توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    غارسيا يتحدث عن مستقبله    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظل مناضلاً يقارع الاستعمار البريطاني وتوفي بغدر مناضلي الأمس
السلطان الثائر محمد بن عيدروس العفيفي.. رفض الاتحاد الفيدرالي واعتبره سياسة استعمارية لطول بقائها
نشر في الجمهورية يوم 30 - 11 - 2012

هناك مناضلون بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل حرية الوطن وكرامته وعزته، بالرغم من إمكانهم العيش بترف من خلال مواقعهم السياسية أو الاجتماعية المرموقة وخاصة أولئك الذين كانوا يعيشون في كنف الاستعمار البريطاني خلال فترة بقائه في الشطر الجنوبي من الوطن.
فمن هؤلاء السلاطين والأمراء المشائخ فيما كان يطلق عليه قبل الاستقلال الوطني ال30 نوفمبر 1967م محميات الجنوب العربي، برز وبشكل مغاير لتلك الوجاهات الاجتماعية البارزة صوت الثائر الشاب الشهيد البطل السلطان محمد بن عيدروس العفيفي سلطان سلطنة يافع بني قاصد بأبين منذ قبل قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962م وال 14 من أكتوبر 1963م، حيث أقدم هذا الثائر البطل الجسور في ال 17 من أكتوبر 1957م بقيادة الانتفاضة والتمرد المسلح ضد الاحتلال البريطاني وأعوانه رافضاً كل الإغراءات التي قدمت له للعدول عن مواقفه الوطنية المشرفة ووساطات وجاهات من أبناء المنطقة والمشيخات الأخرى.
حيث كانت هذه الانتفاضة التي يتذكرها كل من عاشها من أبناء المنطقة والجنوب والشمال والوطن العربي ودول التحرر الوطنية الأخرى في عالمنا.. كان لها صدى كبير مما تناقلته وسائل الإعلام حينها من هذه الانتفاضة وحتى كانت من أهم الانتفاضات القبلية المسلحة التي عرفها تاريخ الكفاح الوطني المسلح في جنوب الوطن بقيادة هذا الثائر الوطني الشجاع، وكانت هذه الانتفاضة واحدة من المخاضات لثورة ال14 من أكتوبر 63م والتي فتحت آفاقاً ثورية وعزيمة لا تلين أمام المناضلين من أمثال الثائر السلطان محمد بن عيدروس العفيفي، حتى جاءت ثورة ال26 من سبتمبر 1962م معلنة ولادة الجمهورية وإنهاء الحكم الإمامي الكهنوتي المستبد في الشطر الشمالي من الوطن، والتي كانت هي السند الحقيقي لنصرة ثورة ال 14 من أكتوبر 1963م وإشعال الحماس الثوري الوطني والمسلح لثوار الجنوب بمختلف توجهاتهم السياسية والاجتماعية.
حتى تم نجاح الثورة وطرد الاستعمار البريطاني في ال 30 من نوفمبر 1967م ورحيل آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن، وكان هذا المناضل الوطني الثائر الشهيد السلطان محمد عيدروس العفيفي أحد صناع هذا الانتصار العظيم لثورة ال 14 من أكتوبر، والولوج نحو ال 30 من نوفمبر 1967م يوم الاستقلال الوطني المجيد.
حيث وإن التاريخ سيظل يتذكر هؤلاء المناضلين الذين سطروا الملحمة البطولية ووهبوا حياتهم رخيصة من أجل تحقيق هذا الهدف العظيم، ومنهم هذا المناضل الثائر، في انتصار ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر وتحقيق الاستقلال الوطني المجيد الذي نحتفل اليوم بذكراها ال 45 ال 30 من نوفمبر 1967م.
كما أن التاريخ لن يغفل الانتفاضة المسلحة التي قادها الشهيد العفيفي في عام 1957م ضد الاحتلال البريطاني، ودوره المشرف في انتصار ثورتي سبتمبر وأكتوبر، بالرغم من التهميش الذي ساد خلال فترة الحكم الشمولي بحق المناضلين شمالاً وجنوباً وحتى ما قبل الثورة الشبابية للربيع العربي في بلادنا.
ونحن اليوم نعيش أفراحنا بالذكرى ال45 لعيد الاستقلال الوطني المجيد ال 30 من نوفمبر 1967م أحببنا أن نسلط الضوء على أحد مناضلي الثورة اليمنية، والذين لولاهم لما تحقق هذا الاستقلال المجيد لهذا الجزء من الوطن في ال 30 من نوفمبر 1967م والذين لم يبخلوا حينها حتى بأنفسهم خلال فترة الكفاح المسلح في مقاومة المحتل من الاستعمار البريطاني.
والسلطان الثائر محمد بن عيدروس العفيفي لعب دوراً كبيراً وهاماً خلال تلك الفترة العصيبة سواء في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر وإعلان الجمهورية الوليدة أو الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني؛ حيث أكد العديد من المناضلين في لقاءاتهم الصحفية الخاصة أن الشهيد محمد عيدروس العفيفي كان يدفع بالعديد من أبناء مناطق يافع للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر وكذا التحريض المتواصل لإخراج المحتل البريطاني من الجزء الجنوبي من الوطن من خلال الدعم المادي أو التنسيق مع بعض القيادات في الشطر الشمالي من الوطن لمد الثوار والفدائيين من أبناء الجنوب بعد تدريبهم لمقاومة الاحتلال، وعلى سبيل المثال في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر كان يرسل الوافدين من أبناء يافع إلى صنعاء، وكلف بعض الأشخاص من أبناء يافع المتواجدين في صنعاء منهم المناضلان محمد علي منصر البهري وسعيد بن رباح لاستقبال الوافدين إليهم وترتيب أوضاعهم مع القيادات العسكرية للثورة لإرسالهم للجبهات، كما أن السلطان الثائر العفيفي الذي غادر يافع بعد انتفاضته المسلحة في مطلع عام 61م، وتوجه إلى تعز كي يشغل الاستعمار البريطاني من خلال قيامه بطباعة المنشورات التحريضية ضد الاستعمار البريطاني وأعوانه في جنوب الوطن وإيصالها إلى مناطق يافع لتوزيعها وتسريبها إلى محميات أخرى ومنها مدينة عدن.
كما أنه من خلال متابعتنا لما نشر عن هذا الثائر واللقاءات الخاصة التي أجريت مع نجله الشيخ فضل محمد عيدروس العفيفي - عضو مجلس الشورى ، والوزير السابق للمغتربين لحكومات سابقة بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة - وبعض الوثائق الخاصة التي حصل عليها نجله، والتي كانت موجودة في أرشيف الإدارة البريطانية، وما تحمله من معلومات هامة تبرز قصة كفاح ثائر وقف ضد التواجد البريطاني والتدخل في شئون سلطنته، بالرغم من صغر سنه حينها ومواقفه الوطنية والقومية.
كما أن بعض الوثائق تحكي قصة اعتقال الثائر الوطني السلطان العفيفي واغتياله مع عدد من المناضلين والمشائخ من قبل نظام الحكم الشمولي في جنوب الوطن عام 1972م أثناء فترة التصفيات الجسدية بحق خيرة المناضلين الشرفاء والعلماء والمشائخ والسياسيين والمفكرين وغيرهم من أبناء الجنوب.
«90» أميراً وسلطاناً وشيخاً لمحميات الجنوب
منذ أن وطئت أقدام الاحتلال البريطاني مدينة عدن في 19 يناير 1839م لم تهدأ مقاومة صيادي صيرة عدن والمظاهرات والعصيان المدني وكذا الانتفاضات القبلية المتفرقة وأهمها الانتفاضة التي قادها الثائر السلطان محمد بن عيدروس العفيفي عام 1957م التي استمرت ذروتها حتى يوم فجر الاستقلال الوطني المجيد في ال 30 من نوفمبر 1967م، معلناً رفضه التدخل البريطاني الفعلي والمباشر في الأرياف إلى المحميات خارج محمية عدن المستعمرة البريطانية؛ بهدف دعم سلطة الأمراء والسلاطين والمشائخ التي كانت ركيزة البريطانيين الأساسيين؛ إذ كان ما يزيد عن 90 شيخاً وأميراً وسلطاناً يسيطرون على المشيخات والإمارات ويكرسون الخلافات والنزاعات العشائرية والقبلية منذ عام 1937م، وحين عين لعدن حاكم وانتقلت تبعيتها من سيطرة إدارة كرزون في وزارة الخارجية البريطانية إلى سيطرة شرشل في وزارة المستعمرات البريطانية المكتب الكولونيالي عام 1920م حيث كانت عدن في البدء من احتلالها عام 1839م محمية مباشرة تابعة كجزء إداري من الهند من قبل القبطان هنس.
فرّق تسد
كما أن جذور انتفاضة الثائر السلطان الشهيد محمد بن عيدروس العفيفي تمتد إلى سنوات سابقة أي إلى 17 ديسمبر 1957م؛ إذ كانت الأمور قد توترت وتدهورت مرات عديدة سابقاً بين سلطات الاحتلال البريطاني وبين سلطنة يافع بني قاصد بأبين، والذي كان يحتلها السلطان عيدروس بن محسن العفيفي والد السلطان الثائر محمد بن عيدروس، وقد وصل الوضع فيما بينهما إلى أقصاه في عام 1947م عندما حاولت سلطات الاحتلال تشجيع شخص آخر من آل البيت العفيفي ليحل محله بعد رفض السلطان عيدروس توقيع الاتفاقية لتولي مقاليد الأمور في منطقة سلطنة يافع الساحل.
وفي عام 1949م توسط السلطان صالح بن حسين العوذلي بين السلطان عيدروس والسلطات البريطانية فاشترطت بريطانيا شروطاً بعودته إلى عامة السلطنة من ضمنها بقاء مجلس السلطنة الذي شكلته السلطات البريطانية عند غياب السلطان عيدروس، وكذلك تعيين نائب السلطان ليقوم بإدارة الأمور إلى جانب السلطان حتى يسهل عليها التعامل معه.
ثم في عام 1952م زار المندوب البريطاني في عدن المستر هوكم بوتن منطقة القارة بيافع، وطلب من السلطان عيدروس تعيين نجله محمد بن عيدروس العفيفي نائباً للسلطنة، بدلاً عن النائب الحالي، حينها وافق السلطان، ووافق نجله الشاب الأمير على ذلك، ونزل من منطقة القارة بيافع إلى منطقة الحصن مركز السلطان العفيفي، وكان عمر الأمير الثائر محمد حينها 24 عاماً، لكنه سرعان ما بدأ الاختلاف بين الأمير النائب الجديد وبين سلطات الاحتلال البريطاني، ثم تطور شيئاً فشيئاً إلى المواجهة المباشرة، وكانت من أهم أسباب الخلاف مع السلطات البريطانية هي: تدخل الإدارة البريطانية في قرارات مجلس السلطنة؛ فقد كان يحضر اجتماعات المجلس الضابط السياسي البريطاني في السلطنة وضابط سياسي عربي وأحياناً ضابطان سياسيان، وكان أعضاء المجلس طوع أيديهم يمررون لهم ما يشاءون ويعترضون على ما يشاءون، فكان الأمير محمد يرى أن ذلك تدخل في شئون سلطنته.
وكانت لجنة أبين الزراعية يرأس إدارتها شخص إنجليزي، بينما هي عبارة عن هيئة زراعية محلية تتبع السلطنتين اليافعية والفضلية وارتباطها بمزارعي دلتا أبين في السلطنتين، وقد اتفق الأمير محمد بن عيدروس مع نائب سلطنة آل فضل حينها أحمد بن عبدالله الفضلي على أن تكون رئاسة لجنة أبين الزراعية متداولة بين الطرفين سنة بسنة، ونجح في ذلك الاتفاق، وهذا ما أثار غضب المعتمد البريطاني وسلطات الاحتلال؛ لأن هذا الاتفاق اعتبروه مساساً بسياساتهم الاستعمارية ويضر بمصالحهم الاقتصادية المهيمنة على مقدرات شعبنا في جنوب الوطن.
كما أن السلطان الثائر محمد بن عيدروس كانت له اتصالات مع العديد من قيادات الحركة الوطنية في عدن، فقد كان له علاقة بقادة حزب الشعب الاشتراكي وكذا الشخصية الوطنية والنقابية البارزة الشهيد علي حسن القاضي - رئيس نقابات العمال في عدن - وكذا الأستاذ المناضل محمد عبده نعمان وغيرهم من المناضلين، كما كانت له أيضاً اتصالات مع الأحرار في شمال الوطن ومصر العربية.. ورفضه مشروع الاتحاد الفيدرالي، وكان يعتبر أن بريطانيا المحتلة تريد بهذا الاتحاد أن تمدد بقاءها واستمرارية نفوذها في المنطقة من خلال الممر الدولي الملاحي.
الأمير الثائر غير مرغوب فيه من قبل الاستعمار
وفي يونيو 1957م نزل الأمير الثائر محمد بن عيدروس العفيفي إلى المنطقة الساحلية الحصن المركز الرئيسي لسلطنة يافع بني قاصد، بعد أن قضى فترة ثلاثة أشهر محتجاً في منطقة القارة بيافع لخلافاته مع السلطات البريطانية، واتجه من الحصن إلى لحج في طريقه إلى محافظة تعز بجس نبض المملكة المتوكلية حول مدى تقديمها المساعدة لعزمه على الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال، ولكنه عندما وصل إلى لحج كان المعتمد البريطاني في عدن المستر سيجر قد سبقه؛ إذ اتصل بالسلطان علي عبدالكريم العبدلي سلطان لحج؛ كي يقنع الأمير محمد بن عيدروس العفيفي بالعدول عن الاتجاه إلى تعز، وفعلاً عاد الأمير محمد إلى منطقة الحصن بأبين عاصمة السلطنة، وعند وصوله إليها استاء جداً بعد أن رأى انتشار قوات كبيرة مما كان يسمى بالجيش الليوي في منطقتي الحصن وجعار أحد مركزي السلطنة للعفيفي، فحيناً شد رحاله مرة أخرى إلى جبال القارة بيافع، محتجاً على ذلك الانتشار العسكري لتبلغ السلطات البريطانية والد السلطان عيدروس بن محسن العفيفي سلطان يافع بني قاصد بأن ولده الأمير محمد غير مرغوب فيه من السلطات البريطانية في المستعمرة، وأن عليه البقاء في منطقته منطقة القارة بيافع، ويمنع نزوله إلى مركز السلطنة ومناطقها الساحلية.
الطائرات البريطانية تقصف يافع
وفي بداية شهر ديسمبر 1957م تحدى الأمير الثائر محمد بن عيدروس السلطات البريطانية ونزل إلى منطقة الحصن مركز السلطنة، حينها أبلغت السلطات البريطانية والده السلطان عيدروس مرة أخرى بأن يأمر ولده الأمير محمد بمغادرة المنطقة فوراً والعودة إلى يافع وإلا ستقصف القوات الجوية البريطانية المنزل المتواجد فيه، وعندما أخبر السلطان ولده بذلك ظل الأمير محمد متخفياً لمدة أسبوع في منطقة الحصن حتى يوم 17 ديسمبر 1957م، حيث أعلن رسمياً الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه وأخذ الأسلحة والذخائر التي كانت متواجدة في مخازن السلطنة، واتجه بها إلى منطقة القارة بيافع ومعه 167عنصراً من الحراسات ومجموعة كبيرة من كبار وصغار موظفي السلطنة، ووصل إلى القارة في 20 ديسمبر ليقود انتفاضته المسلحة ضد قوات الاحتلال البريطاني، والتي ردت حينها بقصف الطيران على يافع وبوحشية ودون رحمة.
غادر الأمير يافع إلى البيضاء ثم تعز
ومنذ بدء إعلان انتفاضة العفيفي المسلحة ضد الاحتلال البريطاني ووصول الأمير الثائر إلى القارة بيافع شهدت المنطقة تجمع حشود كبيرة من قبائل يافع الساحل ويافع الأعلي معلنين وقوفهم إلى جانبه ضد قوات الاحتلال، وحينها بدأ الإعداد والخطط لشن هجمات عسكرية على مراكز الحكومة في المنطقة الساحلية لإخراج المستعمرين وأعوانهم من المنطقة، وقد كانت أولى هذه الهجمات في 29 يناير 1959م، وذلك بالهجوم على مراكز الحكومة البريطانية في السلطنة في مدينة الحصن ومنزل النائب الجديد للسلطنة الذي عينته قوات الاحتلال البريطانية بدلاً عن الأمير محمد بن عيدروس العفيفي، وكذا عدد آخر من المراكز الهامة، وقد استمرت الهجمات بعد ذلك لعدد من الأهداف ولمدة شهرين ونصف متتاليتين تقريباً، ثم في مارس 1959م بدأ القصف الجوي من الطائرات البريطانية لمراكز الأمير محمد بن عيدروس التي أقامها في المنطقة الجبلية من يافع، وهو القصف الذي تواصل بعد ذلك باستمرار على المنطقة، والتي ظلت خارج سيطرة سلطات الاحتلال إلى يوم الاستقلال الوطني المجيد في ال30 من نوفمبر 1967م، وفي مطلع عام 1961م تكثف القصف الجوي البريطاني على المناطق والقرى الجبلية بيافع المؤيدة للأمير القائد العفيفي، واستمر القصف طوال 57 يوماً متواصلة دمر خلاله عدد كبير من المنازل والطرقات التي شقها الأهالي، وأتلفت مساحات كثيرة من المزارع، وكان يصاحب هذه الغارات إسقاط المنشورات التي تؤكد أن القصف لم يتوقف حتى يغادر السلطان الثائر العفيفي مناطق يافع، ولما رأى السلطان أنه لا يستطيع المقاومة خصوصاً في ظل عدم وجود أسلحة مضادة للطائرات المغيرة وعدم وصول أية مساعدة له قرر ترك المنطقة والمغادرة إلى محافظة البيضاء، وعين الأمير محسن حمود العفيفي ابن عمه نائباً في السلطنة بالمنطقة وعند وصوله البيضاء في مايو 1961م وبعد أسبوعين توجه إلى محافظة تعز القلب النابض للثوار، طلب مقابلة الإمام أحمد، ولكنه طلبه قوبل بالاعتذار، حينها قابل الأمير محمد البدر، وقد سأله البدر هل يستطيع توحيد المعارضة في الجنوب لمقاومة الإنجليز فأجابه السلطان العفيفي بالإيجاب، وأرسل إلى أصدقائه من الحركة الوطنية في عدن، فجاء إلى تعز ممثلو 14 نادياً ثقافياً وعدد من الضباط في الجيش، وعندما قابلوا الأمير البدر أخبروه أنهم مستعدون للعمل ضد الاستعمار البريطاني إذا دعمتهم المملكة المتوكلية بجدية، ثم بعد التحرير والاستقلال مستعدون للوحدة في دولة واحدة، وأن يكون الإمام هو الملك، شريطة أن يكون هناك برلمان وحكومة منتخبة من قبل الشعب، أي دولة ملكية دستورية، فرفض الأمير البدر هذا الشرط ثم دعا كل واحد منهم من حيث أتى.
وبعد عودته إلى البيضاء استمر السلطان محمد العفيفي بمراسلة أتباعه في يافع وإعطائهم التعليمات وإرسال المنشورات لمواصلة الثورة والانتفاضة ضد الاستعمار البريطاني، وقد كانت هذه المنشورات واحداً من أهم المميزات للانتفاضة الباسلة عن غيرها من الانتفاضات في القبلية المسلحة السابقة، وكانت تسمى نشرات محمد بن عيدروس، وتغطي الجانب السياسي والإعلامي للانتفاضة، واستمرت منذ بدء الانتفاضة حتى عام 1967م يوم الاستقلال، وكانت تطبع على الآلة الكاتبة، وفيما نسخت مائة «رونيو»، وكانت لدى شخص يدعى المنتصر في يافع منطقة شعب البارع، وتوزع في مناطق يافع الساحل بواسطة رجال السلطان، عندما كان السلطان بيافع متواجداً، وعندما خرج من يافع كانت لديه آلة كاتبة وطابعة «رونيو» في منزله في البيضاء وتعز، كان يجهز المنشورات ويرسلها إلى نائبه الأمير محسن حمود العفيفي بيافع ويقوم أتباع النائب بتوزيعها في المنطقة وتسربيها للمحميات الأخرى.
طلب الدعم
وعندما يئس السلطان محمد بن عيدروس من دعم الإمام طلب السماح له بالسفر إلى السعودية لطلب الدعم، فأرسل ديوان الملك سعود موفداً ونزل الحديدة استعداداً للسفر، لكنه فوجئ قبل يوم من سفره بوصول برقية من السعودية تشير إلى عدم قدرة الملك سعود على مقابلة السلطان محمد بن عيدروس إلى صنعاء، وهناك قابله السفير العراقي وطلب منه زيارة العراق، فوافق السلطان شريطة إخطار السفارة بهذا الأمر لوزير الإمام في صنعاء، وأخذ موافقة، ولكن ذلك لم يتحقق أيضاً حيث تم عرقلة هذه الزيارة.
وفي نهاية عام 1961م راسل السلطان محمد بن عيدروس مجلس العموم البريطاني، شاكياً من استمرار القصف للطائرات البريطانية على مناطق يافع الجبلية، رغم خروجه من المنطقة، وطلب وقف هذا القصف الجوي ضد الأبرياء من أبناء المنطقة، فجاء وفد مكون من نائبين في مجلس العموم البريطاني في شهر يونيو 1962م إلى البيضاء وقابله هناك وشرح لهم الأوضاع ومطالباته، وأراهم الصور الفوتوغرافية لآثار الخراب والدمار من القصف وما خلفه من أضرار جسيمة ومادية بالمنطقة، لكن ذلك لم يؤد نتيجة؛ حيث ظل القصف متواصلاً لإخضاع هذه المنطقة لسلطات الاحتلال البريطاني، وإزالة سيطرة السلطان محمد بن عيدروس عليها، حيث كانت القبائل في يافع قد بايعته رسمياً بعد موت ابيه السلطان عيدروس في ال 30/1/1960م سلطاناً ضد رغبة قوات الاحتلال ومجلس السلطنة في المنطقة الساحلية التي نصبت أخاه محمود بن عيدروس البالغ من العمر تسع سنوات سلطاناً للسلطنة.
ومع قيام الثورة السبتمبرية الخالدة وإعلان الجمهورية في 26 سبتمبر 1962م استبشر السلطان القائد محمد بن عيدروس العفيفي وكل المناضلين في جنوب الوطن خيراً، وكان السلطان محمد من أوائل من ناصر هذه الثورة والجمهورية الوليدة، وقد وجه أتباعه في يافع للطلوع إلى صنعاء والتطوع للدفاع عن الثورة والجمهورية، وفعلاً وصل من يافع حوالي 970 مقاتلاً على ثلاث دفعات، وتم تنظيم أنفسهم، وشكل السلطان محمد بن عيدروس العفيفي مع المناضل محمد صالح المصلي والمناضل مقبل باعزب وآخرين هيئة لتحرير جنوب الوطن المحتل في مطلع عام 1963م، وأعطى لهم مقراً في المتحف الحربي حالياً بصنعاء، ثم بعد ذلك أشهر وأعلن قيام الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن.
وظل هذا الثائر من خلال مواقفه وأنشطته الوطنية للإسهام في ثبات ثورة ال 26 من سبتمبر والجمهورية الوليدة حتى توجت انتصاراتها وكذا مواقفه النضالية في تحرير الجنوب المحتل من براثن الاستعمار البريطاني وحتى تحقق الاستقلال الوطني المجيد.
ولكن فوجئ هذا المناضل الوطني الثائر الشهيد محمد بن عيدروس العفيفي مثل غيره من خيرة مناضلي الثورة اليمنية بقدره مع رفاق الدرب عندما تم اعتقاله بدلاً من تخليده وتكريمه في صفحات من النور مع الزميل الأول من المناضلين الشرفاء في الساحة الوطنية اليمنية شمالاً وجنوباً.
حيث تم تصفيته جسدياً في عام 72م مع عدد من الشخصيات الوطنية والاجتماعية والعلماء والمثقفين خلال الأيام السوداء للحكم الشمولي في جنوب الوطن.
رحم الله الشهيد البطل السلطان محمد بن عيدروس العفيفي وكل شهداء الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.