ها قد بدأ رمضان في الاستعداد للرحيل بعد أن انتظرناه بلهفة وشوق، وما يبدأ هلال الشهر الكريم في الظهور حتى يتغير حال الناس في كل مكان.. ومنها عدن التي تتميز بعاداتها التي توارثها الناس منذ القديم، من الاستعداد المسبق لتوفير متطلبات هدا الشهر, وتجهيز البيوت واستقبال الزائرين.. وحتى في وداع الشهر الكريم أيضاً تتميز عدن بالمظاهر التي تشعر الزائر أن استقبال رمضان يكون باحتفال والتوديع له أيضاً باحتفال استعداداً لاستقبال عيد الفطر المبارك، في استطلاعنا هذا التقينا بناس من جيلين مختلفين جيل أيام زمان ورمضان زمان وجيل الشباب وبين الجيلين عشنا رمضان اختلفت فيه أشياء وتشابهت فيه أشياء ولكن روح رمضان وفرحة لقائه لم تختلف.. ذكريات الزمن الجميل لرمضان في عدن مذاق خاص، ونكهة عابقة، لم يخف الحاج عبده السلماني، حزنه الشديد على توديع شهر رمضان، بعد أن كان يتمنى أن تطول أيامه، ويعود بنا الحاج عبده السلماني، إلى طفولته في بداية الخمسينيات من القرن الماضي حيث يتذكر أنهم كانوا يبدون الترحيب بشهر رمضان من منتصف شهر شعبان حيث يتجمع الناس في المساجد ويرحبون بالشهر الفضيل حتى قبل أن تكون هناك مكبرات صوت في المساجد، كان الجميع شيوخا وشبابا وأطفالا يجتمعون في المساجد يكبرون ويهللون ويرحبون بقدوم الشهر الكريم، وعندما يأتي رمضان وفي منتصفه يبدأ التوديع له أيضاً في المساجد.. - ويضيف: ولأن المساجد لم تكن مزودة بالميكرفونات “مكبرات الصوت” كما هو الآن فكانت قبة المسجد مزودة بسراج فكان المواطنون يقفون أمام بيوتهم وأبصارهم متجهة إلى قبة المسجد فعندما يشاهدون السراج الذي فوق قبة المسجد يضاء, يعلمون أنه حان وقت أذان المغرب فيقومون بالإفطار، ويتذكر الحاج عبده أيضاً مدفع رمضان والمسحراتي الذي كان يجول الشوارع منبهاً الناس بالقيام من النوم وإعداد السحور.. سريعاً ما ينقضي ومن مدينة كريتر تحدثنا أم مرام مختار، أنها ومثل كل عام تستعد كثيرا لشهر رمضان، ولكنه للأسف سريعاً ما ينقضي حتى لا نكاد نشبع منه. تقول أم مرام: في أول ليلة من ليالي شهر رمضان يتم تحضير السحور وعادة يكون (فتة خبز باللبن) نتناولها قبل أذان الفجر بساعة وننتظر صلاة الفجر لنصلي وننام، ومن بعد صلاة الظهر يبدأ التحضير للفطور وأفضل الأكلات التي يحبها أفراد عائلتي هي تقريبا مرغوبة في كل بيت واهمها الشفوت والشربة والمقليات (سمبوسة, باجية, مطبق, كاتلكس) مع التمر والقهوة وأيضا العصير ونحضر كمان الحلويات مثل اللبنية والبدنج والجيلي وأنواع أخرى, ووجبة العشاء وهي تتكون من الرز والصانونة والسمك والسلطة والشتني (بسباس) أو عُشار, وكل يومين نقوم بتغيير الوجبة مثلا نعمل مكرونة بالدقة أو زربيان لحم أو دجاج أو دال باللحم مع الرز الأبيض أو مطفاية السمك مع الرز الأبيض وهكذا. - وتضيف: وأهم ما يميز شهر رمضان في بيتي هي روائح اللبان الذكر قبل أذان المغرب وهذه عادة اعتدت عليها وأحببتها جدا منذ أن كنت طفلة وأحببت أن أعملها عندما أصبحت زوجة أقوم بتبخير البيت وكمان أقوم بتبخير الماء بالمستكة “وهي كالآتي أحضر دبة الماء فارغة وأقوم بقلبها على فوهتها وأدخل مبخرة صغيرة جدا بها فحم عليه حبوب المستكة وأتركها تتبخر حتى تذوب حبوب المستكة وهي تقدر بخمس فصوص أو أكثر شويه وبعدها على طول أرفع الدبة حق الماء وأحط عليها غطاءها قبل ما يتسرب البخور الذي فيها وبعد شويه أحط الثلج وأسكب عليه الماء وأغطي الدبة ويصبح الماء جاهزا للشرب” وأصبح أفراد عائلتي متمسكين بهاتين العادتين مثل الكثير من العائلات في عدن.. وطبعا خلال الشهر الكريم يكون هناك في حرص على تلاوة القرآن يوميا من كل الفئات العمرية، ونحرص على ختم المصحف الشريف في هدا الشهر، كذلك نتابع برامج التلفزيون وأختار بعض ما يعجبني وأتابعه وعادة لا أرتبط بالتلفزيون كثيراُ لأني لدي اهتمامات أخرى.. - وتضيف أم مرام: الآن وما إن ينتصف الشهر حتى نبدأ بالشعور بالحزن أن الشهر بدأت أيامه العكسية، شعور يبعث على الحزن العميق فنحن نحن إلى رمضان ولياليه الجميلة ولكنها سنه الله، وفي الأيام العشر الأخيرة تبدأ الحيرة بين قيام هذه الليالي المباركة والترقب لليلة القدر وبين همّ شراء كسوة العيد للأطفال وهي بالنسبة لي الفترة الأكثر إرهاقا بسبب الزحمة ودرجة الحرارة المرتفعة. ختامه مسك طه أبو يونس، يقول إن رمضان كله بركه ولكن العشر الأخيرة منه خيراً على خير, ولأنه يعلم هذا كثير يستعد لها فلا ينشغل بها بالسوق والتجوال فيه، لأنه يعرف أن رمضان شهر لا يكرر في السنة مرتين ولكن السوق موجود طوال العام يداوم أبو يونس على المسجد في العشر الأخيرة ويحرص على ختم القرآن فيه والتزود بالحسنات وبركات هذا الشهر الفضيل قدر الإمكان. - كان لنا مع جيل الشباب حديث التقينا كمال أحمد، طالب في الصف الثاني الثانوي, يحدثنا كمال عن أيام رمضان وعن برنامجه الذي يختلف في رمضان عن بقية اشهر السنة اعتاد في هذا الشهر على المداومة على صلاة التراويح مع رفاقه من أبناء الجيران وبعدها يلتقي بأصدقائه والتسامر معهم ولعب كرة القدم حتى وقت السحور وبعدها صلاة الفجر ويستمر العب بكرة الطائرة حيث تنصب شبكة وسط الحارة ويتجمع عليها كل أبناء الحي ويستمر اللعب إلى الساعة الثامنة صباحاً وبعدها يتفرق الشباب من أبناء الحي كلً يتجه إلى بيته للنوم حتى وقت صلاة الظهر ويبدأ يوم جديد أما من بداية العشر الأخيرة من شهر رمضان يبدأ في الانضمام في صلاة القيام والتسوق لشراء كسوة العيد له ولأخوته مما يغير قليلاً في برنامجه اليومي الرمضاني .. - التقينا العديد من الناس الطيبة وسمعنا الكثير الكثير عن العادات التي ألف عليها أهل عدن ولكني لن أنسى الطفل الجميل عبودي الذي التقيته في الشارع وهو ممسك بصحن فيه حبات التمر يعطيها للمارة وقت أذان المغرب للذين لم يسعفهم الوقت وعلقوا في زحمة الشارع وحان وقت الإفطار وهم لم يصلوا بيوتهم بعد ...كم هي لفتة كريمة وجميلة ما يقوم به عبودي كل يوم من شهر رمضان الكريم!؟ ويضيف عبودي أنه سعيد أن العيد سيأتي قريبا لأنه سيلبس ثياب العيد التي اشتراها، ولكنه يشعر بالحزن لانتهاء رمضان؛ لأن رمضان بالنسبة له فيه وقت طويل للعب والخروج من المنزل!!.