العبث أساس كثير من الأخطاء؛ يأتي على حين غفلة لينثر على الأشخاص والأماكن والكثير من المسمّيات تراكمات قد تكون على درجة قاتلة من الخطورة، وعادة ما يستمد العبث لكيانه المقيت من التصرُّفات الناتجة عن التهوّر أو الطيش أو الحماقة، لكن أكثر مفرداته ولاءً تكمن في الاستهتار بكثير من الأشياء التي تستحيل في لمح البصر إلى أدواتٍ قاتلة. لم يمض على زواجهما سوى شهور معدودة، الزوج شاب في عمر ال25، عادة ما يظهر اعتداداً بنفسه واغتراراً بقوّته أو الذكاء المتقد في تلافيف دماغه، وهي صفات أقرب ما تكون إلى الحماقة وتدنّي الشعور بالمسؤولية والإهمال الملقى على عاتقه، أما الزوجة فهي الشابة التي تصغره بخمسة أعوام، فهي وإن كانت معجبة بزوجها كأي أنثى يترك الحب آثاره على مشاعرها فلا مفر أمامها من إظهار صفة الإعجاب بالزوج لاسيما أن حياتهما مازالت في بدايتها. كان يجمع بين الزوجين حب جارف يصعب كبحه أو النيل منه؛ باستثناء أمر واحد يشكّل خطراً كبيراً على هذه المشاعر، يمكن النظر إليه على أنه مرض لا يصيب إلا الشباب هذا الداء هو «الحماقة». في منطقتها الريفية الواقعة بمحافظة مأرب، اعتاد الشاب قبل الزواج أن يخرج إلى الأودية والمنحدرات من وقت إلى آخر للقنص والاصطياد ببندقيته التي كانت تشاطره حلَّه وترحاله، كانت بمثابة الرفيق الذي لا يمكن مقايضته أو التخلّي عنه، فلا يضعها عن عاتقه إلا عندما يخلد إلى النوم فقط، لكن هل يا ترى يتمكّن هذا الشاب الذي عشق الظهور بالبندقية وأصوات الرصاص ودقة التصويب، وما يرافقها من صفات استحكمت عليه، من الاعتداد الزائد بالنفس والغرور وفرد العضلات، لا لشيء إلا لكونه يحمل بندقية، وبإمكانه انطلاقاً من فوهتها أن يلمح ما يظنّه جبناً وخوفاً عند الآخرين أثناء مروره قربهم حاملين البندقية من أن يتغيّر كغريبة يفرضها دخوله حياة الزوجية وتوديعه للعزوبية وتوابعها من حياة الطيش واستعراض القوة حيث لا مسؤولية أو واجبات أسرية، يبدو أن الأمر لم يختلف كثيراً، وقد شعرت الزوجة بهذه المشكلة وبدأت رويداً في محاولة إقناع زوجها بتغيير هذه العادة التي لا طائل من ورائها إلا ما قد تجلبه من مشاكل، وأي مشاكل أكثر خطراً وأشد تراكماً من خطر السلاح..؟!. ما فتئت تحدّثه: انظر إلى نفسك، لم تعد صغيراً بلا عقل، أنت الآن أصبحت زوجاً وأمامك مسؤوليات كثيرة، هل تريد أن تكون قدوة لأبنائك بحملك السلاح في مناسبة ودون مناسبة، ألا ترى أن كثرة حمل البندقية وإشهارها دون سبب هو عبث وحماقة قد يصل بك إلى طريق مسدود في الحياة ذات يوم..؟!. ينظر إليها نظرة نارية تقدح شرراً كما البندقية التي تعتليه على أحد كتفيه وينهرها: وأنت أيش دخلك، هذه مواضيع ما يناقشها إلا الرجال، واحنا تعوّدنا أن الشخص دون بندقية ما يسوى شيء، وقد يتعرّض لمتاعب مع الآخرين، وليس بوسعه الدفاع عن نفسه، لأنه زي ما بتقولي طرح السلاح في البيت وخرج بقميصه ومعوزه، وبالتالي لن أتخلّى عن هذه البندقية تحت أي ظرف..؟!. ترى وهو ينطق آخر جملة في ذلك الحوار: «لن أتخلّى عن هذه البندقية تحت أي ظرف» هل كان يعي ما يقوله حقاً..؟! إذاً ما الذي حدث حتى يتم القذف به داخل كل هذه الدموع وهو الشاب القوي المغتر دوماً بعضلاته التي تمسك السلاح وتضغط على الزناد..؟!. عندما ضاقت به ذرعاً، لم تعد تحدّثه عن وضع السلاح والانشغال بعمل منتج لمستقبل العائلة، كانت تلك نتيجة وصلت إليها الزوجة التي لم تكن ترغب في أن يتعثّر حبها لزوجها بمشاكل البندقية، فتمر الأيام وتأتي مشكلة لم تكن على البال، عرض عليها أن يخرجا معاً إلى الوادي، لتنفّس الهواء وإنعاش القلب بمزيد من الحب، لم تمانع ومضت معه إلى الوادي، جلس وهي إلى جانبه لالتقاط الأنفاس، أصابعه تقترب من الزناد وهو يحاول إزاحة الغبار وتنظيف البندقية، وهنا عيار ناري على حين غفلة انطلق من فوهة البندقية ليصيب الزوجة الشابة في يدها اليمني لينفذ منها مكملاً طريقه للاستقرار في صدرها لينتزع من جسدها الحياة، أمام عينه سقطت جثة هامدة، حالة ذهول وصدمة ارتسمت على ملامحه لنهاية لم يتخيّلها، اقتادته شرطة المحافظة للتحقيق واحتجزته إلى أن يُرسل ملفّه إلى النيابة..!!. والد المرأة القتيلة حين علم بالواقعة، اعترته صدمة شديدة، وانطلق إلى مكان الحادث، شاهد ابنته قتيلة، لكنه بعد ساعات ذهب إلى مقر شرطة المحافظة؛ وهناك قدّم تنازلاً خطياً عن دم ابنته، معتبراً أن الحادثة قضاء وقدر.