يأتي مسح وتوثيق التراث المعماري وإرشاد مالكي المساكن التاريخية بالحفاظ عليها، العمل على حصر الأثاث والمنحوتات والنقوش الموجودة في تلك المباني المحلية وتسجيلها في قاعدة بيانات، والمساهمة في الموروث الشعبي من ملبوسات ومقتنيات وتصنيفها زمنياً ومكانياً، وإقامة متحف للموروث الشعبي بشكل دائم كأبرز أهداف تأسيس مركز التراث بتعز إضافة إلى صياغة استراتيجية لترميم التراث المادي والحفاظ عليه ومسح وحصر المواقع الأثرية وعمل خارطة أثرية لها وحصر الصناعات الحرفية التراثية التقليدية المعتمدة على خامات من البيئة المحلية كما يأتي من ضمن مهام المركز جمع وحصر الكتب والمخطوطات وتسجيلها وجمع وتوثيق التراث الفني والغنائي وإنشاء مكتبة متخصصة لذات الغرض وتأسيس مدرسة موسيقية تراثية لتأهيل وتدريب متخصصين في التراث الموسيقي والفلكلور الشعبي ونشره من خلال فعاليات في المدارس والأماكن العامة إضافة لتبني مهنيين لا يزالون يُمارسون الحرف اليدوية التقليدية ورعايتهم وإقامة دورات تدريبية في الحرف اليدوية لأشخاص باحثين عن عمل. مهام غايتها تقييم التراث والحفاظ عليه في محافظة تعز وإبرازه واستثماره بالاعتماد على منهجية علمية، ولكن إذا لم تتوفر الإمكانيات المادية حسب قول مديرة المركز سعاد العبسي فسيبقى الحال على ماهو عليه ولن تتم الاستفادة من الكفاءات الأكاديمية والعلمية للمركز. مضيفة: والمركز حالياً لا يتوفر له أي دعم مالي لتنفيذ مشاريع منذ تم إنشاؤه قبل أربع سنوات ورحيل الفرنسيين الذين أسهموا في تأسيسه وترميم مبنى باب موسى الأثري ليصبح مقراً للمركز، وهم الذين لهم باع طويل في الحفاظ على التراث المادي واللامادي لكن الوضع الأمني جعلهم يغادرون وكان لديهم استراتيجية لدعم أهداف ومهام المركز، وتزيد العبسي: نحن ندرك أن جمع وتوثيق التراث وحماية الآثار وترميمها ليست عملية سهلة كما أنها تحتاج إلى تمويل ووقت للحفاظ على مابقي من أسوار ومبانٍ سكنية تراثية وحصر وتوثيق محتوياتها التقليدية والحفاظ على التراث اللا مادي والموروث الشعبي الذي يندثر يوماً بعد يوم وتؤكد مديرة المركز بالقول: إن الكفاءات والكادر المدرب إن وُجد يتطلب إمكانيات لتشغيله ومعايير علمية لتنفيذ المهام لا أن نعتمد على أناس قلوبهم موجوعة من الإهمال ولا يستطيعون تقديم شيء للتراث بأشكاله. فهم وتفهّم مضيفة: نحتاج إلى من يفهم ويتفهم أهداف حصر وتوثيق التراث ونحتاج لمن يراجعنا حينما نطرح تصوراتنا ومشاريعنا ويعي دوره بناءً على خلفية ثقافية وحب العمل من أجل التغيير وفقاً لمعايير قيمية وأخلاقية لأن الثقافة سلوك. لقد دمعت عيون الخبير الفرنسي (بيير بلا نش) عندما حضّروا له أخشاباً لترميم مبنى باب موسى وقيل له هذه أخشاب طنب وبعد الفحص توجه بذاته إلى منطقة العدين واشترى الأخشاب المطلوبة بنفسه وكان لديه حب لتعز ورغبة في ترميم آثارها واستراتيجية دعم إلى عام 2025م. وتزيد: والمفترض أن يزداد الوعي لدى الإنسان وفئة الشباب بتاريخهم وتراثهم، لكن الحاصل هو أن البعض يستهين بالتراث وصار بعض الشباب يتندر بالفلكلور سواءً الملابس الشعبية التقليدية أو العادات والتقاليد، لذا لابد أن تعلو أصوات المثقفين المبدعين والأكاديميين لتعزيز وعي المواطن بهويته الوطنية وتراثه الشعبي بما فيه من دلائل حكمة وقوى خلّاقة وفنون وإبداعات وذكاء فطري يمكن محاكاته وتقديمه للعالم كمورد سياحي. ونحن في مركز التراث نعي تماماً أن محافظة تعز تمتاز بخصوبة تراثها الذي مازال مخفياً، وامتداداً لحضارات سبأ ومعين وحمير ومفتاحاً لمن يكشف خفاياه ولكن الحاصل هو أن هذا التراث لا اهتمام به ولا بحث في خفاياه من جهود أفراد ونحن كلّما ذهبنا إلى منطقة من مناطق المعالم الأثرية نجدها مهملة وأخرى يعبث فيها. ففي منطقة نقيل الحقر ومحيط قلعة القاهرة نجد معالم عرضة للعبث كما أن المخطوطات من أهم ما في التراث وهي تُسرق وتُهرب للأسف وتدخل فيها الجريمة المنظمة وشبكات دولية متخصصة بتهريبها. ومن أجل حل دائم للمشكلة نناشد المحافظ شوقي أحمد هائل المسارعة إلى تشكيل هيئة عليا في المحافظة على الأقل لتهيئة المحافظة للحفاظ على تاريخها وتراثها من مختصين مخلصين تهمهم حماية التراث والحفاظ على المواقع التاريخية لكي يبقى التراث المادي في باطن الأرض حتى يتيسر إخراجه بدلاً من تركه نهباً للناهبين وللصدف التي تقرب بعض الكنوز ممن لا يعرف قيمتها أو يطمع بها، لنحافظ على ماتبقى. مواقع وعن المواقع المؤكد اكتنازها للآثار قالت العبسي: في كل مديرية تقريباً معالم أثرية وتراث يكاد ينقرض منها حواظر قديمة مثل السواء في مديرية المعافر ومنطقة الكلائبة المسراخ والسويت وماوية ومنطقة الحجرية مثل ذبحان ومناطقها غنية بالمعالم. ومؤخراً تم إفشال محاولة تهريب آثار في الحديدة مصدرها منطقة الحجرية وجاء إلينا في المركز مجموعة أفراد عرضوا علينا أن تدفع لهم “30” مليون ريال مقابل تسليمنا آثار لديهم شراء والثروة التي لديهم تساوي مئات الملايين والمؤسف ماحصل أثناء أحداث الثورة الشبابية حيث لجأ أناس في منطقة الكلائبة الأثرية إلى نبش الموقع وأخرجوا قطعاً أثرية كثيرة ويبدو أن أجانب تسلّلوا بمعية أشخاص محليين وقاموا بالحفر والنهب وربما كلهم أجانب أو استعانوا بأناس مقابل مبالغ زهيدة. لذا نشد على أيدي رجال الأمن الشرفاء والإعلاميين وقادة الرأي في حماية التراث والحفاظ على التاريخ وخاصة عبر توعية الشباب والمجتمع ككل للمساهمة في الحفاظ على تاريخنا وتراثنا كثروة وتركة الأبناء والأجداد منها نستلهم ما نعتز به. مشاريع مؤجلة وحول التخصصات والخبرات الخاصة بالتعامل مع التراث المادي واللامادي في تعز قالت العبسي: هي متوفرة وهم منتشرون وخاصة في العاصمة صنعاء أو أنهم مهاجرون خارج البلد وتوجد كفاءات في الداخل وفي تعز لاسيما المرتبطين بالمركز مثل الدكتور هزاع الحمادي و د. نعمان العزعزي، متخصص في التراث اللامادي ومهتمين وفي مجال الأغنية الشعبية منهم الباحث مهيوب القدسي د. محمد عبدالرحمن السامعي ومتخصصون في التاريخ والأديان المقارنة وبين أيديهم مشاريع عديدة قدمت لهم ولكن حتى الآن لا إمكانية لتحقق أي مشروع، وأعتقد أنه لن ينفذ مشروع كبير لعدم وجود ميزانية لمركز التراث في مخصصات تعز عاصمة الثقافة، مع أن المرحلة القادمة تتطلب عملاً حقيقياً للحفاظ على التراث وحمايته. حصر ما أنجزه مركز التراث حتى الآن هو حصر المعلومات وعلى أساسها سيتم تحديد أولويات العمل في الميدان ومن المشاريع ذات الأولوية ترميم مبانٍ قديمة وتوثيق موروث يكاد يندثر، ففي تعز القديمة انهارت مؤخراً دور قديمة تراثية وتقول مديرة المركز: نحتاج إلى مبنى تاريخي لإنشاء مدرسة للتراث الموسيقي ومعرض يضم كل ما يتصل بالبيت التقليدي من أثاث وتحف وأوانٍ وملابس فلكلورية وأدوات مطبخ وأغذية ومبنى ليكون عبارة عن مشاغل تأهيلية وتدريبية للحفاظ على التراث بعد أن تهدّمت مساكن كانت أدخلت ضمن قائمة الدور التاريخية وساهم الناس في ذلك وباعوا أخشابها، ونحتاج إلى ترتيب الأسواق الشعبية لتغدو أكثر جذباً للسياح والحد من طمس معالمها والغزو الإسمنتي الذي يطال المباني الأثرية في محيط جامع الأشرفية. تحقيق وأشادت العبسي بتفهم القطاع الخاص وخاصة مجموعة هائل سعيد أنعم التجارية وتجاوب رجل الأعمال عبدالله عبده سعيد فيما يخص إحياء بعض الحرف وخاصة صناعة العقيق في تعز والذي تجود مناجمه في الوازعية ولا يحسن استغلاله حيث يستخرج عشوائياً وتباع الجونية ب10 15 ألف ريال ليذهب بعيداً ولا يصقل في تعز، ويمكن لمبلغ مالي أن ينفذ دراسة جدوى لإعادة تأهيل الفئة الأشد فقراً وإحياء صناعة الطبول مثلاً وتسويقها وهي صناعة عُرفت بالجودة بدلاً من استيراد هذه الأدوات الموسيقية من الخارج، والإسهام في إحياء جانب من العادات والتراث الموسيقي. أزياء شعبية وبشأن جمع وتوثيق الملابس الشعبية قالت سعاد العبسي: في محافظة تعز نحو “45” تسمية للملابس الشعبية التقليدية النسائية وماتم توثيقه بالصور من منطقة الحجرية في مهرجان الفضول مؤخراً غاية في الجمال والروعة، وهناك مشروع متحف اعتمد ليكون في مدينة التربة ونتطلع أن يضم التراث في المنطقة وتاريخ شخصيات تاريخية وفكرية وإبداعية تزخر بها الحجرية وكان الهدف هو أن تعتني الدولة بأسرة النعمان وتحول أحد بيوت الأسرة إلى متحف تقديراً لها. فالعاصمة الثقافية جاءت بقرار سياسي وواجبنا العمل على أن تصبح فعلاً عاصمة ثقافية بقرار وإرادة مجتمعية يحمل وعياً ويقدم ثقافة ويكشف عن خفايا تاريخية كثيرة ماتزال غير مكتشفة. وأن نتذكر صورة انفتاح الإنسان في هذه المحافظة على العالم والتي مثلها الفتى سعدان في حكاية “بنت صين الصين” والفتى سعدان بطلها المشهور الذي كان في باب موسى بتعز يتخيل في رمزية المكان بأنه رحل إلى الصين وعندما وصل شواطئ الصين وتعرف على بنت ملك الصين وأحبها ولكنه غرق في الخيال حلماً بالعودة إلى وطنه ومكانه في باب موسى بمدينة تعز وجاءت عبارته بعد أن صحا من حلمه معبرة في قوله “لا عليكم كلنا من بطن أسيا”. ودلالة القصة هي أن الإنسان في محافظة تعز كان دائماً رحالة ومنفتحاً على العالم ومستوعباً للجديد ومتفاعلاً معه ويحن إلى بيئته وبالتالي هم ميّالون إلى التعرف على الآخرين وعلى الجمال والدخول حضارة العالم والحصول على ضالته وينزع إلى السلام. هذا ما نحتاجه اليوم من نفائس التراث وتحمل المسئولية لتصبح تعز في المكانة التي تستحقها كعاصمة ثقافية والانتقال بخطى ثابتة نحو المستقبل الأفضل.