قد يذهب الكثير من المهتمين بالشأن اللغوي إلى تصنيف كلمة(مهنة) على أنها أقرب ما تكون إلى عنوان الذلة والمهانة، فضلاً عن كونها تنسب لأولئك الذين يجيدون الحرف بكافة أنواعها، كالخياطة أو الحياكة أو أية مهنة أخرى، وهي تكاد أن تعبّر عن الواقع اليمني. لسنا هنا بصدد الخوض في المضمار اللغوي، بقدر ما يتعلق الأمر بتلك المهنة التي أصبحت تشكّل وصمة عار في جبين كل من ينتمي إليها وأخص بالذكر العنصر النسائي، ألا وهي (مهنة التمريض)تلك المهنة التي بدأت كل المؤشرات الحديثة والتقارير الدولية الصادرة عن منظمات الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية الأخرى، تؤكد وجود مشكلة أوخلل في هذا المفصل الحيوي، مما يؤثر بشكل سلبي على مستوى سير الخدمات وديمومتها، ويرجح البعض عدة أسباب منها، التخلّف الذي يجعل كثيرات يغادرن ذلك المجال بسبب النظرة الدونية للمجتمع ،كما أن وجود عوائق اجتماعية ذات نزعة متخلفة ينتج عنها النظر إلى مهنة التمريض والمهن المقاربة لها بنظرة دونية أوغير مهمة وهذا ما قد يؤدي في أحيان كثيرة إلى استجلاب أناس غير جديرين بالعمل وبالعملة الصعبة أيضاً. وهذا الوضع وللأسف جاء نتيجة وضع اجتماعي معين يتحاشى أن تباشر النساء العمل بجانب عالم الرجال من الأطباء والمرضى. وللاطلاع عن مكامن الخلل في هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل علامة استفهام في بناء وديمومة الواقع الصحي من خلال وجود العادات الاجتماعية البالية والتي تعتبر التمريض عنواناً مخلاً بالشرف. إصرار على مزاولة المهنة تقول السيدة هناء، ممرضة منذ 20 عاماً: إنها زاولت هذه المهنة منذ الثمانينيات من القرن الماضي وأنها وجدت صعوبة ومعارضة قوية من قبل الأهل والأقارب ولكن إصرارها على العمل لإثبات وجودها وشخصيتها أرغم الجميع في الأخير على الموافقة بعد طول معارضة ونزاع وخلاف، مشيرة إلى أن زواجها بعد فترة من عملها في سلك التمريض من موظف يعمل في المستشفى الذي تعمل فيه واستمرارها في العمل لمدة عشر سنوات مع زوجها دون عوائق أو مشاكل تذكر. عملي حفظ كرامتي وتضيف الممرضة هناء: إن وفاة زوجها بشكل مفاجئ أثقل كاهلها وأضاف هماً كبيراً ومسؤولية عظيمة عليها كونها أماً لأربعة أطفال منوهةالى أنها استطاعت أن تثبت في وجه الريح العاصفة التي هبّت عليها من قبل الأهل والأقارب والجيران الذين طالبوها بترك العمل والزواج من شخص غريب على أولادها بحجة المحافظة على كيان العائلة وشرفها لكونها تعمل ممرضة، لكني تمكنت من خلال عملي أن أوفر جميع الاحتياجات الضرورية لأسرتي وأن أوصلهم إلى مراحل دراسية متقدمة، حينها اعترف الأهل أخيراً بصحة قراري واختياري للمهنة الشريفة. البعض يعدّها مهنة هامشية وتعبّر الممرضة أنعام 32 عاماً، عن أسفها وانتقادها للعادات البالية والمتخلفة المتغلغلة في ذهن البعض كونهم يعدون الممرضة أقل شأناً من غيرها ولايتقدمون للزواج منها خوفاً من انتقاد البعض من الجهلاء لهم، مؤكدة أن اختيارها لهذه المهنة كان بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعاني منها أسرتها نظراً لفقدانها أخويها في حروب صعدة وكونها الشخص الأكبر في الأسرة اضطرت للعمل لمساعدة والدها في مسؤوليات الحياة الصعبة. العمل فوّت عليها فرصة الزواج وتشير أنعام إلى أنها استطاعت خلال الفترة الماضية وبعد زواج إخوتها من تكوين ثروة مالية لا بأس بها تضمنت شراء منزل خاص بها وأمها العجوز رغم انتقاد أقاربها وجيرانها لها بسبب المهنة التي تزاولها، مشددة على أهمية احترام خصوصية المرأة واختياراتها المهنية وقراراتها وعدم الوقوف بوجهها طالما أنها تعمل وفق القانون والشرع. أنانية الرجل هي السبب ويشاطر الممرض ثابت محمد زميلته في المهنة رأيها مؤكداً أن المجتمع لا يرحم المرأة وأحياناً يقف مانعاً في وجه اختياراتها وإرادتها، متسائلاً عن السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك، هل هوحقاً سبب أخلاقي وديني أم أن الأمر يتعلق بحرية المرأة وتصميم الرجل الشرقي لاستبعادها؟ ويجيب ثابت على سؤاله مؤكداً أن السبب هو أنانية الرجل واحتكاره لحرية المرأة، حيث أن العمل لا يعد خرقاً وأنه شرف وتحقيق ذات الرجل أوالمرأة والاحترام من قبل الآخرين. العمل انتشلها من الضياع أم حسين تروي قصتها وتبدأ بالقول:مات زوجي وأولادي في حادث مروري مؤلم فأصررت على العمل لأعيل ما تبقى من أسرتي وبالرغم من محاصرتي من قبل أهلي وأهل زوجي وعدم السماح لي بالخروج بحجة صغر سني وأن في خروجي عيباً وخرقاً للمعايير والقيم الاجتماعية واجهت صعوبة في الحصول على فرصة عمل في البداية لكني استطعت العمل في أحد المستشفيات بعد دخولي دورة تمريضية خاصة وهذا ما حقق لي الاستقرار المادي والنفسي بعيداً عن سلطة الآخرين وتحكمهم بي مادياً ومعنوياً، وتختم بالقول: عمل الإنسان سواء أكان رجلاً أم امرأة يحقق له الراحة النفسية والاستقرار المادي ويملأ وقت فراغه حيث به يستطيع أن يكون شخصاً نافعاً ومنتجاً في المجتمع. المساواة مع الممرضات الأجنبيات في الاحترام والراتب إشراق تؤكد أنها لم تجد أية صعوبات في دخول سلك التمريض لكنها تبدي أسفها بشأن عدم مساواة الممرضات اليمنيات بالممرضات الأجانب من حيث الراتب والتقدير والاحترام. مستشفيات تشكو قلّة الممرضات ويؤكد مسئول صحي في وزارة الصحة على أن مهنة التمريض كانت وما زالت مهنة سامية وتحمل معاني إنسانية قبل أن تكون مهنة لكسب لقمة العيش، مبيناً أهميتها الكبيرة من خلال رعاية المريض نفسياً وجسدياً واجتماعياً ومساعدته على العودة لحياته الطبيعية ليكون عضواً نافعاً لأسرته والمجتمع، ومزاولة مهنة التمريض بشكل علمي وفني صحيح يحتاج إلى دراسات ومقومات فنية واستعداد نفسي وروحي لدى المرأة والرجل على السواء للعمل في مجالاتها المتنوعة. ويؤكد ذلك المسئول أن هناك نقصاً كبيراً حاصلاً في الكوادر التمريضية النسوية ولذا ينبغي توفيرفرص عمل مناسبة للعاملات في مهنة التمريض.