامة وذلك في أثناء الحرب العظمى “1914 1918م”.
ويستعرض المرشدي بدايته مع الغناء بالقول: بدأت من البيت متأثراً بأبي الذي كان يتمتع بصوت جميل ولا يمر يوم دون أن يغني بمهاجل القرية وغنائها الشعبي وظلت عادة الغناء اليومية ملازمة له حتى آخر عمره وقد وجدت نفسي مشدوداً إليه، اصغي إليه باهتمام، كما كان أخي الأكبر أحمد من أمي مولعاً بالعزف على آلة السمسمية ويكاد يكون الأول في العزف على هذه الآلة الشعبية.
إلى جانب ذلك كنت استمع إلى الاسطوانات الشمعية لأغاني المطربين المحليين والعرب، فضلاً عن الحضور الدائم في حفلات الأعراس من الاستماع إلى المطربين الذين يحيون تلك الحفلات والتعرف على أشخاصهم.
أما بداية ممارستي للغناء فقد كانت في المرحلة الابتدائية، حيث كان في مدرستنا استاذ لطيف وفنان هو الأستاذ أحمد حسن عبداللطيف الذي اكتشف حبي للغناء وشجعني على أداء الأناشيد والأغنية المحلية عندما كنت أزوره في البيت كما كنت أصعد مع بعض الزملاء منارة مسجد الهاشمي في كل يوم جمعة قبل الأذان لنؤدي التذكير وهي أناشيد دينية كان يطلقها الفتيان عادة من فوق منارات جميع المساجد في ذلك الوقت كلها صلوات وتسليمات على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبدأ هكذاً:
الصلاة والسلام عليك ياسيدي يارسول الله وعليك صلى الله.
وكانت أول مرة أغني فيها على مستوى عام هي عندما حضرت حفل عرس في شارعنا وتعالت الأصوات من الجيران الذين كانوا يسمعونني أغني وغنيت أغنية كانت تستهويني وقتذاك “ بن هرهرة قال سالت دمعتي من عيوني، ولكثرة حفلات الأعراس كانت الحال تتكرار إذا ما حضرت ويعزف لي المطرب لحن الأغنية بين اعجاب الحاضرين وتشجيعهم لي..
واستمر الحال كذلك إلى أن جمعتني الصدفة مع الصديق الشاعر المرحوم أدريس أحمد حنبلة الذي اقترح عليّّ الانضمام إلى ندوة الموسيقى العدنية التي كان هو عضواً فيها، وفي تلك الفترة كانت تلك الندوة حديث الصحافة المحلية لأسلوبي الغنائي المتجدد المسمى وقتها بالأغنية العدنية ومحاولتها الخروج بالأغنية من الجمود الذي اعتراها بعد وفاة القمندان في لحج.
وفي يوم زياراتي للندوة غنيت من محفوظاتي بعض الأغاني المحلية والمصرية وتتابعت زياراتي لمقر الندوة في اللقاء الأسبوعي، ونتيجة لما لمست من الاهتمام من الندوة وعلى رأس الجميع الأستاذ الفنان خليل محمد خليل توطدت علاقتي مع الجميع كما كنت اقدم حينها عدداً من الأغاني في احتفالات نادي الشباب الثقافي اقدم خلالها الغناء المحلي القديم وأغاني خليل الجديدة والغناء المصري وهكذا..
مع التلحين
ويستعيد المرشدي ذكرياته ويقول: لم يكن يخطر على بالي أن أجرب التلحين، لكن هذا الأمر أخذ يطرح علي وقد تكلم معي بهذا الشأن الصديق الشاعر المرحوم محمد سعيد جرادة وقال: أنا علي القصيدة وعليك اللحن، وكتب القصيدة في الحال وناولني إياها وكانت قصيدة “ وقفة” واعتبرت ذلك من الصديق الجرادة بمثابة تشجيع لصديق لا أكثر ولا أقل.
ويضيف المرشدي: طبيعي أن البداية في التلحين بالشعر الفصيح أمر له صعوبته البالغة ولكن اعجابي بالقصيدة هزم التهيب في نفسي وظللت أياماً أعيش مطلع القصيدة إلى أن يتسلل مفتاح اللحن وأمضيت بعده شهراً حتى اتممتها وحينما أسمعتُ الإخوان اللحن في النادي وفي مقدمتهم الشاعر محمد سعيد جرادة استحسنوه ثم اتبعته بلحنين من شعر الجرادة أيضاً “هجرت وابعدتني، وشبابك ندي ريان” والأخيرة كتبها بالعافية بعد جهد مضنٍ معه.
المرشدي في إذاعة عدن.. حيرة ما بعدها
يعتبر الفنان القدير محمد مرشد ناجي أن شهرته الحقيقية بدأت بعد تسجيله لعدد من الأغاني في إذاعة عدن، ويشير أن الإذاعة التي تأسست في اغسطس 54م قد قررت في مستهل عام 55م دعوة المطربين لتسجيل أغانيهم، ويقول المرشدي: لم يكن في تقديري ان التسجيل للإذاعة سيدخلني في طور لم يكن في حسباني .. كانت المسألة في البداية من قبيل الهواية والترفيه سجلت وسجل غيري وكان مدير الإذاعة توفيق ايراني يضع أمامنا ساعة أثناء التسجيل ويقول سجل لمدة نصف ساعة والمقابل ثمانين شلناً وكنت أحتال عليه بتسجيل اغنيتين وبينهما تقاسيم لا معنى لها إلى جانب التكرار الممل لمقاطع الأغنية لكن الإذاعة كشيء جديد على الناس نالت أغانيها اعجابهم وما نالته هذه الأغاني من شهرة لدى المستمعين سجلتني كمطرب وطوقتني بمسئوليات ما كانت تخطر على البال.. واعتبرت أنني قد ضقت ذرعاً بهذا الوضع الجديد الذي أمسك بخناقي وأدخلني في مازق يصعب الفكاك منه، وقضية احتراف الغناء قضية مرفوضة من أساسها ولكن بعد شهرتي الواسعة من قبل الإذاعة وقعت في الممارسة الاحترافية، بدون مقابل، وإنما كنت أجهد نفسي دون طائل من أجل حب الناس ووقعت في حيرة ما بعدها حيرة.
مع الأغنية الوطنية
وإذا كانت إذاعة عدن قد وضعت الفنان المرشدي في حيرة ما بعدها حيرة لما منحته من شهرة ومعجبين وأجبرته على احتراف الغناء فإن منعطفاً فنياً آخر قد حدث أثر على نوعية الغناء الذي كان يؤديه.. وتمثل هذا المنعطف بقرار نادي الشباب الثقافي الذي كان عضواً فيه إقامة حفلة موسيقية تكون مدفوعة الدخول لمواجهة الضائقة المالية التي كان النادي يمر بها وذلك في مدينة الشيخ عثمان ويحيي هذه الحفلة الفنانين محمد مرشد ناجي وأحمد قاسم.. ويقول المرشدي: حاولت التخلص من هذه المهمة لكنهم اقنعوني بأسلوب تحريضي بضرورة دور الغناء في تدعيم المنظمات الوطنية.. ولم يدر بخلدي كما حدث مع الإذاعة أن هذه الحفلة ستدخلني في منعطف آخر مع الجماهير وفي منافسة فنية ومواقف لا نهاية لها وبنجاحها فتح الباب لحفلات فنية لا أول لها ولا آخر.
ويتذكر المرشدي: وفي هذه الحفلة قدمت لأول مرة أغنية وطنية بعنوان “ياظالم” من كلمات الأستاذ المرحوم عبدالله هادي سبيت وكنت أول من دخل هذا الميدان، ميدان الأغنية الوطنية، ولم يكن في تصويري أنني بهذه المبادرة ادخل منعطفاً جديداً وأصبحت الجماهير تطلب مني نشيداً وطنياً في كل حفلة، كما كان يطلب مني ذلك في “المقايل” بسبب الزخم الوطني الذي كان سائداً في مستعمرة عدن.
تمسك بالوطن
كان الفنان الكبير محمد مرشد ناجي خلال حياته الفنية الحافلة واحداً من رواد الأغنية، واستطاع بما قدم من أعمال وطنية وعاطفية رائعة ان يأخذ بألباب الجماهير التي عشقت فنه بل وحفظت معظم أغانيه.. ورغم حالات الشد والجذب التي عاشها المرشدي في علاقاته مع صناع القرار السياسي في عدن عقب الاستقلال عن الحكم البريطاني إلا ان ما يحسب لهذا الفنان أنه ظل متمسكاً بوطنه رافضاً اغراءات عديدة عرضت عليه في عدد من دول الخليج بل إنه رفض اغراءات أخرى قدمت إليه في سبيل ان يحظى منه بعض زعامات المنطقة بأغاني مديح، وذلك لكونه يؤمن ان الفنان ينبغي ان يظل أسمى من رماد الفلوس.
ويصعب الوقوف على عدد وأسماء الأغاني العاطفية والوطنية التي غناها المرشدي ونالت شهرة واسعة.. لكننا وفي معرض حديثنا عن هذا الفنان الشامخ اطال الله في عمره ارتأينا أن نكشف بعض أسرار أغنيته الشهيرة “نشوان” التي يبتهج لها البعض ويراها البعض الآخر مصدر حساسية.
يقول المرشدي عن حكايته مع نشوان:
في العام 79م بدأت مفارقات على حدود شطري الوطن واستمرت في التصاعد إلى درجة خطيرة، ودعيت في ليلة رمضانية إلى منزل الأخ علي ناصر محمد رئيس الوزراء وبحضور مجموعة من القيادات السياسية والشاعر الملحن حسين المحضار والفنان عبدالرحمن الحداد، قال الحاضرون: سمعنا أن لديك أغنية بعنوان "نشوان" نود سماعها وقلت: هذه أغنية رفضت كلماتها عام 77م من قبل القيادة، قالوا: نسمعها الليلة وفهمت واسمعتهم، فقال العميد علي أحمد ناصر عنتر: يا بن مرشد هذه الأغنية بمائة خطبة، وغداً تسجلها للإذاعة ولم يكن هناك أي ملاحظة على القصيدة لأن الحاضرين ما كانوا على علم بأسباب رفض القصيدة في العهد السابق سوى الرئيس سالمين وصاحبه عبدالفتاح إسماعيل.
وأقول إن هذه القصيدة التي كتبها الشاعر سلطان الصريمي ووجدتها منشورة في أحد أعداد مجلة الحكمة كانت قصيدة جريئة في تناولها لقضايا الأرض وهموم الإنسان اليمني في المناطق الشمالية وتمجد ما يجري من تحولات اقتصادية ووطنية في المناطق الجنوبية، وقد قرأت هذه القصيدة على الشاعر القرشي عبدالرحيم سلام بعد أن اخترتها لتقديمها كأغنية تعالج قضية الإنسان اليمني بشكل عام بأسلوب “المرمزه” الشفافة فقال خيراً ما اخترت ثم أطلعته على نيتي في إضافة بيت هاجم السلطة في الجنوب.. وأقصد بذلك الرئيس سالمين وجماعته وليس القيادة السياسية التي ما كان لها حول ولا قوة في الحكم، فقال القرشي: افعل ما بدالك .. وحانت حفلات اكتوبر 77م وكان أول من عرضت عليه قصيدة نشوان الصديق طه غانم، فقال: أبو علي هذا غير معقول! وأثناء حديثنا أقبل رئيس لجنة الاحتفالات الأخ سالم باجميل وكان صديقاً للرئيس سالمين وسألني بعد أن قرأ مطالع القصيدة أتريد أن تقدم هذه القصيدة؟ قلت نعم وماذا فيها؟ قال وماذا تعني بالعصابة؟ قلت: لست ما أعني أنا وإنما الشاعر قال: سأريها “الشيبة” ويعني الرئيس سالمين والأمين العام عبدالفتاح اسماعيل لمعرفته باللهجة ورفضت القصيدة وألغيت مشاركتي في الحفل.
المهم أنه بعد إجازة هذه الأغنية تم تسجيلها على العود عصر اليوم التالي ولم اندهش من ذكاء القيادة السياسية عندما ظلت الإذاعة تذيع إعلانات بين وقت وآخر من صبيحة اليوم الثاني تلفت انتباه المستمعين إلى إذاعة أغنية جديدة بعنوان نشوان في الخامسة بعد الظهر، الأمر الذي جعل المواطنين في الساحة اليمنية والجزيرة والاستريوهات في قمة الشوق لسماعها واذيعت الأغنية في موعدها.. ما أستطيع قوله أنها تعرضت إلى تحريم سماعها في المناطق الشمالية والجزيرة ولو سجلت إذاعة صنعاء الأغنية وقت إذاعتها من عدن لفسدت الأغنية وجعلت المستمع يفكر في كلمات الأغنية على أنها لا تهاجم صنعاء وحسب ولكن.. كما سرت إشاعة بعد ذلك بأن الشاعر سلطان الصريمي الذي كان وقتها يقيم في الحديدة قد رحل إلى صنعاء للاعتقال وهو ما يؤكد خطورة الأغنية الناجحة والتأثير الوارد فعاليته في الجماهير.. وقصيدة الشاعر سلطان الصريمي “نشوان” عندما نشرت في مجلة الحكمة اليمانية في عهد الرئيس الحمدي لم تنزعج منها الدوائر الحكومية المختصة لسبب بسيط هو أنها كانت خارج دائرة التأثير والفعل الجماهيري، ولكن عندما طارت على أجنحة نغم دخلت ضمن مكونات الذوق والإحساس الشعبي وهنا أحست الجهات المختصة بالخطورة وأعماها الغضب فلم تتفحص مضمون القصيدة ولا زمن كتابتها فداهمت الشاعر في مأمنه وهو لا يعلم من الأمر شيئاً.
واختتم الحديث بالقول: إن الصدق الفني في أغنية نشوان في عناصرها الثلاثة أعطاها الانتشار الواسع ليس في اليمن فحسب وإنما الجزيرة وعموم الخليج العربي والمنظمات الوطنية العربية على الرغم من لهجتها الكلامية لمنطقة معافر اليمنية وما تحمله في طياتها من مفردات “مرمزة” قد يصعب فهمها حتى على البعض من أهل المنطقة نفسها، وأقول هذا الكلام لمن أتعبوا الشعر والغناء في البحث عن التمجيد الاجوف للإنجازات العادية التي هي من صميم واجبات الدولة أو الفردية القيادية وأتعبوهما على الوجه الآخر في كتابة الملاحم الصغيرة والاوبريتات غير الدقيقة فنياً تحت دعاوي الأعمال الثورية والوطنية وصرفوا في سبيل ذلك مبالغ طائلة والناتج أن المواطن اليمني المقصود بكل هذه الأعمال، دعك عن غيره، لم يحس بها إطلاقاً لتجردها من الصدق في حياته السياسية والاجتماعية وبالتالي يأتي الخلق الفني باهتاً ولا يمتزج مع الوجدان الجماهيري. كما أن الفنان المرشدي كانت له صلته بالقيادات السياسية، فقد كان على صلة بعبدالفتاح اسماعيل الذي غنى له قصيدة “تاج النهار”.
نشوان
كلمات - د . سلطان الصريمي
نشوان لا تفجَعَك خَسَاسَة الحِنْشَانْ
ولا تُبَهِّر إذا ماتت غُصُون البان
الموت يا بن التعاسة يخلُق الشُّجعان
فكِّر بباكر ولا تبكِ على ما كان
قطر العروق جاء يُسقِّي الورد يا نشوان
حِسَّك تُصدِّق عجائب طاهِش الحَوبان
ولا تُصَدِّق عِصابَة عمَّنا رَشوان
أصحابها ضيّعونا كسّروا الميزان
باعوا الأصابِع وخلّوا الجِسم للديدانْ
وقطَّعوها على ما يشتهي الوزّان
فكر بباكر ولا تبكِ على ماكان
لكن دم الضحايا صانع الألحان
لحّن لصنعاء نشيد الأرض والريحان
ولاح برق المعنّى في جبل شمسان
ينقُش على الصّخر والأحجار والعِيدان
لكن زرع الحَنَش وحارس البُستان
يشتي يركّب برأس الجمبية جعنان
فكر بباكر ولا تبكِ على ماكان
نشوان أنا فريسة المصالح
ضحية الطبال والقوارح
من يوم خُلِق سيف الحسَن وصالِح
وانا وحيد في قريتي أشارح
أبني المَكَاسِر وازرَع البراصِح
والفائدة لِمَنْ مَسَبُّه فاتِح
والويل لمن في سُوقِنا يُصارِح
أو من بَجَش صِدقُه على الفَضَائِح
نشوان كم في جعبتي نصائح
وكم ورِم قلبي من الفضائح
وكم شسامِح لو أنا شسامِح
أوصيك لا تهرب ولا تمازح
لا تفتجع من كثرة المرازح
شُق الطَريق وظهِّر المَلامِح
حتى تُعانِق صبحنا تصافح
وينتهي الإرهاب والمذابِح
نشوان سامح من جِنِن وهَسّتَر
ومن رِدِع عَرض الجِدار وفكّر
ولا تُسَامِح من رقًد وفسّرْ
أو الذي من عَومَتُه تِكَسَّر
أما الذي عِند المصيبة يفتَر
وبالنفَس يَهدِر هَدِير عَنتَر
يحتاج تلقينه دُروس ومَعشَر
فهو من الحِنشانِ بَلْ هو أخطَر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.