تمتاز محافظة ذمار بموقع جغرافي مهم جعلها منذ قديم الزمن منطقة تتعاقب عليها الحضارات والقبائل اليمنية وتمرّ بطريقها القوافل والرحلات، وهذا التعاقب الزمني الضارب في القدم واختلاف الثقافات التي سكنت هذه المنطقة طوال تلك الحقب إلى حاضرنا الآن أدى إلى ظهور تقاليد فريدة وبقاء كنوز عظيمة ومتنوعة من الموروث الشعبي والأثري على امتداد مساحة المحافظة التي ومع الأسف تتعرض للتلف والضياع والاستغلال الجائر بمرور الوقت في ضل قصور الدور التكاملي للحفاظ عليها سواء أكان من قبل السلطة المركزية أو المحلية أو الجهات المعنية أو حتى دور المواطنين. وبالرغم من المحاولات المتواضعة التي قام بها عدد من أبناء ذمار والمهتمين وجانب من مسؤوليها بتنظيم ودعم عدد من الفعاليات والمبادرات المحلية والشعبية تعنى بإبراز بعض الجوانب الجميلة والمشرقة من التراث التاريخي والثقافي والفلكلوري لمحافظة ذمار بمختلف مديرياتها المتعددة إلا أنها تظل مشاريع آنية ومؤقتة ينقصها الكثير من العوامل التنظيمية ولعل أبرزها عامل الديمومة والتخطيط والوعي بمدى أهمية الحفاظ على الموروث الشعبي للمحافظة الذي قد يعد إن تم الاهتمام به ورعايته وجمع ما تبقى منه من أغنى ألوان التراث اليمني وأكثرها غزارة وحضوراً. مهرجان أسعد الكامل ولعل أقرب مثال لتلك الفعاليات الطموحة والتي عمل من أجلها معظم أبناء ذمار وتفاعل معها الكثيرون من داخل المحافظة وخارجها، “مهرجان أسعد الكامل السياحي بذمار” في العام 2007 م، الذي حمل اسم الملك أسعد الكامل القائد التاريخي الكبير الذي وحدّ اليمن في الزمن القديم وحمل لقب ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت، واستمر المهرجان الذي كان من المفترض أن ينظم سنوياً بالمحافظة لمدة ثلاثة أيام وشمل برنامجه الترويج للمناطق السياحية والأثرية والمحميات الطبيعية وعروض شعبية وفنية تراثية، إلا أن هذا المشروع الكبير لقي الكثير من الانتقادات من قبل المواطنين والمختصين تجاه القائمين عليه عزوها في تلك الفترة إلى سوء التنظيم والإدارة، مما أدى إلى إلغاء إقامة المهرجان وحرم أبناء ذمار من الفعالية الوحيدة التي كانت تمثل لهم الحلم والفرصة لإبراز ذمار على خارطة التراث والسياحة اليمنية من جديد. بيت للموروث الشعبي ومنذ سنوات قليلة ظهرت مبادرة مدنية من قبل عدد من الشباب بالمحافظة لتقديم العون وتكريس جهودهم لهذه القضية، هذه المبادرة التي تمثلت بإنشاء (بيت ذمار للموروث الشعبي) كجهة تعمل من أجل الحفاظ والتعريف بالموروث الشعبي بمحافظة ذمار، الذين سارعوا بعمل خطوات جادة وملموسة في إقامة المعارض الشعبية وجمع القطع الأثرية والصور النادرة وتوثيقها وعرضها بأبسط الإمكانيات المتاحة لديهم وبتعاون من محافظ المحافظة ومكتبة البردوني العامة وعدد قليل من الجهات.. لكن مع الأسف! .. يوشك هذا المشروع على التوقف والجمود بسبب مشكلة صغيرة يمكن حلّها!. فقد أوضّح المدير التنفيذي لبيت ذمار للموروث الشعبي، أنه عند انتهاء البيت من إقامة المعارض الشعبية التعريفية يقومون بجمع القطع لأثرية والأواني الفخارية والحلي والصور... وغيرها من المقتنيات القديمة في “كراتين” وصناديق وتخزينها في أماكن خاصة وضيقة لعدم توفر مقر لبيت الموروث، وهذه العملية تتكرر مع إقامة المعارض وهي عملية خطرة وغير آمنة لحفظ هذه المقتنيات وتعرضها للتلف، الأمر الذي يحتّم على الجهات المعنية بالمحافظة والمهتمين من أصحاب رؤوس الأموال ضرورة التعاون مع بيت ذمار للموروث الشعبي بدعم وتوفير مقر واسع وآمن له مع حراسة لعدة اعتبارات منها: تخصيص بيت ذمار للموروث كمتحف ومزار لجميع أبنائها وضيوفها من خارج المحافظة. قابلية التوسع في أجنحة البيت واستحداث أخرى بناءً على الدعم والمقتنيات الإضافية التي ستصل إليه في حال توفر المقر. الحفاظ على هذه المقتنيات من أضرار التنقل المستمر. تقديم صورة تعريفية عن المحافظة والضيافة الشعبية للزوّار الأجانب. تقديم لمحات توعوية لطلاب المدارس حول أهمية الحفاظ على الموروث الشعبي للمحافظة ورعايته. الترويج الثقافي والسياحي لمحافظة ذمار. حماية مقتنياته من السطو والضياع. دعوة للتعاون وخصوصاً في ظل الجهود النشيطة والحماس الكبير الذي أبداه القائمون على إدارة البيت في السنوات الأخيرة، فأننا ندعو جميع الجهات والمواطنين للتعاون معهم في إنجاح مشروع بيت ذمار للموروث الشعبي، الذي بات مشروع جميع أبناء المحافظة. ليس هذا وحسب بل ويشكو العديد من المتخصصين بجمع التراث الشعبي الذماري والمهتمين من أبنائها بهذا الجانب ضعف الدعم والتشجيع من قبل المعنيين تجاه مبادراتهم خصوصاً ما يتعلق بتبنّي طباعة مؤلفاتهم وكتبهم وموادهم الوثائقية النادرة حول التراث التاريخي والأثري والثقافي والفني والغنائي والشعبي والحرفي بمختلف صنوفه؛ كالأزياء التقليدية، الأواني، الزوامل، الألعاب القديمة، الأمثال، التراث المحكي، والطرائف.. وتظل حتى اليوم بعض الكتب والمسودات والصور والوثائق في انتظار لفتة مسؤولة لطباعتها وإخراجها إلى حيّز النور.